على ماذا يكون التشاور

على ماذا يكون التشاور؟

المغرب اليوم -

على ماذا يكون التشاور

عبد المنعم سعيد
بقلم - عبد المنعم سعيد
قبل أسبوعين، وتحديدًا يوم الأربعاء ١٨ يناير ٢٠٢٣، انعقدت قمة عربية من ست دول عربية في أبوظبى، أُطلق عليها اسم «قمة الازدهار والاستقرار»، وحضرها من دول الخليج الإمارات العربية المتحدة وعمان والبحرين وقطر؛ ومن خارجها مصر والأردن. قبل هذه القمة بأيام، انعقدت قمة أخرى في القاهرة شاركت فيها مصر والأردن وفلسطين.

الأمر هكذا فيه نوع من التسارع في القمم، وجميعها تؤكد أولًا: التشاور المستمر؛ وثانيًا: استعراض القضايا والتطورات الإقليمية والدولية ذات الاهتمام المشترك، وتنسيق المواقف إزاءها؛ وثالثًا: التأكيد على الروابط «التاريخية الراسخة» بين البلدان المشاركة. الأمر على هذا النحو يدعو إلى التفاؤل، خاصة أنه يأتى في سياق تشاور مستقر بين الدول العربية وبعضها البعض على المستويين الثنائى والجماعى على النحو المشار إليه أو في حضور دولة عظمى على الجانب الآخر من المائدة، ولذا انعقدت القمة العربية الأمريكية، وتلتها القمة العربية الصينية.

الإشارة التي تأتى من كل ذلك تتوجه إلى نوع من «الإقليمية الجديدة» بين الدول العربية، التي لا تجتمع من خلال «محاور» أو «تحالفات خاصة»، وإنما هي تشاورية تشاركية بين عواصم لديها اهتمام أو مصالح مشتركة تستوجب اللقاء على مستوى القمة. هي نوع من الدبلوماسية والسياسة المرنة التي تفيد وتضيف، ولكنها لا تخصم ولا تؤذى؛ هي تختلف تمامًا عما اعتاد عليه جيلنا قبل عقود، حيث كانت القمم تُعقد لإعلان ما لا يقل عن تحرير فلسطين أو إشهار الوحدة العربية أو عقد معاهدات للدفاع المشترك. وبهذا الشكل فإنها تكمل وبشكل أكثر كثافة المسار الذي بدأ مع إعلان «العلا» في قمة مجلس التعاون الخليجى، والذى أنهى النزاع مع قطر، وفتح المحادثات مع تركيا، وبدأ مسارات للتفاهم مع إيران. ظهور قطر وعمان في اجتماع أبوظبى علامة على قدرة التجمعات العربية المختلفة على الاستيعاب والضم، وإشهار لقدر من الحميمية، التي ظهرت إزاء أنشطة عالمية عقدتها دول عربية لمتابعة التغيرات المناخية المهمة أو لعقد مباريات كأس العالم لكرة القدم المثيرة.

دبلوماسية «التشاور» هذه مع كثافتها وعقدها على مستوى القمة ضرورتها قصوى بين الدول العربية ليس فقط لمكانة القائد السياسى في دبلوماسية وسياسة بلاده، وإنما لأن هناك الكثير من الدوافع التي تلح وتستدعى المزيد من المعلومات والإدراك للواقع الدولى والحالة العالمية في عمومها. أمام القادة العرب كما هو أمام غيرهم أن العالم بات غارقًا في حالة الحرب الأوكرانية، وأنه بينما تعبئ روسيا جنودها بمئات الألوف، فإن حلف الأطلنطى يقدم صفقات أسلحة جديدة. الحرب باتت لها جولاتها بين الهجوم الروسى، والهجوم الأوكرانى المضاد، واحتلال مدن والخروج منها. آثار التدمير بادية في أوكرانيا، وبوادر الإنهاك ظاهرة على روسيا، وما بين كليهما لا يوجد إلا ما سماه عالِم العلاقات الدولية «جوزيف ناى»: الشتاء الدبلوماسى، حيث لا يوجد في الساحة إلا محاولة صغيرة تقوم بها تركيا. وإذا كانت الحرب الأوكرانية مستمرة، فإن المفاوضات الإيرانية الأمريكية في مباحثات ٥+١ حول الاتفاق النووى مع إيران لا تزال معلقة، بينما الساحة الداخلية في إيران تزمجر وتزيدها غضبًا على أمريكا وكل مَن جاورها من عرب وعجم. حالة الالتهاب الإيرانية ممتدة حتى شرق البحر المتوسط، حيث تدخل إسرائيل في حالة جديدة من التطرف، الذي يأخذ بالدولة العبرية كلها إلى البُعد ليس فقط عن حل الدولتين مع الفلسطينيين، وإنما عن أسس علمانية للدولة تقوم على الفصل بين الدين والدولة، فضلًا عن الفصل بين السلطات. وزارة نتنياهو الجديدة لم يظهر منها ما يخلق الانضباط الملتزم باتفاقيات مسبقة، أو بمراعاة علاقات انفتحت فيها إسرائيل على الإقليم. والحقيقة هي أن حساسيات إسرائيل لعلاقاتها الإقليمية تتواضع، ويوجد داخل وزارتها ما يزيدها تعقيدًا.

جميع الدول العربية المتشاورة في إطار أو آخر تضع كل ما سبق على المائدة، وهى تعلم أنه وإن كانت الحرب الأوكرانية بعيدة، وتخص الأمن الأوروبى، بل الأمن العالمى؛ إلا أنها متداخلة معها بفاعلية النفط والغاز وقناة السويس والطاقة والغذاء في عمومها. ومن ناحية أخرى فإن التحديات الإيرانية ليست بعيدة كثيرًا عن التحديات الإسرائيلية؛ وبقدر ما أعلن «نتنياهو» عن رغبته في مزيد من التطبيع مع الدول العربية، فإنه لم يكف عن التهديد بقصف وتدمير الأصول النووية الإيرانية. إيران ذاتها تحاول الاقتراب ما أمكن من داخل إسرائيل من خلال الباب اللبنانى لحزب الله، أو النافذة السورية لنظام لم يعقد عزمه بعد عما إذا كان يريد عودة سوريا إلى الإطار العربى أو لا، أو تحديد أعدائه الكثر، أو تحديد كيفية الإصلاح السورى، الذي يعود بسوريا إلى عالمها مرة أخرى.

ما يعطى هذه التشاورات أهميتها الخاصة هو أن غالبية الدول المتشاورة تمر بمرحلة إصلاحية عميقة تريد استمرارها، ودعمها، وزيادة قدرتها على مواجهة ظروف دولية متغيرة. الإصلاح بطبيعته يعزز من قدرات الدول ويعطيها الكثير من الوسائل للتأثير والتغيير في واقعها الإقليمى؛ ومن ناحية أخرى فإنه يزيد من الحذر، الذي يخشى انفجارات غير موقوتة ومهددة لعملية الإصلاح. أكثر ما يُخشى في هذا الإطار المفاجآت التي تأتى من قيادة دولة ثورية مثل إيران تجد نفسها في مواجهة مع شعبها لا فرق في ذلك بين ذكر وأنثى. ومع أن مسار الحرب الأوكرانية يبدو مستقرًّا على تبادل المبادأة، فإنه لا توجد مصلحة في هزيمة أوكرانية أو مهانة روسية؛ وما بين الهزيمة والمهانة فإن أبواب المفاجآت تكون مفتوحة على مصاريعها. الوضع الإسرائيلى يسير في اتجاه إشعال سلسلة من النكبات بهدف دفع هجرات فلسطينية جديدة من الضفة الغربية، فتكون جاهزة لاحتلال شامل؛ مع- وصدق أو لا تصدق- إعلان الدولة الفلسطينية في غزة، التي مادامت حماس تحكمها فإن العالم لن يغضب لما تفعله بها إسرائيل حربًا أو سلامًا. الوضع الفلسطينى على الجانب الآخر مفتوح لكثير من المفاجآت هو الآخر، فالحقيقة هي أن هناك وحدتين سياسيتين فلسطينيتين واحدة لفتح في الضفة الغربية والأخرى لحماس في غزة، ومادام السلاح مبعثرًا على الجميع، واحتكار سلطة سياسية لشرعية استخدام السلاح غير موجودة، فإن اختفاء المفاجآت سوف يصبح في حد ذاته مفاجأة كبرى!.

بقدر ما يقدم العالم والإقليم من القضايا المركبة، فإن الأخبار الحسنة تكمن في العلاقات الثنائية، التي تدور كلها على أشكال مختلفة من التعاون، الذي يدعم في النهاية قدرات الدول العربية مجتمعة. الإسهامات الجارية في رفع العقبات والضغوط على عمليات الإصلاح في دول عربية مختلفة سوف يكون لها عائد تاريخى، أشكاله الاقتصادية والاجتماعية والثقافية ظاهرة؛ ولكن أهم ما فيه أنه لا مناص من محتوى أمنى يأخذ الأمن الإقليمى في الحسبان، والذى لا ينبغى له أن يبقى بعيدًا عن التعامل معه في أطر تعاونية. ولكن هذه تحت الكثير من البحث والتشاور!.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

على ماذا يكون التشاور على ماذا يكون التشاور



GMT 13:57 2024 الإثنين ,05 آب / أغسطس

محاصر بين جدران اليأس !

GMT 10:54 2024 الخميس ,21 آذار/ مارس

«مسار إجبارى».. داش وعصام قادمان!!

GMT 10:52 2024 الخميس ,21 آذار/ مارس

الفوازير و«أستيكة» التوك توك

GMT 10:49 2024 الخميس ,21 آذار/ مارس

الأخلاقى والفنى أمامنا

GMT 10:47 2024 الخميس ,21 آذار/ مارس

ذكرى عودة طابا!

إطلالات الأميرة رجوة الحسين تجمع بين الرقي والعصرية

عمّان - المغرب اليوم

GMT 08:27 2024 الثلاثاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

نصائح قبل شراء طاولة القهوة لغرفة المعيشة
المغرب اليوم - نصائح قبل شراء طاولة القهوة لغرفة المعيشة

GMT 08:50 2024 الثلاثاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

الكشف عن قائمة "بي بي سي" لأفضل 100 امرأة لعام 2024
المغرب اليوم - الكشف عن قائمة

GMT 16:38 2016 الجمعة ,23 كانون الأول / ديسمبر

إضافة 408 هكتارات من الحدائق والمساحات الخضراء في بكين

GMT 10:48 2019 السبت ,30 تشرين الثاني / نوفمبر

جنون الريمونتادا

GMT 12:35 2019 الثلاثاء ,16 إبريل / نيسان

امرأة تعقد عقد جلسة خمرية داخل منزلها في المنستير

GMT 04:14 2019 الخميس ,31 كانون الثاني / يناير

ارتفاع سعر الدرهم المغربي مقابل الريال السعودي الخميس

GMT 10:06 2019 الثلاثاء ,29 كانون الثاني / يناير

الطاعون يلتهم آلاف المواشي في الجزائر وينتشر في 28 ولاية

GMT 03:21 2019 الجمعة ,25 كانون الثاني / يناير

إعادة افتتاح مقبرة توت عنخ آمون في وادي الملوك

GMT 10:21 2019 السبت ,12 كانون الثاني / يناير

فضيحة جنسية وراء انفصال جيف بيزوس عن زوجته

GMT 09:04 2018 الأربعاء ,12 كانون الأول / ديسمبر

والدة "راقي بركان" تنفي علمها بممارسة نجلها للرقية الشرعية

GMT 05:06 2018 الإثنين ,10 كانون الأول / ديسمبر

جمهور "الجيش الملكي" يُهاجم مُدرّب الحراس مصطفى الشاذلي

GMT 06:44 2018 الخميس ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

"Il Falconiere" أحد أجمل وأفضل الفنادق في توسكانا

GMT 00:44 2018 الخميس ,25 تشرين الأول / أكتوبر

اكتشف قائمة أفخم الفنادق في جزيرة ميكونوس اليونانية

GMT 15:10 2018 الإثنين ,13 آب / أغسطس

شركة دودج تختبر محرك سيارتها تشالنجر 2019

GMT 19:15 2018 الأربعاء ,01 آب / أغسطس

يوسف النصري علي ردار فريق "ليغانيس" الإسباني
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib