اغتيال الحريري وتغوّل إيران عبر العراق

اغتيال الحريري وتغوّل إيران عبر العراق

المغرب اليوم -

اغتيال الحريري وتغوّل إيران عبر العراق

على شندب
على شندب

منذ 16 عاماً اغتيل رفيق الحريري. الرجل الذي استُولد دوره في كنف كواليس اتفاق الطائق. واستولدت زعامته السياسية بعد ترؤسه الحكومة في سياق مشروع إعادة إعمار بيروت. زعامة مرتكزة على وظيفة اقتصادية جديدة للبنان برعاية سعودية، سورية، فرنسية وأمريكية. زعامة جرفت في طريق تثبيت مرتكزاتها عدة بيوتات سياسية تقليدية سنّية وبالحد الأدنى همّشتها، لصالح الأخطبوط الحريري الذي مدّ أضلعه في كافة المناطق اللبنانية.

ومن لحظة اغتيال الحريري حتى اليوم، جرت مياه سياسية وأمنية كثيرة وكبيرة، استكملت ما بدأه الاغتيال الذي لم يغتال الرجل فحسب، وإنما اغتال خاصة المشروع الذي حمله الحريري الأب. وهو المشروع الذي فشلت في حمله الحريريتين البيولوجية والسياسية اللذين نالت منهما رياح الانشطار والتشظي.

فبروز بهاء الحريري الابن الأكبر لرفيق الحريري، عبّر بوضوح عن انقسام داخل الحريرية البيولوجية، وبالحد الأدنى عن سخط الشقيق الأكبر من أداء وتنازلات شقيقه الأصغر سعد الحريري. كما وعبّر عن اختلاف الموقف بينهما من منظومة الفساد والمال والسلطة والسلاح وناظمها حزب الله الذي يراه بهاء الحريري تنظيما ارهابيا، فيما سعد الحريري يتعاون مع الحزب في الحكومة وغيرها في اطار ما اصطلح على تسميته بربط النزاع. أما الحريرية السياسية فقد انشطرت بدورها الى حريرية ريفية هنا، ومشنوقية هناك.
بهذا المعنى فاغتيال الحريري وتشظّي الحريرية، مَذْهَبَ السنّة في لبنان، كما وحوّل هذه الطائفة المكسورة والجريحة الى أقلية مذهبية ولو كبيرة بعدما كانت أمّة. وعندما مَذْهَبوا السنّة سقطت العروبة في لبنان، وبتنا أمام معادلة تحالف الأقليات الحاكم من حلب شمالي سوريا، الى الناقورة جنوبي لبنان. وعلى هذا الأساس ينبغي النظر الى السياق الإستراتيجي الذي استوجب اغتيال الحريري وشطبه ومشروعه من المعادلة اللبنانية.

واتساقا مع لغة أو لعبة الأرقام والتواريخ سيّما تلك التي طبعت السمات الاستراتيجية منذ أكثر من عقدين مضيا، يتواصل عصف الزلازل بالمنطقة وتناسلها حتى اليوم انطلاقا من تفجير برجي التجارة الأميركية في 11 أيلول/ سبتمبر 2001 الذي هو بدون شك الزلزال الأب، ومن رحمه ولد الزلزال الابن في 9 نيسان/ ابريل 2003 والذي هو احتلال العراق وغزوه. رغم أن تحقيقات أحداث 11 ايلول لم تشِ بضلوع عراقي واحد. ومن رحم الزلزال الابن ولد الزلزال الحفيد وهو اغتيال رفيق الحريري. وفيما توقع كثيرون أن تشكل معرفة الحقيقة في اغتيال الحريري الزلزال ابن الحفيد، فإن إدانة المحكمة الدولية للقيادي في حزب الله سليم عيّاش في اغتيال الحريري ورفاقه لم ترقَ لمستوى الزلزال.

اذن هي الزلازل السياسية التي كان دويها الأكبر في العراق، حيث حكم التخادم الأميركي الإيراني المنطقة انطلاقا من لحظة الاحتلال المزدوج للعراق: الاحتلال العسكري الاميركي، والاحتلال الايراني المعنوي. وهو الاحتلال الذي ثبّت أهدافه واستهدافاته لعقود متوالية من خلال العملية السياسية التي فرض ممثل سلطات الاحتلال الاميركي بول بريمر عبرها تغيير الدستور العراقي بما يخدم أهداف الاحتلال وورثته في العملية السياسية. إنه التغيير القائم أولا على الاجتثاث. وثانيا، على التغيير الدينوغرافي والديموغرافي اللذين أصابا العراق مع ما يعني ذلك من تحويل أكثرية سنية الى أقلية، وتحويل أقلية شيعية الى أكثرية صنعها فائض القوة لدى الميليشيات الشيعية الوافدة على دبابات الاحتلال. انه فائض القوة الذي انعكس ايضا محاصصة طائفية في نسب توزيع مقاعد البرلمان العراقي من جهة، وفي مروحة تحالف الميليشيات الشيعية مع نظرائها من الأحزاب الكردية والإخوان المسلمين وواجهتهم الحزب الإسلامي العراقي من جهة أخرى.

وبالكلام عن الأكثرية والأقلية، نذكر بأن الولايات المتحدة والاعلام الدولي لطالما برّروا الحرب على العراق بحجة إضافية تقول: أن صدام حسين يضطهد الأقليتين الشيعية والكردية، فكيف تحوّلت الأقلية الشيعية الى أكثرية لولا فائض القوة الميليشاوية المسلّحة؟

وعلى غرار العراق الجديد، صاغت ايران وشاكت مشروعها العابر للعراق وانطلاقا منه في لبنان. ووفق تلك الصياغة الإيرانية لتمدّد النفوذ، كان لا بد من شطب رفيق الحريري بوصفه الزعيم الأبرز والأكبر لسنّة لبنان، والمعبر الأسطع عن النفوذ والحضور العربي فيه، كما وبوصفه الجدار العائق أمام تغوّل المشروع الايراني في لبنان، والندّ الطبيعي لحسن نصر الله الذي يستوجب تمدّد المشروع الايراني أن يكون بلا ند. كل هذه العناصر وغيرها استوجبت شطب رفيق الحريري من المعادلة لتصبح القدم الما فوق العليا في لبنان لايران عبر ذراعها الأقوى حزب الله.

ما تقدّم يعني أن ما أصاب لبنان لم يكن يستهدفه لذاته، فإصابته ليست إلا من الأعراض الجانبية لاحتلال العراق وغزوه من قبل الولايات المتحدة التي سلّمته لايران كي تفتعل فيه الأفاعيل. كما ان تغوّل ايران في اليمن عبر الحوثيين هو جرّاء الأعراض الجانبية إياها


فلمن يتطلعون الى التوازن مع ايران في لبنان او اليمن وفي كامل المنطقة، نقول بأن مفتاح هذا التوازن يكمن أولاً في استعادة العراق الذي جرى غزوه بناء على شبهة امتلاكه أسلحة دمار شامل، واقامة علاقات مع تنظيم القاعدة. انها الشبهة المتناقضة مع الاعترافات الايرانية، بل والتهديدات الابتزازية التي تطلقها طهران بشأن التخصيب النووي خلافا للاتفاق المعروف. وهي الشبهة المتناقضة مع الوقائع الإيرانية التي تقول بتخادم ايران مع تنظيم القاعدة واحتضانها لقادته ورموزه. وما اغتيال الموساد الإسرائيلي في طهران خلال شهر آب/ اغسطس الماضي لنائب أيمن الظواهري أبو محمد المصري وابنته مريم إلا غيض من فيض التخادم الإيراني القاعدي.

اذن، اغتيال الحريري هو حلقة في سلسلة حلقات تطلبها المشروع الايراني الذي تمكن وبدهاء منقطع النظير من اختراق البلاد العربية وبناء هياكله وميليشياته فيها من أبناء البلدان المستهدفة ليصبحوا سلطة موازية ومتجاوزة لدول تلك البلدان، كما الحال في العراق حيث الحشد الولائي، وفي لبنان حيث حزب الله، وفي اليمن حيث الحوثيين، وفي سوريا حيث الميليشيات الكثيرة التي يديرها الحرس الثوري. اختراق توسّلت ايران لأجله الاستثمار على المذهب والتشيّع هنا، وتحرير فلسطين وتدمير اسرائيل خلال 7 دقائق ونصف هناك، ومواجهة الشيطان الأكبر والهتاف بالموت لأمريكا عند اللزوم هنالك.

خلاصة القول ان المشروع الإيراني الذي يريد استعادة الامبراطورية الفارسية واقعا ملموسا، هو المشروع الذي لا يمكن مواجهته بالصراخ وبعض الحرتقات، بل بمشروع عربي نهضوي حقيقي، يمنع شطب العرب من التاريخ بعدما شُطبوا من بعض الجغرافيا، ويكون العراق مربط فرس العرب ما قبل الأول.
وعلى قدر أهل العزم تأتي العزائم.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

اغتيال الحريري وتغوّل إيران عبر العراق اغتيال الحريري وتغوّل إيران عبر العراق



GMT 14:38 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

الحضارة بين العلم والفلسفة أو التقنية والإدارة

GMT 14:35 2024 الجمعة ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

التسمم بالرصاص وانخفاض ذكاء الطفل

GMT 17:39 2024 الخميس ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

أي تاريخ سوف يكتب؟

GMT 17:36 2024 الخميس ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

لا تَدَعوا «محور الممانعة» ينجح في منع السلام!

GMT 17:32 2024 الخميس ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

عودة ترمبية... من الباب الكبير

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ المغرب اليوم
المغرب اليوم - المغرب يفقد 12 مركزاً في تصنيف مؤشر تنمية السياحة والسفر لعام 2024

GMT 16:56 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

مفاوضات غامضة بين محمد صلاح وليفربول وسط تصريحات مثيرة للجدل
المغرب اليوم - مفاوضات غامضة بين محمد صلاح وليفربول وسط تصريحات مثيرة للجدل

GMT 08:59 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

أطعمة ومشروبات تساعد في علاج الكبد الدهني وتعزّز صحته
المغرب اليوم - أطعمة ومشروبات تساعد في علاج الكبد الدهني وتعزّز صحته

GMT 08:25 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

اندلاع حريق ضخم في موقع لتجارب إطلاق صواريخ فضائية في اليابان
المغرب اليوم - اندلاع حريق ضخم في موقع لتجارب إطلاق صواريخ فضائية في اليابان

GMT 02:13 2018 الأربعاء ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

تمثال لدبين قطبيين يُثير ذهول عملاء مركز تسوق

GMT 07:35 2016 الأحد ,18 كانون الأول / ديسمبر

أفضل مناطق لسياحة التزلج على الجليد في أوروبا

GMT 14:22 2023 الأحد ,18 حزيران / يونيو

زلزال بقوة 3.2 درجة تضرب ولاية "مانيبور" الهندية

GMT 19:58 2020 الخميس ,09 كانون الثاني / يناير

أسماك القرش تنهش جثة لاعب كرة قدم في أستراليا

GMT 18:31 2019 الأحد ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

تشابي ألونسو يؤكد جوارديولا سبب رحيلي عن ريال مدريد

GMT 21:58 2019 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

لطيفة رأفت تلهب مواقع التواصل الاجتماعي بمظهر جذاب

GMT 19:58 2019 الأربعاء ,23 تشرين الأول / أكتوبر

دراسة تكشف عن قدرات النمل في علاج نفسه والنباتات

GMT 16:57 2019 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

تأجيل مباراة الرجاء البيضاوي ورجاء بني ملال

GMT 13:23 2019 الثلاثاء ,01 تشرين الأول / أكتوبر

لعبة SPIDER-MAN الأكثر مبيعا داخل اليابان في سبتمبر
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib