«شنبو» الضحك فى الزمن الصعب

«شنبو».. الضحك فى الزمن الصعب!!

المغرب اليوم -

«شنبو» الضحك فى الزمن الصعب

طارق الشناوي
بقلم - طارق الشناوي

من المهم أن نستعيد بين الحين والآخر قراءة التاريخ، لدينا أمناء على هذا التاريخ، كان الراحل سامى شرف، الذى غادرنا قبل أشهر قليلة، بعد أن اقترب من عامه المئوى، بمثابة أرشيف متحرك للرئيس جمال عبدالناصر، بين الحين والآخر، كنا نتواصل تليفونيا، أحيانا يسألنى عن اسم ممثل، أو مطرب أو ملحن، وكنت أنا على الجانب الآخر أستعيد معه بعضا مما أكتشفه من معلومات متعلقة بالرئيس عبدالناصر، كان هو شاهد إثبات عليها باعتباره مدير مكتبه وكاتم الكثير من أسراره، وسألته عن تلك الواقعة فأكد حدوثها.

كنت أستعيد قراءة أرشيف الفنان الكبير فؤاد المهندس، بمناسبة عيد ميلاده، أن الرئيس عبدالناصر بعد هزيمة 5 يونيو 67 والتى أطلقنا عليها على سبيل تخفيف الوطأة (نكسة)، كان الرئيس يراهن على الفن، سبق أن أشارت د. درية شرف الدين، فى رسالة الدكتوراة عن السينما والسياسة، إلى أن الرئيس منح الضوء الأخضر لزيادة هامش الانتقاد، بعد الهزيمة، وهو ما صب فى صالح تماسك الجبهة الداخلية.

الهدف أن يصبح وجدان الشعب حائط الصد الأول، لإيقاف سطوة سيطرة سلاح الجو الإسرائيلى على السماء المصرية، اكتشف عبدالناصر أن من بين الأسلحة الضحك والسخرية لأنهما الطريق السحرى والمضمون للوصول إلى شاطئ الأمان، كان الرئيس غاضبا من (النكت) التى ملأت الشارع ضد قواته المسلحة، وهو ما أشار إليه فيلم (الممر) للمخرج شريف عرفة، وفى نفس الوقت كان يرى أن للكوميديا دورا حيويا حتى نهزم الهزيمة.

فؤاد المهندس قال، فى مذكراته، إن مسلسل (شنبو فى المصيدة) تم بناء على اقتراح من عبدالناصر، المؤكد- حتى لا يذهب خيال البعض بعيدا- عبدالناصر لم يمارس الكتابة إلا فقط فى نصف رواية (فى سبيل الحرية)، كتبها وهو طالب فى المدرسة الثانوية، متأثرا بـ(عودة الروح) لتوفيق الحكيم، والذى أكمل الجزء الثانى من قصة عبدالناصر هو الكاتب الكبير عبدالرحمن فهمى، والد الموسيقار الموهوب ياسر عبدالرحمن.

طلب عبدالناصر من الإعلام أن يبعث روح الطمأنينة فى نفوس المواطنين، فقرروا اختيار توقيت الذروة وهو شهر رمضان، وتم تكليف الساخر الكبير أحمد رجب للكتابة وتحمس للتنفيذ نجم الكوميديا الأول فى ذلك الزمن 1968 فؤاد المهندس مع توأمه شويكار، وكان يوسف وهبى فى المسلسل بمثابة عمق الضحك الاستراتيجى والإخراج للراحل يوسف حجازى.

ربما يتذكر بعضكم (التتر) الموسيقى الذى هو بمثابة رؤية عبثية أحالت أغنية وطنية شهيرة (بلدى يا بلدى/ بلد الأحرار يا بلدى) لتصبح بكلمات ساخرة لفتحى قورة (شنبو يا شنبو/ والله ووقعت يا شنبو) وأشرف الموسيقار كمال الطويل، صاحب اللحن الأصلى، على التنفيذ، ولم يعتبرها أحد سخرية من نشيد وطنى يتغنى بأمجادنا.

الشعوب القوية تملك القدرة على السخرية حتى فى عز الانكسار، لو عدت مثلا لمطلع ثورة يوليو 52 ستكتشف أن الجمهورية الوليدة توجهت إلى إسماعيل ياسين للمساهمة فى تحقيق واحد من أهم المبادئ الستة للثورة، وهو إقامة جيش وطنى قوى، فقدم «سُمعة»، منذ منتصف الخمسينيات، أفلاما بدأت بـ(الجيش) وتتابعت الأسلحة مثل (الطيران) و(الأسطول) و(الشرطة العسكرية)، وأغلبها إخراج الضابط السابق الذى تفرغ للسينما الكوميدية فطين عبدالوهاب، بينما كتب قصة أول أفلامه (إسماعيل ياسين فى الجيش) المقدم عبدالمنعم السباعى، وهو الذى اخترع شخصية (الشاويش عطية) التى أداها رياض القصبجى، والغريب أن زوجة (السباعى) فى الحقيقة اسمها (عطية)، وأراد مداعبتها فأطلق اسمها على (الشاويش)، وأزيدكم من الشعر بيتا: التقيت مع السيدة عطية والدة المخرج مدحت السباعى وكانت سعيدة بتلك المداعبة.

تأمل حكاية (شنبو) بكل أبعادها لترى كيف كانت الدولة تجيد استخدام قواها الناعمة لحماية وجدان الشعب.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

«شنبو» الضحك فى الزمن الصعب «شنبو» الضحك فى الزمن الصعب



GMT 14:38 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

الحضارة بين العلم والفلسفة أو التقنية والإدارة

GMT 14:35 2024 الجمعة ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

التسمم بالرصاص وانخفاض ذكاء الطفل

GMT 17:39 2024 الخميس ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

أي تاريخ سوف يكتب؟

GMT 17:36 2024 الخميس ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

لا تَدَعوا «محور الممانعة» ينجح في منع السلام!

GMT 17:32 2024 الخميس ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

عودة ترمبية... من الباب الكبير

إطلالات الأميرة رجوة الحسين تجمع بين الرقي والعصرية

عمّان - المغرب اليوم

GMT 11:33 2024 السبت ,30 تشرين الثاني / نوفمبر

أسلوب نقش الفهد الجريء يعود بقوة لعالم الموضة
المغرب اليوم - أسلوب نقش الفهد الجريء يعود بقوة لعالم الموضة

GMT 17:27 2024 الجمعة ,29 تشرين الثاني / نوفمبر

النوم الجيد مفتاح لطول العمر والصحة الجيدة
المغرب اليوم - النوم الجيد مفتاح لطول العمر والصحة الجيدة

GMT 13:12 2020 السبت ,26 أيلول / سبتمبر

حظك اليوم برج الحوت السبت 26-9-2020

GMT 13:22 2021 الأحد ,19 أيلول / سبتمبر

نادي شباب الريف الحسيمي يواجه شبح الانقراض

GMT 06:23 2023 السبت ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

توقعات الأبراج اليوم السبت 11 نوفمبر/ تشرين الثاني 2023

GMT 11:08 2023 الجمعة ,08 أيلول / سبتمبر

بلينكن يشيد بـ«الصمود الاستثنائي» للأوكرانيين
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib