المصالحة في العلمين

المصالحة في العلمين!

المغرب اليوم -

المصالحة في العلمين

عبد المنعم سعيد
بقلم - عبد المنعم سعيد

استضافة مصر للجماعات الفلسطينية المختلفة والمتنوعة من أجل تحقيق «المصالحة الفلسطينية» تعكس طاقة الصبر المصرية الكبيرة كدولة وقيادة على الشأن الفلسطينى وما فيه من قضايا معقدة ومتشابكة.

المؤكد هو أن هذا اللقاء فى مدينة العلمين يعود بالذهن إلى محاولات عديدة لرأب الصدع بين «الفصائل» دونما نتائج إيجابية، والتى لم تحدث ليس فى القاهرة فقط، وإنما فى عواصم عربية متعددة فى السعودية والجزائر، ودخلت فى الصف مؤخرًا تركيا أيضًا.

للوهلة الأولى، فإنه دائمًا عند عقد جلسات الصلح يكون هناك حدث أو أحداث جلل تتطلب الوحدة بين الفلسطينيين؛ وهذه المرة كانت «غزوة جنين» الإسرائيلية مولدة لقدر كبير من الغضب والحنق على «المجتمع الدولى»، الذى لا ينصف الفلسطينيين، ويغض الطرف عن الجرائم الإسرائيلية.

النتيجة التى يعرفها الفلسطينيون هى أن إسرائيل ترى فى الانقسام الفلسطينى فرصة من ناحية لكى تتدخل عسكريًّا فى النطاقات التى تراها مصدرًا للتهديد؛ ومن ناحية أخرى تضع الفلسطينيين فى وضع العاجز عن السيطرة على المناطق التى تخصهم وفق قسمة اتفاق أسلو.

غزوات اليوم الواحد باتت ابتكارًا إسرائيليًّا خالصًا لكى تقوم بعمليات تدمير واسعة النطاق، وتسميها «البيت والحديقة» فى إشارة إلى المستوطنات الإسرائيلية دونما ذكر لها لأن نتنياهو ورفاقه فى الحكومة يريدون التخلص من كلمتين: الاحتلال والمستوطنات.

الأولى لأن الحكومة الإسرائيلية الحالية تستعيد بقوة غير مسبوقة لدى الإسرائيليين الوعد الإلهى لليهود بأرض فلسطين، والثانية لأنه لا تجوز إدانة الإسرائيلى الذى يعيش فى منزله وأمام حديقته مثلما يعيش المسالمون من أهل الأرض.

لا أعتقد أن أيًّا من هذا قد غاب عن أذهان القيادات الفلسطينية، وقد رأت عيونهم حجم العنف الإسرائيلى؛ ومن ثَمَّ بات اللقاء والوحدة والاتحاد ولَمّ الصفوف واصطفافها مسألة وجودية. ولكن إلى هنا ينتهى التوافق، ويبدأ الاختلاف حول لَمّ الشمل الوطنى من خلال انتخابات عامة جديدة للقيادة الفلسطينية والمجلس الوطنى الفلسطينى؛ وحول استراتيجية التعامل مع إسرائيل.

القضية الأولى تشير فيها استطلاعات الرأى العام إلى أن «حماس» و«الجهاد الإسلامى» ومجموعهما مع فصائل مشابهة تحسم القضية لصالح السيد إسماعيل هنية فى الرئاسة، والجناح «الجهادى» فى مجموعة الأغلبية فى المجلس، فبعد سنوات طويلة من «المقاومة» والغزوات الإسرائيلية المدمرة، فإن الشعب الفلسطينى وقع فى الصف الذى يحقق المواجهة والانتقام.

حصاد ذلك خلال السنوات الماضية كان دائمًا مزيدًا من الاحتلال والاستيطان ونزيفًا من الدم والتدمير الذى جعل الحروب ومحاولة التعمير بعدها أشبه بحلقات دائمة. ما يسقط فى هذا الموضوع هو بناء الدولة الفلسطينية ومؤسساتها؛ وما يظهر منها سوف يكون تآلفًا مع إيران، التى ترى القضية الفلسطينية وقد وقعت فى كفها.

ما يسقط فى هذا الموضوع أيضًا اختفاء الأصول التى قامت عليها حركة التحرير الوطنى الفلسطينية، حيث ينتفى وجود «منظمة التحرير الفلسطينية»- الممثل الشرعى والوحيد للشعب الفلسطينى- ومعه السلطة الوطنية الفلسطينية، التى بات عليها أن تتعامل مع إسرائيل، وفى نفس الوقت يسلب منها الاحتكار الشرعى للسلاح، الذى هو أول مقومات قيام الدولة.

وباختصار، فإن قرارات الحرب والسلام لم تعد واقعة فى يد قوة مركزية قادرة على استخدام أدوات عديدة دبلوماسية وسياسية فى العالم وفى الإقليم من أجل استعادة حقوق الشعب الفلسطينى فى الدولة والاستقلال.

الرئيس محمود عباس، الذى دعا وسط النار والدخان إلى اللقاء، يقيس توازنات القوى، ويعرف حقًّا ما الذى جرى فى «جنين»، ويريد استعادة المناورة الفلسطينية بين القوى المتعددة فى عالم اليوم عله يستعيد القدرة على استعادة مكانة القضية على قائمة الأعمال العالمية؛ ولذا فإن النضال السلمى يصبح هو منهج النزال مع إسرائيل، وفى الوقت نفسه بناء المؤسسات الفلسطينية وإقامة الدولة على الأرض.

وهناك قدرات أكبر على بقاء الشعب الفلسطينى على أرضه، وهو الحقيقة الفلسطينية الوحيدة التى تزلزل الواقع الإسرائيلى لأنه بين نهر الأردن والبحر المتوسط يوجد تعادل فى التواجد الجغرافى. فى المقابل، فإن القوى الفلسطينية الأخرى تريد المنازلة بالسلاح والكفاح المسلح الذى يُضعف من التأييد الدولى من ناحية، ويعطى الفرصة الكبرى لليمين الإسرائيلى لكى يحقق استراتيجيته فى دفع الفلسطينيين إلى نكبة جديدة.

عقد المصالحة فى العلمين كان إشارة إلى المدى الذى يمكن أن تبلغه الدولة الوطنية على الأرض من تحديث وبناء، وكان ذلك هو ما حاولت مصر تحقيقه من خلال مشروع تعمير غزة، الذى لم يكن اعتراضه من جانب إسرائيل، وإنما أتى من خلال الاستدراج إلى مواجهات لم يكن بها توازن فى القوى ولا مكسب فى العالم.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

المصالحة في العلمين المصالحة في العلمين



GMT 14:38 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

الحضارة بين العلم والفلسفة أو التقنية والإدارة

GMT 14:35 2024 الجمعة ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

التسمم بالرصاص وانخفاض ذكاء الطفل

GMT 17:39 2024 الخميس ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

أي تاريخ سوف يكتب؟

GMT 17:36 2024 الخميس ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

لا تَدَعوا «محور الممانعة» ينجح في منع السلام!

GMT 17:32 2024 الخميس ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

عودة ترمبية... من الباب الكبير

إطلالات الأميرة رجوة الحسين تجمع بين الرقي والعصرية

عمّان - المغرب اليوم

GMT 11:33 2024 السبت ,30 تشرين الثاني / نوفمبر

أسلوب نقش الفهد الجريء يعود بقوة لعالم الموضة
المغرب اليوم - أسلوب نقش الفهد الجريء يعود بقوة لعالم الموضة

GMT 17:27 2024 الجمعة ,29 تشرين الثاني / نوفمبر

النوم الجيد مفتاح لطول العمر والصحة الجيدة
المغرب اليوم - النوم الجيد مفتاح لطول العمر والصحة الجيدة

GMT 13:12 2020 السبت ,26 أيلول / سبتمبر

حظك اليوم برج الحوت السبت 26-9-2020

GMT 13:22 2021 الأحد ,19 أيلول / سبتمبر

نادي شباب الريف الحسيمي يواجه شبح الانقراض

GMT 06:23 2023 السبت ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

توقعات الأبراج اليوم السبت 11 نوفمبر/ تشرين الثاني 2023

GMT 11:08 2023 الجمعة ,08 أيلول / سبتمبر

بلينكن يشيد بـ«الصمود الاستثنائي» للأوكرانيين
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib