المأزق الإيراني

المأزق الإيراني؟!

المغرب اليوم -

المأزق الإيراني

عبد المنعم سعيد
بقلم - عبد المنعم سعيد

جميع دول العالم لديها ثلاثة أنواع من المصالح: الاستراتيجية التي تتعلق بالبقاء، سواء كان للدولة في إقليمها أو لنظام الحكم الذي يديرها؛ والمادية ذات الطبيعة الاقتصادية التي منها تسير دورة الحياة الشعبية؛ والسمعة التي تجعل الدول الأخرى، أن يأخذوا الدولة بالجدية التي تستحقها. المصالح في مجملها لها أصول جغرافية وتاريخية تتراكم لدى الدول التي لها تاريخ طويل، حيث تتشكل فيها تقاليد للدفاع في وقت، والهجوم في زمن، والحفاظ على توازن للقوى مع الخصوم المحتملين. وقيل دائماً إن الإنسان لا يكون لديه اختيار في والديه؛ أما الدول فإنه لا يوجد لديها اختيار في جيرانها. ويحدث المأزق عندما تتضارب هذه المصالح مع بعضها؛ وينطبق كل ذلك على إيران التي لديها عدد من الخصائص في صورتها المعاصرة. أولها أنها دولة ثورية غيّرت نظام عرش الطاووس من خلال منهج آيديولوجي يعتمد على الدين والدعوات الإلهية التي تطلب المقاومة والاستشهاد. وثانيها أن نظامها السياسي القائم على «ولاية الفقيه» أفرز مكانة خاصة للمرشد الأعلى للثورة الذي تختلط فيه صورة الإمام مع حالة القيادة شبه المطلقة. وثالثها أن التاريخ الإيراني يشهد على وجودها في مكانة متميزة لدى إقليمها يكون لها امتدادات إمبراطورية أو قدرة على تحدي الإمبراطوريات المهيمنة في العالم. ورابعها أنه بعد خمسة وأربعين عاماً على الثورة، فإن الممارسة خلقت إرهاقاً لدى الشعب الإيراني شكّل السخط الذي يحدث عندما يطول زمن الثورة والمقاومة وتقديم الخارج على الداخل وما يولّده من حصار وعقوبات.الفترة القصيرة الماضية، مقاسة منذ الاغتيال العنيف للسيد حسن نصر الله، شهدت حركة سياسية ودبلوماسية سريعة من أقطاب عدة لدى النظام الإيراني تشمل رسائل المرشد العام علي خامنئي، والرئيس مسعود بزشكيان وطاقمه محمد جواد ظريف وعباس عراقجي، وبعد ذلك رئيس «الحرس الثوري» محمد علي جعفري. المؤكد أن هناك ما هو أكثر، لكن المأزق الإيراني بدأ تراكمياً عندما أخذت إسرائيل في اختراق جبهتها الداخلية من خلال عمليات اغتيال منتقاة لعلماء الذرة، ومن لهم علاقة مع الأجهزة الأمنية التي في ظلالها تم اغتيال إسماعيل هنية رئيس حركة «حماس». وعندما جرت عمليات اغتيال حسن نصر الله ومجمع من قيادات «حزب الله» ومعهم عدد من الإيرانيين من «الحرس الثوري» في سوريا ولبنان بات واضحاً أن الرتق اتسع على الراتق؛ والأمر يحتاج إلى نوع من التأني للبحث في حجم الاختراق الأمني وطبيعته في الدولة وتوابعها. لكن في لحظات المأزق، فإن تحركاً مثل الذي قامت به إيران بتوجيه ضربة انتقامية إلى إسرائيل يخلق ضغوطاً كبيرة كما سوف نرى تجعل المأزق مستحكماً عندما تتضارب المصالح بين بقاء الدولة وبقاء النظام وبقاء المصالح اللازمة لجريان الأمور لشعب يقترب عدده من اثنين وتسعين مليون نسمة متعدد الأقاليم والأعراق.

الضربة كانت متميزة عن ضربات قبلها، حيث كان استخدام الصواريخ الباليستية سبباً في تحقيق إصابات إسرائيلية ملموسة ولَّدت فوراً نية إسرائيلية بالقيام بضربة مضادة لا يعلم أحد مدى قوتها وتأثيرها، وإن كان السجل الإسرائيلي في هذه المرحلة ومنذ ضربة أجهزة «البيجر» في لبنان حتى مقتل حسن نصر الله وكبار معاونيه وخلفائه يجعل إيران لا تعرف بالضبط كيف ستكون الضربة القادمة. في لحظة بدا أن التلويح بتسريع دورة تخصيب اليورانيوم واقترابها من نقطة بناء السلاح النووي يمكنه أن يكون رادعاً. لكن الضربة والتلويح بالذرة جعلا الولايات المتحدة شريكة كاملة في المواجهة، حيث قامت بتصعيد وجودها العسكري في المنطقة، وقدمت لإسرائيل نظام الدفاع ضد الصواريخ الأحدث في الترسانة الأميركية، وأضافت إلى ذلك توقيع المزيد من العقوبات على الطاقة النفطية الإيرانية وساندها في ذلك عدد من الدول الأوروبية. كان الضغط ساعياً لكي تكون الضربة الإسرائيلية «معقولة» لا تقترب من النفط ولا من القدرات النووية. الردع الأميركي استهدف أن يكون الرد الإيراني على ما سوف تفعله إسرائيل «معقولاً» هو الآخر حتى يمكن وقف إطلاق النار عند هذا الحد والعودة إلى مفاوضات وقف إطلاق النار في غزة وعلى لبنان. لكن معنى ذلك هو أن المهابة الإيرانية وسمعة «المقاومة» سوف تتضرران فضلاً عن مصالحها المادية، والخوف من نوبة اغتيالات أخرى دفعت إلى نقل المرشد العام إلى مكان آمن آخر. لحسن حظ إيران أن علاقاتها مع الدول العربية تحسنت خلال الفترة الماضية قبل حدوث حرب غزة الخامسة؛ فهل تكون هي التي تأخذ بيد إيران للخروج من المأزق أم أن القوى الدافعة لحرب إقليمية لا يوجد ما يوقفها؟

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

المأزق الإيراني المأزق الإيراني



GMT 16:51 2024 الجمعة ,29 تشرين الثاني / نوفمبر

الانتصار

GMT 16:49 2024 الجمعة ,29 تشرين الثاني / نوفمبر

إلى الكويت لحضور “قمة الخليج 45”

GMT 16:46 2024 الجمعة ,29 تشرين الثاني / نوفمبر

إيران والدور الجديد لـ«حزب الله»

GMT 16:44 2024 الجمعة ,29 تشرين الثاني / نوفمبر

إيران... وسورية المكلِّفة

GMT 16:42 2024 الجمعة ,29 تشرين الثاني / نوفمبر

من دفتر الجماعة والمحروسة

GMT 16:41 2024 الجمعة ,29 تشرين الثاني / نوفمبر

السلام في أوكرانيا يعيد روسيا إلى عائلة الأمم!

GMT 16:39 2024 الجمعة ,29 تشرين الثاني / نوفمبر

«وباء العنف الجنسي» في حرب السودان

GMT 16:38 2024 الجمعة ,29 تشرين الثاني / نوفمبر

اعتقال نتنياهو بين الخيال والواقع

إطلالات الأميرة رجوة الحسين تجمع بين الرقي والعصرية

عمّان - المغرب اليوم

GMT 00:54 2024 الجمعة ,29 تشرين الثاني / نوفمبر

روحي فتوح لتولّي رئاسة السلطة الفسطينية حال شغور المنصب
المغرب اليوم - روحي فتوح لتولّي رئاسة السلطة الفسطينية حال شغور المنصب

GMT 22:21 2024 الخميس ,28 تشرين الثاني / نوفمبر

ترامب يناقش إبعاد بعض وسائل الإعلام من البيت الأبيض مع نجله
المغرب اليوم - ترامب يناقش إبعاد بعض وسائل الإعلام من البيت الأبيض مع نجله

GMT 18:29 2024 الجمعة ,29 تشرين الثاني / نوفمبر

أخنوش يتباحث مع الوزير الأول لساو تومي
المغرب اليوم - أخنوش يتباحث مع الوزير الأول لساو تومي

GMT 17:27 2024 الجمعة ,29 تشرين الثاني / نوفمبر

النوم الجيد مفتاح لطول العمر والصحة الجيدة
المغرب اليوم - النوم الجيد مفتاح لطول العمر والصحة الجيدة

GMT 13:12 2020 السبت ,26 أيلول / سبتمبر

حظك اليوم برج الحوت السبت 26-9-2020

GMT 13:22 2021 الأحد ,19 أيلول / سبتمبر

نادي شباب الريف الحسيمي يواجه شبح الانقراض

GMT 06:23 2023 السبت ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

توقعات الأبراج اليوم السبت 11 نوفمبر/ تشرين الثاني 2023

GMT 11:08 2023 الجمعة ,08 أيلول / سبتمبر

بلينكن يشيد بـ«الصمود الاستثنائي» للأوكرانيين
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib