الخروج المصرى من الأزمة العالمية

الخروج المصرى من الأزمة العالمية

المغرب اليوم -

الخروج المصرى من الأزمة العالمية

عبد المنعم سعيد
بقلم - عبد المنعم سعيد

نجحت مصر خلال السنوات الثمانى الماضية فى تحقيق درجة عالية من التقدم ظهرت فى معدلات النمو الإيجابية للناتج المحلى الإجمالى، والتى استمرت حتى فى سنوات «الجائحة»؛ وفى زيادة مساحة المعمور المصرى إلى ما يقرب من الضعف؛ وظهرت فى التقارير المالية الدولية، التى أعطت لمصر تقديرات إيجابية لمعظم هذه السنوات.

وفى تطور هيكلى للجغرافيا المصرية، خرجت مصر من الاحتجاز حول نهر النيل فى اتجاه بحارها وخلجانها، وتماسك ذلك كله بشبكة بنية تحتية قوية ربطت بين الوادى والصحراء، والوادى وشبه جزيرة سيناء. أصبحت مناطق بعيدة فى الصحراء فى العوينات وتوشكى والواحات فى الصحراء الغربية، فضلًا عن مناطق متعددة فى البحر الأحمر وسيناء، معلومة ومنظورة من قِبَل سكان وادى النيل. وللأسف، مع نشوب الحرب الأوكرانية وتفاعل مضاعفاتها العالمية مع نتائج أزمة الكورونا وإنتاجها لأزمة اقتصادية عالمية، ظهرت معالم ضغوط كبيرة على الاقتصاد المصرى، حتى بات يواجه صعوبات كبيرة فى التعامل مع التضخم المتزايد، الذى بلغ حوالى ٣٠٪ خلال الفترة الأخيرة، وما ظهر من صعوبات للوفاء بالتزامات مصر إزاء قروضها وديونها الداخلية والخارجية. ولحسن الحظ، فإن الأزمة لم تؤدِّ بعد النجاح إلى قلق واضطراب سياسى، كما هو شائع فى العلوم السياسية، ورغم استخدام جماعات معارضة ومعادية للأزمة فى التحريض على النظام السياسى، فإن الشعب المصرى فى عمومه، ومع سخطه وغضبه، كان قراره هو التمسك بالاستقرار السياسى، وعدم السماح بالعودة للتجربة القاسية السابقة قبل عقد من الزمان. تجربة البلدان العربية القريبة فى التمرد السياسى قادت إلى حالات يصعب إصلاحها، كما هو جارٍ فى سوريا واليمن وليبيا والسودان، وسببت عنتًا وآلامًا يصعب الشفاء منها. وهكذا، فإن الشعب العظيم الذى تحمل أعباء البناء للاقتصاد القومى كان لديه الكثير من الجلد والصبر على التعامل مع الأزمة الراهنة.

وكما هو معلوم أن الأزمات بطبيعتها من ناحية كاشفة عن جوانب القصور السابقة، وجوانب الانكشاف الراهنة، والفرص المستقبلية التى تلوح فى الأفق القريب والبعيد. ودون الدخول فى كثير من التفاصيل لكل هذه الجوانب، فإن الملخص هو أن مصر تعانى اختلالات آن أوان التعامل معها، أولها الاختلال ما بين خطط التنمية المختلفة والزيادة السكانية، وهو اختلال مصرى قديم عانت منه الأجيال السابقة وتلك الحالية فى مصر. وثانيها، ومنذ الحرب العالمية الثانية، فإن مصر باتت تعانى اختلالًا فى الميزان التجارى، نجمت عنه فجوة، كبرت مع الزمن، بين الصادرات والواردات. وثالثها اختلال فى ميزان المدفوعات بين ما يدخل إلى مصر من أموال وما يخرج منها. مواجهة هذه الاختلالات خلال السنوات السابقة اقتضت جهودًا كبيرة، ولكن الأزمات الخارجية المتتابعة لم تعط الفرصة الزمنية الكافية لتخطيها من خلال الاستغلال الكامل والكفء أولًا للموارد المصرية، وثانيًا تشغيل ما تم من إضافات جبارة خلال عملية التنمية المصرية طوال السنوات الماضية.

وعلى سبيل المثال، فإن مصر نجحت وقطعت شوطًا بعيدًا فى استغلال قناة السويس ومحورها التنموى فى تنمية الصادرات وفى توليد مصادر جديدة للدخل المصرى. ولكن ذلك لم يصدق بعد حتى يتم استكمال استصلاح ثلاثة ملايين من الأفدنة يمكنها سد الكثير من الفجوة الغذائية القائمة وكذلك نصف مليون فدان آخر فى سيناء. ولم يصدق بعد على استكمال ١٧ منطقة صناعية منتشرة بين أقاليم مصر المختلفة، معظمها لم يحقق تمام إمكانياته وطاقته. وعلى هذا المنوال من المتاحف للسياحة، والتخطيط العمرانى الجديد للمناطق السياحية، والمدن الجديدة؛ كلها لا تزال لا تعمل بالكفاءة اللازمة التى تسهم فى تصحيح الاختلالات المشار إليها.

ورابعها أنه رغم اعتماد بعض المشروعات، التى جرى إنجازها على شركات للقطاع الخاص، (شركة «أوراسكوم» على سبيل المثال لعبت دورًا مهمًّا فى بناء محطات الطاقة الكهربائية وأنفاق قناة السويس)، فإن الفجوة ظلت كبيرة بين الطاقة الكامنة فى القطاع الخاص المصرى وجهود الدولة التنموية. ومن المدهش أنه فى مناسبات متعددة دعا الرئيس عبدالفتاح السيسى ليس فقط القطاع الخاص إلى الإسهام فى المشروع الوطنى المصرى، وإنما دعا أكثر من ذلك إلى تحويل الكثير من مشروعات الدولة (المزارع السمكية والصوب الزراعية والمدن الجديدة من العاصمة الإدارية إلى العلمين) إلى شركات يتم طرحها فى البورصة حتى يتم توسيع قاعدة الملكية الشعبية الاستثمارية.

ولكن ذلك للأسف لم يحدث نتيجة العوار الكامن فى جهاز الدولة الإدارى، وغير الصديق للاستثمار الخاص، مصريًّا كان أو أجنبيًّا. المدهش أن الجهاز المركزى للتنظيم والإدارة بقيادة د. صالح الشيخ قد أعد مشروعًا شاملًا لإصلاح النظام الإدارى للدولة، اعتمد فيه على دراسات موسعة، وأخذ فى الاعتبار التغييرات الكبرى المترتبة على نقل قمة الجهاز الحكومى إلى العاصمة الإدارية الجديدة. هذا المشروع جرى عرضه على مجلس الشيوخ، ولقى إعجابًا كبيرًا، ومع ذلك فإن القانون المعبر عن المشروع والمشروع ذاته لا يزالان بعيدين عن التطبيق.

إن ما حدث ويحدث فى مصر هو برنامج إصلاحى شجاع واسع النطاق يمثل «العلامة التجارية والسياسية المصرية Brand» إزاء نفسها، وإزاء العالم الخارجى. هو إصلاح يليق بأمة عريقة، ودولة ذات جذور عميقة لا تدخل فى منافسات عقيمة مع دول المنطقة التى أخذت بالفكرة الإصلاحية هى الأخرى، وإنما تسعى إلى التكامل معها. الحركة المصرية لا تأتى فى إطار المنافسة وإنما فى إطار طرح أفكار جديدة لم تعرفها المنطقة من قبل كما فعلت مع منتدى شرق البحر الأبيض المتوسط؛ وفى إمكانها أن تدعو إلى مشروعات مشابهة مثل منطقة شمال البحر الأحمر للتنمية والرخاء على سبيل المثال. استعادة الروح للمشروع الوطنى المصرى لابد أن تتواءم مع الحقائق الجديدة فى العالم المعاصر من تراجع للعولمة، وانشغال الدول العظمى بمراجعات ومواجهات غير قابلة للحل السلمى نتيجة الاستحواذ على أسلحة للدمار الشامل تجعل الإقبال على «إقليمية جديدة» أمرًا يقع فى صميم المصالح المصرية الوطنية والقومية.

فى هذا الصدد، فإن الجهود المصرية المُقدَّرة فى ساحات التسوية فى ليبيا والسودان وفلسطين، مع التعامل الحكيم مع الأزمة الإثيوبية، تدفع إلى مزيد من التعاون على جانبى البحر الأحمر، حيث تتكامل الرؤى التنموية ٢٠٣٠ بين مصر والسعودية. هذا التعاون بينهما يمتد إلى باقى دول الخليج، وكل الدول العربية المقبلة على إصلاحات واسعة النطاق هى الأخرى تقوم على الدولة الوطنية، واختراق كل دولة لإقليمها، وتنفيذ مشروعات عملاقة ذات تأثيرات إقليمية يفتح الأبواب لقيام سوق عربية واسعة تُغنى كثيرًا عن الانكماش الحادث فى السوق العالمية. هنا توجد قضيتان تحتاجان مقتربات جديدة للتعامل معهما: أولاهما الأزمة الفلسطينية الإسرائيلية المُهدَّدة بالانفجار؛ وثانيتهما الأزمة الإيرانية، التى تهدد الإقليم بامتلاك السلاح النووى، بعد أن نجحت فى تخصيب اليورانيوم إلى معدل ٨٦٪ على مسافة قريبة من استكمال الشروط الضرورية لإنتاج السلاح النووى.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الخروج المصرى من الأزمة العالمية الخروج المصرى من الأزمة العالمية



GMT 19:37 2024 الأحد ,01 كانون الأول / ديسمبر

وانفقأ دُمّل إدلب

GMT 14:38 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

الحضارة بين العلم والفلسفة أو التقنية والإدارة

GMT 14:35 2024 الجمعة ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

التسمم بالرصاص وانخفاض ذكاء الطفل

GMT 17:39 2024 الخميس ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

أي تاريخ سوف يكتب؟

GMT 17:36 2024 الخميس ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

لا تَدَعوا «محور الممانعة» ينجح في منع السلام!

إطلالات الأميرة رجوة الحسين تجمع بين الرقي والعصرية

عمّان - المغرب اليوم

GMT 08:27 2024 الثلاثاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

نصائح قبل شراء طاولة القهوة لغرفة المعيشة
المغرب اليوم - نصائح قبل شراء طاولة القهوة لغرفة المعيشة

GMT 08:50 2024 الثلاثاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

الكشف عن قائمة "بي بي سي" لأفضل 100 امرأة لعام 2024
المغرب اليوم - الكشف عن قائمة

GMT 16:38 2016 الجمعة ,23 كانون الأول / ديسمبر

إضافة 408 هكتارات من الحدائق والمساحات الخضراء في بكين

GMT 10:48 2019 السبت ,30 تشرين الثاني / نوفمبر

جنون الريمونتادا

GMT 12:35 2019 الثلاثاء ,16 إبريل / نيسان

امرأة تعقد عقد جلسة خمرية داخل منزلها في المنستير

GMT 04:14 2019 الخميس ,31 كانون الثاني / يناير

ارتفاع سعر الدرهم المغربي مقابل الريال السعودي الخميس

GMT 10:06 2019 الثلاثاء ,29 كانون الثاني / يناير

الطاعون يلتهم آلاف المواشي في الجزائر وينتشر في 28 ولاية

GMT 03:21 2019 الجمعة ,25 كانون الثاني / يناير

إعادة افتتاح مقبرة توت عنخ آمون في وادي الملوك

GMT 10:21 2019 السبت ,12 كانون الثاني / يناير

فضيحة جنسية وراء انفصال جيف بيزوس عن زوجته

GMT 09:04 2018 الأربعاء ,12 كانون الأول / ديسمبر

والدة "راقي بركان" تنفي علمها بممارسة نجلها للرقية الشرعية

GMT 05:06 2018 الإثنين ,10 كانون الأول / ديسمبر

جمهور "الجيش الملكي" يُهاجم مُدرّب الحراس مصطفى الشاذلي

GMT 06:44 2018 الخميس ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

"Il Falconiere" أحد أجمل وأفضل الفنادق في توسكانا

GMT 00:44 2018 الخميس ,25 تشرين الأول / أكتوبر

اكتشف قائمة أفخم الفنادق في جزيرة ميكونوس اليونانية

GMT 15:10 2018 الإثنين ,13 آب / أغسطس

شركة دودج تختبر محرك سيارتها تشالنجر 2019

GMT 19:15 2018 الأربعاء ,01 آب / أغسطس

يوسف النصري علي ردار فريق "ليغانيس" الإسباني
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib