«أنف وثلاث عيون» يهزمه الزمن والجمهور

«أنف وثلاث عيون» يهزمه الزمن والجمهور!

المغرب اليوم -

«أنف وثلاث عيون» يهزمه الزمن والجمهور

طارق الشناوي
بقلم - طارق الشناوي

أدب الكاتب الكبير إحسان عبد القدوس لا يزال يملك الكثير من الأسرار الغامضة والجاذبية الساحرة، تدفع صناع الدراما من أجل أن ينهلوا من هذه البئر التى لم ولن تنضب، حتى الأعمال التى سبق تناولها قبل عقود من الزمان تفتح شهية المخرجين لقراءة أخرى، وهكذا مثلا هذا العام تكتشف أننا تليفزيونيا على موعد فى رمضان المقبل لمشاهدة مسلسل «إمبراطورية ميم»، أما سينمائيا فإننا التقينا قبل بضعة أيام مع «أنف وثلاث عيون» فى معالجة جديدة لواحدة من أشهر روايات إحسان جماهيرية.

عندما شاهدت هذا الفيلم فى قسم «روائع عربية» قبل نحو شهرين فى الدورة الثالثة من مهرجان «البحر الأحمر»، أيقنت أنه بعيد تماما عن ملامح سينما هذه الأيام التى نشاهدها فى مصر، وهذه تحسب قطعا له، إلا أنه- وتلك تحسب عليه- بعيد عن روح السينما كلغة عصرية، تطورت كثيرا فى أسلوب السرد عما رأيته على الشاشة.

أيقنت أن الفيلم سيعانى كثيرا داخل مصر، بينه والجمهور قدر من البرودة، ولم أكتب عن الشريط انتظارا لكى يأخذ فرصته كاملة مع الناس، رغم أن من الناحية الأدبية، من حق الناقد تناول أى عمل فنى يعرض فى المهرجانات، استطعت قهر حاستى الصحفية، ولم أكتب حتى تجد النسخة طريقا للعرض داخل حدود الوطن، لنجد مساحة للحوار مع الجمهور.

أحيانا ندخل فى معركة خارج الحلبة، وتلك هى أول مشكلة واجهت فريق العمل فى النسخة الحديثة للفيلم 2024، بينما الأولى 1972 سبقتها بنحو 52 عاما.

إحسان يمتلك الجرأة فى تناوله لقضايا المجتمع، تتجاوز أحيانا قدرة المجتمع على الاستيعاب، والدولة على الحماية، ورغم صداقته لأعلى سلطة فى البلد أقصد جمال عبد الناصر، إلا أن الدولة لم تتحمل جرأة إحسان الأدبية ولا السياسية، ولا حتى الرئيس، زج به عبد الناصر إلى السجن، قال له اعتبرها مجرد قرصة ودن، حتى إنه لم يستطع حمايته أمام غضب الرأى العام، وذلك فى أكثر من موقف.

هذا هو مفتاح لإحسان، أنه يتجاوز الهامش المتاح حتى لو كان ممثلا فى أعلى سلطة؟، يخوض إحسان معاركه فى الحياة حتى آخر نفس، ولا يتنازل إبداعيا فى التعبير عن نفسه حتى آخر حرف فى الأبجدية.

من يتصدى سينمائيا لأدب إحسان عليه أن يدرك ذلك، وأن يؤمن أيضا بذلك، وإلا سيخسر المعركة قبل أن تبدأ، وأعتقد أن المخرج أمير رمسيس، خسر ضربة البداية عندما قرر إعادة الرواية لأن الناس عادة لا تقرأ الرواية ولكنها تحتفظ فى الذاكرة بالفيلم، الجمهور من خلال الفضائيات يستعيد العديد من أفلامنا التى عادت إليها الحياة مجددا وبينها قطعا «أنف وثلاث عيون» لحسين كمال الذى أخرج الفيلم قبل أكثر من نصف قرن، وصار الفيلم عند الجمهور هو «الترمومتر» وأيضا المرجعية، تميز الشريط السينمائى فى نسخته الأولى لحسين كمال، بأن هناك هامشا من الجرأة اقتضتها الضرورة الدرامية، ورحب بها المجتمع، وتعاملت الرقابة معها بمرونة، بينما هذه المرة الكل كان يضع أمامه الغضب الجماهيرى المرتقب.

نعلم فى فيلم «أمير رمسيس»، أن هناك أكثر من علاقة بين بطل الفيلم وأكثر من امرأة، والتعبير عن ذلك يجب أن يصل بالحوار حينا والمشاهدة حينا، اعتبرها أمير حالة سماعية فقط، لأن الرقابة لن تسمح وسوف تشهر مباشرة سلاح المنع الذى يعنى مسبقا خسارة مادية لصناع العمل، ورغم ذلك تمت الموافقة بتصنيف عمرى (+16 )، أى أن هناك شريحة عمرية ستمنع من قطع التذكرة، ستؤثر سلبا على الإيرادات، وأتصور أن أمير فى كل تفاصيل العمل الفنى كان حريصا على أن يهدئ من روع الرقيب، المتوجس دوما، فما بالك عندما يجد نفسه فى مواجهة مع رواية لإحسان عبد القدوس؟.

فى هذه الحالة تضىء أمامه كل المصابيح الحمراء، مارس المخرج على نفسه رقابة صارمة، وأى مشهد يفرض على أبطاله قبلة ولو عابرة، أحالها إلى مجرد حضن برىء شرعى جدا، وهكذا مثلا شاهدت لقاء بين بطل الرواية الطبيب الذى أدى دوره ظافر العابدين عندما التقى مع الفتاة التى أحبها ويكبرها بربع قرن، (سلمى أبوضيف)، مكان اللقاء بيروت، إلا أنه كان يبدو وكأنه لقاء بين أب وابنته، يدوبك سلام عابر بأطراف الأصابع، وحضن يشبه أحضان الأصدقاء، وبالمناسبة سلمى أبوضيف هى الرابحة الوحيدة فى هذا الفيلم، وضعها أمير على الطريق الصحيح كنجمة قادمة بقوة وبأداء طازج وعصرى وممتع.

الكاتب وائل حمدى كان يبدو فى معالجته الدرامية للفيلم وكأنه يضيف جزءا آخر، يتجاوز ما انتهى إليه إحسان، فى الرواية، من خلال التحليل النفسى للشخصيات الدرامية للأبطال بمن فيهم الطبيبة النفسية التى أدت دورها صبا مبارك، لنبدأ فى قراءة تحليل نفسى للشخصيات أشبه بدرس فى علم النفس، ونصل إلى الذروة عندما ندرك أن الطبيبة أساسا تعالج نفسيا، على يد أستاذها، الكل فى هذا الفيلم يحكى ويحلل، والمفروض أننا كجمهور نتابع هذا الحكى، بآذان صاغية، وزادت الجرعة عن الاحتمال.

المخرج أمير رمسيس أعجبنى فى أفلام البدايات مثل «ورقة شفرة» يليه «بتوقيت القاهرة» آخر إطلالة لنور الشريف.

هل صار على الفنان أن يفكر مسبقا، بعقل الرقيب، حتى يضمن تمرير فيلمه؟، الحرية هى أول الطريق للإبداع، فى البدء كانت الحرية، وهو ما نفتقده فى العديد من الأعمال الدرامية، وأشهر النماذج «أنف وثلاث عيون»، الذى أصبح «فيلم وثلاث عيون» حيث تعرض لمراقبة ثلاثية، أشدها ضراوة هى العين الثالثة لأمير رمسيس!.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

«أنف وثلاث عيون» يهزمه الزمن والجمهور «أنف وثلاث عيون» يهزمه الزمن والجمهور



GMT 14:38 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

الحضارة بين العلم والفلسفة أو التقنية والإدارة

GMT 14:35 2024 الجمعة ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

التسمم بالرصاص وانخفاض ذكاء الطفل

GMT 17:39 2024 الخميس ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

أي تاريخ سوف يكتب؟

GMT 17:36 2024 الخميس ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

لا تَدَعوا «محور الممانعة» ينجح في منع السلام!

GMT 17:32 2024 الخميس ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

عودة ترمبية... من الباب الكبير

إطلالات الأميرة رجوة الحسين تجمع بين الرقي والعصرية

عمّان - المغرب اليوم

GMT 07:16 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

تجديد جذّري في إطلالات نجوى كرم يثير الجدل والإعجاب
المغرب اليوم - تجديد جذّري في إطلالات نجوى كرم يثير الجدل والإعجاب
المغرب اليوم - المغرب يفقد 12 مركزاً في تصنيف مؤشر تنمية السياحة والسفر لعام 2024

GMT 17:37 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

نصائح لاختيار قطع الأثاث متعددة الأغراض
المغرب اليوم - نصائح لاختيار قطع الأثاث متعددة الأغراض

GMT 16:52 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

مباحثات مغربية أميركية لتعزيز التعاون العسكري المشترك
المغرب اليوم - مباحثات مغربية أميركية لتعزيز التعاون العسكري المشترك

GMT 15:34 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

سعد لمجرد يكشف عن عمل جديد مع الفنانة إيلي أفرام
المغرب اليوم - سعد لمجرد يكشف عن عمل جديد مع الفنانة إيلي أفرام

GMT 08:18 2020 الثلاثاء ,06 تشرين الأول / أكتوبر

حظك اليوم برج القوس الجمعة 30 تشرين الثاني / أكتوبر 2020

GMT 17:18 2022 الأربعاء ,16 تشرين الثاني / نوفمبر

« بكتيريا متطرفة » لإزالة التلوث النفطيِ

GMT 23:41 2018 الأحد ,14 كانون الثاني / يناير

هامبورغ أكثر الأماكن المذهلة لقضاء شهر العسل

GMT 14:14 2017 الإثنين ,05 حزيران / يونيو

اتحاد طنجة يخطط لضم نعمان أعراب من شباب خنيفرة

GMT 16:18 2024 الخميس ,04 كانون الثاني / يناير

الإتحاد الأوروبي يطلّق تحقيقاً مع تيك توك ويوتيوب

GMT 22:58 2021 الأحد ,12 كانون الأول / ديسمبر

الأحرش بطلا للمغرب في القفز على الحواجز

GMT 02:12 2021 الجمعة ,17 أيلول / سبتمبر

أجمل المعالم السياحية في جزيرة كريت اليونانية

GMT 16:08 2020 السبت ,06 حزيران / يونيو

بني ملال تبحث تدبير ما بعد فترة "الحجر الصحي"
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib