ترمب مجدداً

ترمب مجدداً

المغرب اليوم -

ترمب مجدداً

عبد المنعم سعيد
بقلم - عبد المنعم سعيد

 

دور الفرد في التاريخ من القضايا الكبرى لدى المؤرخين، وعما إذا كان قوة دافعة للأحداث الكبرى والنقلات الفارقة في الزمن الإنساني، أو أن الأمر كله يقع في كف الظروف الموضوعية التي تنتج معادلات وقوى دافعة للتغيير من حال إلى آخر. كان «ماركس» هو الذي فسر لنا عملية الانتقال هذه بأنها تعود إلى أدوات الإنتاج والتكنولوجيا ببساطة، وهي التي تقودنا إلى الطبقات الاجتماعية التي يؤدي الصراع فيما بينها إلى التغيير من حال إلى حال. ورغم ما كان شائعاً من ديناميكية التفكير لديه، فإن ذلك كان نتيجة أنه لم يكن يتصور ما هو أبعد من سرعة الثورة الصناعية الأولى. «هيغل» تخيل هذه الجدلية في الأفكار والمذاهب الاجتماعية، ولكن ما اتفقا عليه هو أنه سواء كان الأمر متعلقاً بالمادية الجدلية أو بالديالكتيك في الأفكار فإن التغيير يأتي نتيجة الخلل وعدم الاتزان في النظام العام لكي يعود الاتزان ويستقيم على نمط مستقر.

ومع ذلك، فإن الفرد في ظل ظروف استثنائية يكون فارقاً ومؤثراً وربما فاعلاً ومحركاً لتلك الظروف الموضوعية، ويكون مجيداً على غرار الأنبياء الذين أتوا إلى الدنيا هداية للعالمين؛ وبعضهم الآخر كان مؤثراً في حياة الشعوب مثل الإسكندر الأكبر، الذي نشر الحضارة الهيلينية في العالم، أو نابليون بونابرت الذي رغم هزيمته في النهاية فإنه نشر مبادئ الثورة الفرنسية في أوروبا والعالم. القيادات في التاريخ المعاصر مثل لينين وماو وتشرشل وروزفلت لعبت أدواراً خلال القرن العشرين انتهت إلى نظام دولي يقوم على ازدواجية الاعتماد على الردع وتوازن القوى، والقانون الدولي وتنظيمات الأمم المتحدة التي تنظم التفاعلات الدولية. بالطبع كانت هناك قيادات مدمرة مثل هتلر الذي أخذ العالم إلى الحرب العالمية الثانية، ودون أن يدري خلق عالماً بعده يحاول تلافي بؤس الحرب، وأخذ الإنسانية بفاعل التكنولوجيا والتجارة إلى عالم جديد وغير مسبوق.

دونالد ترمب الذي بات الرئيس الخامس والأربعين للولايات المتحدة وضع نقطة النهاية في مشروع العولمة الأميركي، حينما كان عنوان جيل من القادة في العالم الغربي يمثلون «القومية البيضاء»، والساعية إلى نوع من الانصراف عن الترتيبات العالمية التي تعيد تركيب العالم في اتجاه عالم القرية الصغيرة. فشل ترمب في الحصول على فترة رئاسية ثانية، ومع ذلك فإنه عاد مرة أخرى مطالباً بالرئاسة والعودة إلى البيت الأبيض كما لو كان واحداً من أمراء العصور الوسطى الذين أطيح بهم ثم عادوا مرة أخرى، شاهرين سيوفهم، مطالبين بحق مقدس في السلطة والعرش.

كان ذلك هو ما فعله ترمب عندما بدأ مبكراً قبل عام في إشهار ترشحه للرئاسة، وعندما بدأت مناظرات الانتخابات التمهيدية للحزب الجمهوري رفض على غير العادة من المرشحين الوقوف في صف واحد مع عشرة مرشحين آخرين من الحزب لا يرتفع مقامهم لمقامه في استطلاعات الرأي العام. انقسم الحزب الجمهوري إلى ثلاثة أقسام: القسم المناصر لترمب وهو الأغلبية المتعصبة ويمثلها ترمب، والقسم الثاني الذي يؤمن بأفكار ترمب ولكنه لا يرى أن لديه فرصة للفوز بالرئاسة نتيجة المحاكمات العديدة التي يتعرض لها ويمثله رون دي سانتوس حاكم فلوريدا؛ والثالث هو الذي يرى أن الحزب الجمهوري يستحق بتاريخه الذي يعود إلى إبراهام لينكولن أن يكون له مرشح يخرج من عباءة ترمب، وهنا يوجد كريس كريستي حاكم نيوجيرسي الأسبق، وخليل ترمب ووصفيه في الانتخابات السابقة، والذي انشق عليه نظراً لفضائحه، ونيكي هيلي رئيسة الوفد الأميركي لدى الأمم المتحدة في عهد ترمب، ثم بعد ذلك بعدت عنه بفراسخ عديدة.

الآن، فإن ترمب يدخل إلى الساحة السياسية الأميركية لكي يضعها في مأزق عميق يهدد النظام الدستوري الأميركي كله. فهو من ناحية يتعرض لمحاكمات محتواها 34 تهمة أعلن براءته منها؛ ومن ناحية أخرى يشن محاكمته الخاصة على النظام الأميركي كله سياسياً وقضائياً عندما نزع الشرعية عن الانتخابات الرئاسية، وأكثر من ذلك أعلن التمرد الجماهيري على النظام بحيث أعطاها الغطاء للهجوم على مبنى الكونغرس في 6 يناير (كانون الثاني) 2020. وهي لحظة لم تحدث في تاريخ الولايات المتحدة إلا في أثناء الحرب الأهلية الأميركية (1860 - 1865)، واقتضت المطالبة بتطبيق التعديل الـ14 في الدستور، والذي ينص على منع الذين اشتركوا في العصيان أو التمرد ضد الدستور من تولي المناصب العليا في الدولة، ومنها رئاسة الجمهورية. المادة جزء من ثلاثة تعديلات دستورية جرت أثناء الحرب الأهلية وهي 13 و14 و15، وجميعها اختصت بإعطاء المواطنين من أصول أفريقية الحرية وحق التصويت والترشح والمواطنة، والتي بمقتضاها يحصل الفرد على «الحماية المتساوية أمام القانون». الدستور الأميركي صدر في عام 1866، وجرى التصديق عليه في يوليو (تموز) 1867، وطرأ عليه 26 تعديلات حتى الآن.

ولكن الولايات المتحدة دولة فيدرالية، ومن ثم فإن هناك نوعاً من الاستقلالية في الأمور الانتخابية، ولذلك فإن المحكمة الدستورية في ولاية كولورادو استقبلت دعوة لتطبيق التعديل الـ14 على حالة ترمب، ومنعه من المشاركة في الانتخابات التمهيدية للحزب الجمهوري؛ نظراً لموقفه من العصيان. حكمت المحكمة لصالح المدعين، ومن ثم بات على ترمب أن يلجأ إلى المحكمة الدستورية العليا، والتي قام ترمب شخصياً عندما كان في الرئاسة بضمان ستة أصوات من تسعة لصالحه. النتيجة هي أن الولايات المتحدة باتت على أبواب أزمة دستورية صعبة إذا حكمت لصالحه، ومن ثم يصبح عليه مواجهة بايدن، وهو المتفوق عليه في استطلاعات الرأي العام؛ أو تثبت المحكمة العليا قرار محكمة كولورادو فيصبح من حق الولايات الأخرى المناهضة لترمب أن تمنعه من دخول الانتخابات، وفي هذه الحالة، فإن احتمالات العصيان المجتمعي لن تكون قليلة.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

ترمب مجدداً ترمب مجدداً



GMT 19:37 2024 الأحد ,01 كانون الأول / ديسمبر

وانفقأ دُمّل إدلب

GMT 14:38 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

الحضارة بين العلم والفلسفة أو التقنية والإدارة

GMT 14:35 2024 الجمعة ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

التسمم بالرصاص وانخفاض ذكاء الطفل

GMT 17:39 2024 الخميس ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

أي تاريخ سوف يكتب؟

GMT 17:36 2024 الخميس ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

لا تَدَعوا «محور الممانعة» ينجح في منع السلام!

إطلالات الأميرة رجوة الحسين تجمع بين الرقي والعصرية

عمّان - المغرب اليوم

GMT 07:50 2024 الإثنين ,02 كانون الأول / ديسمبر

ميركل تكشف السر وراء صورتها الشهيرة مع بوتين والكلب الأسود
المغرب اليوم - ميركل تكشف السر وراء صورتها الشهيرة مع بوتين والكلب الأسود

GMT 11:51 2019 الجمعة ,21 حزيران / يونيو

شهر حزيران تميمة حظ لمواليد برج السرطان

GMT 13:31 2017 الثلاثاء ,17 تشرين الأول / أكتوبر

السفير المغربي سمير الدهر يتعرض إلى السرقة في حي يسيشيكو

GMT 19:54 2017 الأربعاء ,25 كانون الثاني / يناير

والد حمزة منديل يرفض الرد على اتصالات نجله

GMT 02:43 2015 الإثنين ,14 أيلول / سبتمبر

حلى الزبادي بالأوريو

GMT 08:36 2017 الثلاثاء ,24 تشرين الأول / أكتوبر

شركة "تسلا" تبني مصنعًا لإنتاج السيارات الأجنبية في الصين

GMT 08:25 2024 الإثنين ,15 إبريل / نيسان

نتائج القسم الثاني لكرة القدم بالمغرب

GMT 07:21 2023 الإثنين ,18 كانون الأول / ديسمبر

أبرز النجمات اللواتي ارتدين البدلة الرسمية هذا العام
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib