إيران بعد رئيسي سلسلة فولاذية للقيادة

إيران بعد رئيسي: "سلسلة فولاذية للقيادة"

المغرب اليوم -

إيران بعد رئيسي سلسلة فولاذية للقيادة

محمد عبيد
بقلم : محمد عبيد

لم تغادر إيران يوماً موقعها في عين العاصفة، فهذه الجمهورية التي رفعت ثورتها الإسلامية منذ إنطلاقتها شعار «لا شرقية ولا غربية» وهي تحاول أن تحفر لنفسها مكاناً على خارطة القوى الإقليمية وتباعاً الدولية المؤثرة في مجرى الوقائع والأحداث التي تعصف بمنطقة «غرب آسيا»، التسمية المعتمدة في أدبيات السياسة الخارجية الإيرانية كبديل عن تعبير «الشرق الأوسط».

شعار «لا شرقية ولا غربية» كان في زمن صعود الثورة الإسلامية الإيرانية يشكل تحدياً لقطبي العالم آنذاك: الولايات المتحدة الأميركية من جهة والإتحاد السوفياتي من جهة أخرى.

ومع ما كان يعني هذا التحدي من خيارٍ ينبئ بصعود قوة إقليمية مستقلة من خارج إصطفافات القطبين وثقافتهما السياسية أو الإيديولوجية ونظام مصالحهما ونفوذهما في المنطقة والعالم، غير أنه كان يعني أيضاً بالنسبة لقيادة الثورة مدخلاً إلزامياً لتكريس مبدأ العداء ضد «أمريكا الشيطان الأكبر» التي رعت نظام حكم الشاه وأجهضت كل المحاولات الثورية التي سبقت «ثورة الخميني»، والتي كان أبرزها الإنقلاب الشهير ضد حكومة الدكتور محمد مصدق في العام 1953، ومن ثم نفي الإمام الراحل السيد الخميني في العام 1963 بعد قيادته لمعارضة ما سمي حينها «الثورة البيضاء» التي قام بها الشاه بناءً على نصيحة واشنطن لإستيعاب الشارع الإيراني.

وفي الواقع إن تكريس شعار «أمريكا الشيطان الأكبر» كان إختصاراً لنهايات التدخل الغربي بأكمله في الشأن الإيراني الداخلي، بعدما كانت «بريطانيا العظمى» قد سحقت «ثورة التنباك» في نهايات القرن التاسع عشر، ومن ثم حاولت خنق ما سُمي حينها «الثورة الدستورية»، أو بالتعبير الفارسي الذي اعتمد آنذاك «المشروطة» والتي أسست لتكوين أول برلمان إيراني.

أما المعنى الآخر لهذا الشعار فكان يهدف إلى إسقاط بل إلغاء أي رهان داخلي على الإستعانة بالولايات المتحدة الأميركية في الحكم والإقتصاد والعلاقات الدولية، بإعتبار أن ذلك سيؤدي حكماً إلى تسرب النفوذ الأميركي مجدداً إلى بنية النظام ومن خلاله إلى النخب والقوى السياسية خصوصاً منها الناشئة.

كذلك كان لزاماً على قيادة الثورة الإسلامية إنطلاقاً من الشق الآخر من المعادلة «لا شرقية» تعزيز مبدأ الإبتعاد عن الإتحاد السوفياتي على قاعدة أن لا يتم وضع إنتصار هذه الثورة في رصيد قوة هذا القطب الشرقي، خصوصاً وأن قوى يسارية كانت لديها إرتباطات مباشرة به أبرزها حزب «توده» الشيوعي، والذي كان قد سعى بعد سقوط الشاه إلى إقتطاع حصة له في بنية النظام الجديد ولم يفلح.

محاصرة الثورة

لذا كان من الطبيعي أن يحظى الرئيس العراقي المخلوع صدام حسين بدعم غربي - شرقي مشترك في عدوانه على إيران، بهدف محاصرة هذه الثورة بل ومحاولة وأدها في مهدها بعدما أدخلت على السياسة الإقليمية والدولية مصطلحات جديدة من خارج سياق التوازنات التي فرضتها «الحرب الباردة». وقد أتت الوقائع السياسية والأحداث الأمنية الداخلية لتثبت صحة مخاوف قيادة الثورة ممثلة بالإمام السيد الخميني من تغلغل النفوذ الغربي والنفوذ الشرقي أيضاً في بنية النظام والقوى السياسية، ومن ثم الإنقلاب عليه من الداخل وحرفه عن المسار الذي أسس له هذا الإمام والشخصيات الثورية التي تعاونت معه، بحيث توهم البعض كأمثال الرئيس الأول للجمهورية الإسلامية أبو الحسن بني صدر أن دور الثوار وعلى رأسهم الإمام الخميني قد إنتهى بعد إعادة تكوين السلطة، وبالتالي فإن إدارة البلاد وبالأخص علاقات الدولة الخارجية لا يمكن أن تخضع لتلك المعادلة التي قامت عليها الثورة.

وقد تتالت محاولات إسقاط مشروع الدولة من الداخل عبر إغتيال قادتها السياسيين وفي مقدمهم الرئيس الأسبق محمد علي رجائي ثاني رئيس للجمهورية ومعه رئيس حكومته الشيخ محمد جواد باهنر، ومن ثم محاولة إغتيال ثالث رئيس للجمهورية السيد علي الخامنئي التي لم تنجح وإنما تركت أثراً في يده اليمنى، إلى إغتيالات لقادة مؤسسين أمثال القدوة السيد محمد بهشتي ومعه 72 قيادياً بارزاً من حزب الجمهورية، إضافة مسؤولين على مستويات مختلفة بهدف إعاقة قيام هذه الدولة وإذا أمكن إسقاطها.

إذاً، هي ليست المرة الأولى التي تواجه فيها إيران فقدان رئيس أو مسؤولين، وإن كان تغييب رؤساء ومسؤولين في مرحلة التأسيس له وقع أصعب وأشد تأثيراً على النظام. وهذا ليس تقليلاً من أهمية فقدان شخص مثل الرئيس السيد إبراهيم رئيسي وإخوانه، لكن لا بد من الإشارة إلى أن عقد بناء الدولة والمؤسسات قد اكتمل وبات النظام ولاّداً للطاقات والكفاءات المؤهلة لإدارة البلاد وتحمل المسؤوليات الجسام التي تحمي إيران وتحفظ حالة الاستقرار فيها. إلى جانب ضرورة عدم إغفال موقع ودور المرشد السيد علي الخامنئي في ترسيخ فكرة ديمومة النظام وقدرته على تجاوز محاولات النيل منه بطرق شتى.

معلوم أن الرئيس الراحل رئيسي كان من خارج مجموعة المؤسسين الأوائل لمشروع الثورة والدولة، غير أنه شكل نموذجاً للورثة الأوفياء للمؤسسين، وقد عزز هذه النظرة تجاهه رضى المرشد السيد الخامنئي عليه وتقريبه منه ودعمه، مما انعكس تسليماً برئاسته وحضوره المحبوب في أوساط الحرس الثوري الإسلامي عصب النظام الإيراني وقوته الحاضرة في كل الميادين في داخل إيران وخارجها.

مرحلة رئاسية جديدة

الآن تنتقل إيران إلى مرحلة رئاسية جديدة من المفترض أن تشكل إستمراراً للمسار الذي بدأ مع رئاسة الراحل رئيسي، خصوصاً منه الجانب المتعلق بالإنسجام بين المرشد والرئيس والذي عزز تماسك سلطات النظام المختلفة، في وقت تبدو فيه الجمهورية الإسلامية الإيرانية أمام تحديات خطيرة ليس أقلها محاولة حصارها المتجددة ضمن أسوار حدودها الجغرافية بعدما كان قد بلغ مداها السياسي الحيوي آفاق منطقة غرب آسيا وما يتعداها.

وهي تحديات مفصلية في ظل الحرب الإسرائيلية على غزة وتداعياتها المحورية التي من المتوقع أن تؤدي إلى توازنات إقليمية مختلفة عن تلك التي عشناها منذ الغزو الأميركي للعراق، كذلك من المفترض أن ترسم مساحات النفوذ الدولية في هذه المنطقة إنطلاقاً من نتائج تلك الحرب وحجم الخسارات التي سيُمنى به كل طرف شارك فيها متدخلاً أم محايداً أم مواجهاً كما هو حال إيران وحلفائها في محور المقاومة.

بعد إنتصار الثورة الإسلامية وتشكل الطلائع الأولى للحرس الثوري الإسلامي برز شعار «تصدير الثورة» كمدخل لتكريسها نموذجاً متقدماً لإعادة تشكيل المنطقة ثقافياً وسياسياً وفقاً لرؤية الثورة القائمة على العنوان الأول الذي رفعته «لا شرقية ولا غربية»، طبعاً متلازماً معه مبدأ «تحرير القدس»، إلا أنّ هذا الشعار جوبه بحملات سلطوية قاسية طالت أنصاره في الدول المجاورة لإيران وخصوصاً منها العربية. لذلك تم الإستعاضة عنه بمشروع «فيلق القدس»، المشروع الجاذب لكل قوى المقاومة التي كانت قائمة في المنطقتين العربية والإسلامية أو تلك التي إستحدثت وفقاً لهذا المشروع.

وفي الواقع كان هذا الإنتقال من شعار «تصدير الثورة» إلى مشروع «فيلق القدس» تأسيساً لمسار جديد يهدف إلى إخراج إيران من دائرة الإتهام بالسعي إلى إسقاط بعض الأنظمة الحاكمة في الدول العربية والإسلامية، وبدلاً من ذلك تكريس نفسها قائدة وراعية لكافة أشكال المقاومة ضد الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين وذلك من خلال التحالف مع دول أو أحزاب وقوى شعبية تلتقي معها أو تواليها لتحقيق هذا الهدف.

لا شك أن إيران ومعظم حلفائها إستطاعوا حتى الآن الحفاظ على قوتهم الكامنة بإعتبار أنّ التوقيت والظروف الموضوعية والذاتية لمحور المقاومة بأكمله لا يسمح بالإندفاع نحو «الحرب الكبرى» الموعودة لإسقاط الكيان الإسرائيلي، لكن ذلك لم يمنع أبرز قوى هذا المحور من الدفاع عن وجودها وحضورها ومكتسباتها التي راكمتها خلال مواجهات سابقة مع جيش هذا الكيان كحالة «حزب الله»، كما أن ذلك إستوجب رداً صاعقاً من إيران نفسها ضد إسرائيل بعد قيامها بإستهداف القنصلية الإيرانية في دمشق.

تمسك إيران اليوم بورقة منع إنفجار منطقة غرب آسيا إنطلاقاً من غزة، وفي الوقت نفسه تتحكم بمسار طاولة التفاوض مع الطرف الأميركي في مسقط، وهي لذلك تحتاج إلى تماسك داخلي أصلب وأكثر إنسجاماً بين مكونات السلطة المرشدية والرئاسية والثورية فيها، وهو تحدّ رسم صيغته المرشد السيد علي الخامنئي خلال لقائه في اليوم التالي لحادث وفاة الرئيس الراحل السيد إبراهيم رئيسي، مجلس خبراء القيادة، حيث قال: «يُعد هذا المجلس أحد الأركان الرئيسية للنظام الإسلامي القائم على الإرادة الشعبية، ويُحصن ضمن مدد زمنية معينة بيد الشعب القديرة ليضمن سلامة النظام وإستمراريته. لقد اكتسب أعضاء هذا المجلس فرصة أداء واحد من أعظم الأدوار في ما يرتبط بتمتين السلسلة الفولاذية للقيادة».

محمد عبيد سياسي لبناني*

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

إيران بعد رئيسي سلسلة فولاذية للقيادة إيران بعد رئيسي سلسلة فولاذية للقيادة



GMT 14:38 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

الحضارة بين العلم والفلسفة أو التقنية والإدارة

GMT 14:35 2024 الجمعة ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

التسمم بالرصاص وانخفاض ذكاء الطفل

GMT 17:39 2024 الخميس ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

أي تاريخ سوف يكتب؟

GMT 17:36 2024 الخميس ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

لا تَدَعوا «محور الممانعة» ينجح في منع السلام!

GMT 17:32 2024 الخميس ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

عودة ترمبية... من الباب الكبير

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ المغرب اليوم
المغرب اليوم - المغرب يفقد 12 مركزاً في تصنيف مؤشر تنمية السياحة والسفر لعام 2024

GMT 16:56 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

مفاوضات غامضة بين محمد صلاح وليفربول وسط تصريحات مثيرة للجدل
المغرب اليوم - مفاوضات غامضة بين محمد صلاح وليفربول وسط تصريحات مثيرة للجدل

GMT 08:59 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

أطعمة ومشروبات تساعد في علاج الكبد الدهني وتعزّز صحته
المغرب اليوم - أطعمة ومشروبات تساعد في علاج الكبد الدهني وتعزّز صحته

GMT 08:25 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

اندلاع حريق ضخم في موقع لتجارب إطلاق صواريخ فضائية في اليابان
المغرب اليوم - اندلاع حريق ضخم في موقع لتجارب إطلاق صواريخ فضائية في اليابان

GMT 02:13 2018 الأربعاء ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

تمثال لدبين قطبيين يُثير ذهول عملاء مركز تسوق

GMT 07:35 2016 الأحد ,18 كانون الأول / ديسمبر

أفضل مناطق لسياحة التزلج على الجليد في أوروبا

GMT 14:22 2023 الأحد ,18 حزيران / يونيو

زلزال بقوة 3.2 درجة تضرب ولاية "مانيبور" الهندية

GMT 19:58 2020 الخميس ,09 كانون الثاني / يناير

أسماك القرش تنهش جثة لاعب كرة قدم في أستراليا

GMT 18:31 2019 الأحد ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

تشابي ألونسو يؤكد جوارديولا سبب رحيلي عن ريال مدريد

GMT 21:58 2019 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

لطيفة رأفت تلهب مواقع التواصل الاجتماعي بمظهر جذاب

GMT 19:58 2019 الأربعاء ,23 تشرين الأول / أكتوبر

دراسة تكشف عن قدرات النمل في علاج نفسه والنباتات

GMT 16:57 2019 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

تأجيل مباراة الرجاء البيضاوي ورجاء بني ملال

GMT 13:23 2019 الثلاثاء ,01 تشرين الأول / أكتوبر

لعبة SPIDER-MAN الأكثر مبيعا داخل اليابان في سبتمبر
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib