الصدق الإبداعى يتجاوز الحقيقة

الصدق الإبداعى يتجاوز الحقيقة!

المغرب اليوم -

الصدق الإبداعى يتجاوز الحقيقة

طارق الشناوي
بقلم - طارق الشناوي

مرت قبل أيام الذكرى الـ114 على ميلاد الشاعر والصحفى الكبير كامل الشناوى، عاش كامل الشناوى على هذه الأرض 57 عامًا، ولد فى 7 ديسمبر 1908م ورحل 30 نوفمبر 1965. لم يُصدر فى حياته سوى ديوان واحد (لا تكذبى)، بينما بعد الرحيل قرأنا عشرات من المقالات تغض الطرف عن كل شىء ولا يعنيها سوى (لا تكذبى)، بل إن الكاتب الروائى الكبير إحسان عبدالقدوس أحالها إلى رواية أطلق عليها (وعاشت بين أصابعه).

كان كامل الشناوى يشعر بأنه سيغادر الحياة مبكرًا، ولهذا كتب وصية لأحد أقرب تلاميذه إلى قلبه، وهو الكاتب الساخر الكبير أحمد رجب، يقول له (يا أحمد أنت تصغرنى بعشرين عاما وسوف تعيش بعدى وأوصيك بأن تكتب مذكراتى)، ولم ينفذ وصية كامل الشناوى وكثيرًا ما كنت أسأله، فكان يقول لى: (قريبًا يا طارق ستقرأ)، ولم أقرأ شيئًا حتى رحيل الأستاذ الكبير قبل ثمانى سنوات.

ساخر كبير أيضًا، أحد أشهر وأخلص تلاميذه، محمود السعدنى، كتب عن كامل الشناوى فصلًا فى كتابه الممتع (الظرفاء)، وأصر أن يكتب المقدمة كامل الشناوى، ورحل كامل الشناوى قبل أن يقرأ الكتاب.

ذكر السعدنى العديد من الحقائق التى عاشها مع الشاعر الكبير، ولكن بعد الرحيل وجدنا الكل يأخذ كلمة من هنا وأخرى من هناك، ويدّعون أشياء لم تحدث، بعضهم استغل كتاب السعدنى وأضاف حكايات أخرى لا علاقة لها بالواقع، وأغلبهم اختصر حكاية كامل الشناوى فى قصة واحدة وقصيدة واحدة (لا تكذبى) مجرد خيال فى خيال فى خيال.

كامل الشناوى هو عمى، عرفته فقط بعيون الطفل، كنت أحفظ أشعاره، وأنا لا أدرك أغلب المعانى، كان أبى يقرؤها لى أولًا، وأنا أرددها بعده مثنى وثلاث ورباع.

وكان عمى بعدها يقول: (طارق ما عندوش الابتدائية ولا الإعدادية، عنده الأهم الاستعدادية)، ثم يمنحنى مكافأة، تعتبر ثروة، بمقياس تلك الأيام خمسة جنيهات تستطيع أن تضع أمام الرقم بعد التعويم الأخير للدولار أربعة أصفار، لتدرك كم كانت تساوى فى ذلك الزمان، وكم كنت أنا أساوى فى تقدير عمى.

كان كامل الشناوى يرفض أن يصدر كتابًا، لأنه أدرك حجم المسؤولية التى يعنيها أن يخترق حاجز الزمن كتاب يحمل اسمه، كثيرًا ما كنت أقرأ ما يكتب عنه بحكايات يرويها توفيق الحكيم وإحسان عبدالقدوس وأم كلثوم ومصطفى أمين ويوسف إدريس وموسى صبرى ومحمد عبدالوهاب وعبدالحليم وبليغ حمدى وكمال الطويل وفتحى غانم وسناء جميل ومفيد فوزى ومنير عامر وغيرهم من الكبار. بدأت أقرأ وأستعيد القصاصات الصحفية، بعض الكتب أصدرها عمى الشاعر والصحفى الكبير مأمون الشناوى، تضم بعض ما كتبه شقيقه الأكبر، ووجدت أمامى كنزًا لا ينفد من الإبداع الساخن بقدر ما هو ساحر.

أعترف لكم كم أنا مُقصر، ليس لأنه عمى، ولكن لأنه قامة وقيمة إبداعية فى الصحافة والشعر، حتى إنهم فى برنامج إذاعى يستضيفون فنانًا وصحفيًا ليتبادلا المواقع، سألته نجاة بأى صفة تدخل عالم الخلود الشاعر أم الصحفى؟ أجابها: (الشاعر وهناك أمارس الصحافة).

فى ذكرى ميلاد كامل الشناوى، استعدت كثيرًا من كتابته النثرية وأشعاره وازددت فخرًا واعتزازًا بها، وفى الوقت نفسه، شعرت بقدر كبير من التقصير، كم أنا مذنب فى حقه وحق القراء، لأننى لم أوثق كل ذلك فى كتاب يبحث ويدقق ويروى الكثير مما لم نحسن استيعابه أو حتى قراءته، وحتى يصبح ختامها مسكًا دعونا نستعد كلماته (ويشب فى قلبى حريق / ويضيع من قدمى الطريق / وتطل من رأسى الظنون / تلومنى / وتشد أذنى / فلطالما/ باركت كذبك كله / ولعنت ظنى)!.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الصدق الإبداعى يتجاوز الحقيقة الصدق الإبداعى يتجاوز الحقيقة



GMT 14:38 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

الحضارة بين العلم والفلسفة أو التقنية والإدارة

GMT 14:35 2024 الجمعة ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

التسمم بالرصاص وانخفاض ذكاء الطفل

GMT 17:39 2024 الخميس ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

أي تاريخ سوف يكتب؟

GMT 17:36 2024 الخميس ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

لا تَدَعوا «محور الممانعة» ينجح في منع السلام!

GMT 17:32 2024 الخميس ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

عودة ترمبية... من الباب الكبير

إطلالات الأميرة رجوة الحسين تجمع بين الرقي والعصرية

عمّان - المغرب اليوم

GMT 17:27 2024 الجمعة ,29 تشرين الثاني / نوفمبر

النوم الجيد مفتاح لطول العمر والصحة الجيدة
المغرب اليوم - النوم الجيد مفتاح لطول العمر والصحة الجيدة

GMT 13:12 2020 السبت ,26 أيلول / سبتمبر

حظك اليوم برج الحوت السبت 26-9-2020

GMT 13:22 2021 الأحد ,19 أيلول / سبتمبر

نادي شباب الريف الحسيمي يواجه شبح الانقراض

GMT 06:23 2023 السبت ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

توقعات الأبراج اليوم السبت 11 نوفمبر/ تشرين الثاني 2023

GMT 11:08 2023 الجمعة ,08 أيلول / سبتمبر

بلينكن يشيد بـ«الصمود الاستثنائي» للأوكرانيين
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib