«الأستاذ» والدرس البليغ

«الأستاذ» والدرس البليغ

المغرب اليوم -

«الأستاذ» والدرس البليغ

طارق الشناوي
بقلم - طارق الشناوي

 

كل صراع مهما بلغت دمويته ينتهى إلى الهدنة، ثم الصلح، وقد يصل حتى إلى شاطئ الصداقة، وفى النهاية (المصالح تتصالح)، ويحكمنا مبدأ (البرجماتية) النفعية، ستمنحنى (كذا) وستحصل على (كيت) وينتهى الأمر.

تابع التاريخ كله ستكتشف أنه مهما بلغ العداء والدماء ترفع في نهاية الأمر، راية السلام، حتى لو بدأت بالاستسلام، مثل صراع أمريكا واليابان، في نهاية الحرب العالمية الثانية وبعد إلقاء قنابل نووية على هيروشيما ونجازاكى، وأعلنت اليابان الاستسلام، وتصالحتا رغم أن تبعات القنبلة لم تنته حتى (جينيًّا)، وتركت تشوهات على الوجوه والوجدان، ولكن لم يخترق أي طرف بنود السلام، حتى ولو بحجة الانتقام.

مع إسرائيل لا يوجد أبدًا سلام، حتى لو تبنى الطرف المعتدى مبدأ الصفح، لأنهم لا يتنفسون سوى القتل والدمار والسادية، لا يدركون أن ما يبدو ظاهريًّا على الخصم من ضعف، لا يعنى أنه فقد روح المقاومة.

عندما تشاهد الفيلم الفلسطينى (الأستاذ) للمخرجة والكاتبة فرح النابلسى، ستكتشف أيضًا أن ما نعايشه الآن في غزة الجريحة، هو ما كان ولا يزال يجرى في أي مكان بفلسطين، سواء كنت فلسطينيًّا وتعيش في رام الله حيث السلطة الفلسطينية أو تل أبيب وتحمل الهوية الإسرائيلية أو غزة حيث حماس، فأنت ستظل بالنسبة للمتطرفين من الإسرائيليين هدفًا استراتيجيًّا.

الفيلم يفضح الممارسات الصهيونية وزيف شعار العدالة الذي تطلقه إسرائيل للعالم، على اعتبار أنها دولة يحكمها القانون، وتريد العيش في سلام، بينما العرب في الداخل والخارج يريدون بها شرًّا، المخرجة فرح أرادت أن تقدم حكاية إنسان يعيش الظلم، ولكن لأن البطل فلسطينى، والاحتلال الصهيونى يمسك بقبضة من حديد على كل التفاصيل، يتعانق في كل لقطة الثأر العام والخاص، وتتشابك السياسة مع مفردات الحياة، ويعلو صوت الانتقام، ليصبح هذا الصوت الحل الوحيد في ظل غياب القانون وانتحار مبادئ حقوق الإنسان.

صالح بكرى، أحد أهم نجوم السينما العربية الذين اقتحموا في السنوات العشر الأخيرة المجال العالمى، يؤدى دوره باقتدار مدرس لغة إنجليزية ومن هنا جاء عنوان الفيلم (الأستاذ)، كمهنة يمارسها الأب وأيضًا كمعنى، فهو المعلم، واختيار الإنجليزية تحديدًا، يعنى ضمنًا الرغبة في وصول رسالة البطل للعالم.

البطل صالح بكرى يعايش أزمة تلميذيه، وهما يحاولان فضح المؤسسة الإسرائيلية بسبب تواطئها في حماية أحد القتلة المتطرفين من الصهاينة، يقرر وكأننا نستعيد أحداث 7 أكتوبر في غزة أن يأخذ إسرائيليًّا رهينة، ويبدأ الصراع، وترى اختراق القضاء بالفساد والتوجه الصهيونى، من أجل إفلات القاتل الإسرائيلى من العقوبة، وهو ما يثير تعاطفك الوجدانى مع الانتقام الشخصى كحل حتمى ووحيد.

التداعى على الفور يفرض نفسه فأنت لن تعزل حكاية الفيلم عن حكايتك، مع فلسطين عبر التاريخ، ولا مع معاناتك كإنسان يتابع ما يجرى مع الأبرياء في فلسطين، وحالة التشفى في قتل الأبرياء التي يمارسها العالم لكى يغض الطرف عن الدماء والدمار.

الحكاية، كخط عام، لا تحمل مفاجأة، ولكن لو تأملتها تكتشف أن ممارسة إسرائيل لكل تنويعات الوحشية، هي أيضًا لا تحمل أي جديد، القصة مكررة لأن إسرائيل تكرر مذبحة قتل الأطفال من (دير ياسين) إلى (غزة).

وهكذا ومع أول أيام مهرجان (الجونة) كانت فلسطين حاضرة وبقوة وتأثير، لترد على كل من يحاول افتعال خصومة بين الفن والرسالة السياسية، من يفضلون الجرى بعيدًا عن الاشتباك مع الواقع، من أباح بقوة فكرة الإلغاء بحجة التضامن مع فلسطين، بينما المشاركة بإيجابية هي النضال الحقيقى.

(الأستاذ) نجح في أن يقدم للجميع هذا الدرس البليغ!.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

«الأستاذ» والدرس البليغ «الأستاذ» والدرس البليغ



GMT 14:38 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

الحضارة بين العلم والفلسفة أو التقنية والإدارة

GMT 14:35 2024 الجمعة ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

التسمم بالرصاص وانخفاض ذكاء الطفل

GMT 17:39 2024 الخميس ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

أي تاريخ سوف يكتب؟

GMT 17:36 2024 الخميس ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

لا تَدَعوا «محور الممانعة» ينجح في منع السلام!

GMT 17:32 2024 الخميس ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

عودة ترمبية... من الباب الكبير

إطلالات الأميرة رجوة الحسين تجمع بين الرقي والعصرية

عمّان - المغرب اليوم

GMT 07:16 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

تجديد جذّري في إطلالات نجوى كرم يثير الجدل والإعجاب
المغرب اليوم - تجديد جذّري في إطلالات نجوى كرم يثير الجدل والإعجاب

GMT 17:56 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

وجهات سياحية فخّمة تجمع بين جمال الطبيعة والرفاهية المطلقة
المغرب اليوم - وجهات سياحية فخّمة تجمع بين جمال الطبيعة والرفاهية المطلقة

GMT 17:37 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

نصائح لاختيار قطع الأثاث متعددة الأغراض
المغرب اليوم - نصائح لاختيار قطع الأثاث متعددة الأغراض

GMT 16:52 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

مباحثات مغربية أميركية لتعزيز التعاون العسكري المشترك
المغرب اليوم - مباحثات مغربية أميركية لتعزيز التعاون العسكري المشترك

GMT 15:34 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

سعد لمجرد يكشف عن عمل جديد مع الفنانة إيلي أفرام
المغرب اليوم - سعد لمجرد يكشف عن عمل جديد مع الفنانة إيلي أفرام

GMT 08:18 2020 الثلاثاء ,06 تشرين الأول / أكتوبر

حظك اليوم برج القوس الجمعة 30 تشرين الثاني / أكتوبر 2020

GMT 17:18 2022 الأربعاء ,16 تشرين الثاني / نوفمبر

« بكتيريا متطرفة » لإزالة التلوث النفطيِ

GMT 23:41 2018 الأحد ,14 كانون الثاني / يناير

هامبورغ أكثر الأماكن المذهلة لقضاء شهر العسل

GMT 14:14 2017 الإثنين ,05 حزيران / يونيو

اتحاد طنجة يخطط لضم نعمان أعراب من شباب خنيفرة

GMT 16:18 2024 الخميس ,04 كانون الثاني / يناير

الإتحاد الأوروبي يطلّق تحقيقاً مع تيك توك ويوتيوب

GMT 22:58 2021 الأحد ,12 كانون الأول / ديسمبر

الأحرش بطلا للمغرب في القفز على الحواجز

GMT 02:12 2021 الجمعة ,17 أيلول / سبتمبر

أجمل المعالم السياحية في جزيرة كريت اليونانية

GMT 16:08 2020 السبت ,06 حزيران / يونيو

بني ملال تبحث تدبير ما بعد فترة "الحجر الصحي"
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib