لون كليوباترا ليس هو المشكلة

لون كليوباترا ليس هو المشكلة!

المغرب اليوم -

لون كليوباترا ليس هو المشكلة

طارق الشناوي
بقلم - طارق الشناوي

لا نعترض على مسلسل كليوباترا الذي ستقدمه نتفليكس بسبب لون الملكة الأسود، لا يعنينا اللون، نعترض لأن هذا يجافى تماما الحقيقة التاريخية، إلا أن هذه الاعتراضات وغيرها سينتهى بها المطاف إلى لا شىء، ستتلاشى سريعا وستبقى في النهاية الوثيقة الرسمية المتداولة (كليوباترا) السوداء بملامحها الإفريقية.

نعيش حاليا في عالم يطلق عليه (ما بعد الحقيقة)، وأعنى به الحقيقة المتداولة الشائعة، ولا يهم بالضبط ما هو المقدار الصحيح للحقيقة في هذه الحقيقة التي تسيطر على المشهد، المهم أن تظل هي السائدة والمهيمنة.

ليس مهما أن تمسك بيديك الحقيقة، الأهم أن تتمكن من أدواتك وأسلحتك ومن خلالها تملك كل أسباب ذيوع الحقيقة.

زمن الشجب والولولة انتهى، لا أحد لديه متسع من الوقت لكى يمسح دموعك (يا نوال)، سنملأ الدنيا بالشكوى والصراخ بسبب تزوير تاريخ حضارتنا ثم لا شىء.

في مهرجان (برلين) الأخير الذي عقد قبل نحو شهرين عرض فيلم (جولدا) المقصود رئيسة الوزراء الإسرائيلية جولدا مائير، وأدت دورها باقتدار هيلين ميرين، شاهدنا وجها لا نعرفه كثيرا عن جولدا، المرأة خفيفة الظل الكريمة قوية الشخصية، في وقت انهار فيه أمامنا أكثر من قائد عسكرى إسرائيلى وهم لا يصدقون، ما جرى على الجبهتين المصرية والسورية وتتابع الانتصارات في الأيام الأولى للحرب. ولكن باقى البضاعة في الفيلم البريطانى الجنسية، أنه تبنى وجهة النظر الإسرائيلية، التي تروج أن الثغرة كانت بمثابة انتصار إسرائيلى أنهى المعركة لصالحهم، قدموا وثيقة عالمية زائفة بينما نحن اكتفينا فقط بفضح الكذبة في مقالات أو برامج نقرؤها فيما بيننا، إلا أنها لم تتجاوز دائرة الأصدقاء المحدودة، إسرائيل مثلا قدمت وجهة نظرها في أشرف مروان باسم (الملاك) كتابا وفيلما، تؤكد أنه كان عميلا لهم ضد مصر، بينما القوات المسلحة المصرية أقامت له جنازة عسكرية ونعاه رئيس الجمهورية الأسبق حسنى مبارك باعتباره بطلا قوميا أفنى حياته رهنا للوطن.

العالم قطعا سيرى الفيلم وسيصدق الرواية الإسرائيلية، كل الملابسات تؤكد كذبها ولكن هل يتجاوز صوتنا الدائرة التي نعيش فيها، لا أعتقد أن كل من نقدمه من بيانات تؤكد وطنية أشرف مروان سيغير شيئا من الحقيقة المتداولة عالميا، رغم أنها تجافى تماما الحقيقة، فهى أحد تنويعات عالم (ما بعد الحقيقة) الذي لم نتهيأ بعد للالتحاق به.

لا أتصور سوى أن كل شىء يتغير من حولنا ويتبدل، ولا نزال نواجه تلك المواقف بنفس أسلحة الزمن الماضى، التي تبدأ بالشجب وتنتهى بالشجب. نملك الوثيقة التي هي عمق الحقيقة الاستراتيجى، إلا أننا لا نجيد تسويق ما بأيدينا من أوراق، الأمر ليس له علاقة بضآلة الإمكانيات المادية، لأن هذه الأعمال الفنية إذا أحسن تسويقها تُدر أموالا.

لن تتوقف الدعاية الغربية عن تقديم أفكارها وتوهيماتها في أعمال فنية، تخترق حواجز التاريخ والجغرافيا، وبالعديد من اللغات، بينما نحن لا نتبادل أمورنا سوى داخليا وبالعربية، ولا نفكر في العبور للشاطئ الآخر، قضايانا عادلة وموثقة، ولكننا نخسرها لأننا ليس لدينا محام شاطر، سيظل العالم يشاهد فيلما مثل (جولدا) الذي يروج أن معركة أكتوبر انتصار إسرائيلى، وسيرى أشرف مروان باعتباره (ملاك) يعمل لحساب (الموساد)، وسيصدق أن كليوباترا ملكة مصر بشرتها السوداء وملامحها الإفريقية، وسنواصل بكل ما نملك من صوت حنجورى الشجب!.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

لون كليوباترا ليس هو المشكلة لون كليوباترا ليس هو المشكلة



GMT 14:38 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

الحضارة بين العلم والفلسفة أو التقنية والإدارة

GMT 14:35 2024 الجمعة ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

التسمم بالرصاص وانخفاض ذكاء الطفل

GMT 17:39 2024 الخميس ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

أي تاريخ سوف يكتب؟

GMT 17:36 2024 الخميس ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

لا تَدَعوا «محور الممانعة» ينجح في منع السلام!

GMT 17:32 2024 الخميس ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

عودة ترمبية... من الباب الكبير

إطلالات الأميرة رجوة الحسين تجمع بين الرقي والعصرية

عمّان - المغرب اليوم

GMT 07:16 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

تجديد جذّري في إطلالات نجوى كرم يثير الجدل والإعجاب
المغرب اليوم - تجديد جذّري في إطلالات نجوى كرم يثير الجدل والإعجاب
المغرب اليوم - المغرب يفقد 12 مركزاً في تصنيف مؤشر تنمية السياحة والسفر لعام 2024

GMT 08:19 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

28 شهيدًا في شمال غزة وحماس مستعدة لاتفاق لوقف إطلاق النار
المغرب اليوم - 28 شهيدًا في شمال غزة وحماس مستعدة لاتفاق لوقف إطلاق النار

GMT 07:58 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

طهران ترحب بوقف إطلاق النار في لبنان
المغرب اليوم - طهران ترحب بوقف إطلاق النار في لبنان

GMT 15:34 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

سعد لمجرد يكشف عن عمل جديد مع الفنانة إيلي أفرام
المغرب اليوم - سعد لمجرد يكشف عن عمل جديد مع الفنانة إيلي أفرام

GMT 08:25 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

اندلاع حريق ضخم في موقع لتجارب إطلاق صواريخ فضائية في اليابان
المغرب اليوم - اندلاع حريق ضخم في موقع لتجارب إطلاق صواريخ فضائية في اليابان

GMT 13:43 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 15:14 2020 الجمعة ,10 إبريل / نيسان

أبرز الأحداث اليوميّة

GMT 18:57 2021 الإثنين ,01 شباط / فبراير

تجاربك السابقة في مجال العمل لم تكن جيّدة

GMT 14:11 2015 السبت ,23 أيار / مايو

العمران تهيئ تجزئة سكنية بدون ترخيص

GMT 17:38 2022 السبت ,12 تشرين الثاني / نوفمبر

الجنيه الذهب يسجل رقماً قياسياً لأول مرة في مصر

GMT 15:13 2018 الأحد ,03 حزيران / يونيو

تغلبي على الخوف من عيوب جسدك مع ارتداء الحجاب

GMT 15:12 2018 الثلاثاء ,08 أيار / مايو

عمران فهمي يتوج بدوري بلجيكا للمواي تاي

GMT 08:03 2018 الأربعاء ,14 آذار/ مارس

ما الذي سيقدمه "الأسطورة" في رمضان 2018؟

GMT 20:50 2018 السبت ,24 شباط / فبراير

خفيفي يعترف بصعوبة مواجهة جمعية سلا

GMT 17:06 2018 الجمعة ,09 شباط / فبراير

وليد الكرتي جاهز للمشاركة في الديربي البيضاوي

GMT 06:59 2018 الجمعة ,26 كانون الثاني / يناير

كليروايت تغزو السجادة الحمراء بتشكيلة متميزة

GMT 17:54 2018 الإثنين ,22 كانون الثاني / يناير

الفالح يُعلن أهمية استمرار إجراءات خفض إنتاج الخام

GMT 19:57 2018 الجمعة ,19 كانون الثاني / يناير

مهرجان أسوان لأفلام المرأة يفتح باب التسجيل بشكل رسمي

GMT 05:45 2018 الخميس ,18 كانون الثاني / يناير

ابتكار روبوت مصغر يتم زراعته في الجسم

GMT 23:06 2018 الإثنين ,15 كانون الثاني / يناير

مشروع الوداد يؤخر تعاقده مع غوركوف
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib