«ماء العين» الإرهاب الداعشى جريمة متكررة فى تونس

«ماء العين» الإرهاب الداعشى جريمة متكررة فى تونس

المغرب اليوم -

«ماء العين» الإرهاب الداعشى جريمة متكررة فى تونس

طارق الشناوي
بقلم - طارق الشناوي

مع اقتراب نهاية الفعاليات فى المهرجان الفقير فنيا فى أفلامه وبكل تظاهراته، جاء ختام العروض داخل المسابقة الرسمية مع الفيلم التونسى (ماء العين)، ورغم أن نفس هذه (التيمة) الدرامية التى تتناول داعش والتطرف الدينى شاهدناها بمختلف اللغات عشرات المرات، كما أن المهرجان فى هذه الدورة تضمنت بعض أفلامه عددا منها، إلا أنها لا تزال تشكل فى الضمير العالمى مساحة من الترقب والخوف والحذر، ولا يوجد بلد فى مأمن من مرمى هؤلاء الإرهابيين.

الحكاية عن اختراق الشباب التونسى فكريا وغسل أدمغتهم ليصبحوا أداة سهلة فى يد من يريدون تجنيدهم، تشغل بال المبدع التونسى، الكثير من الأفلام والمسلسلات شاهدناهم فيها.

ذهاب الشباب إلى محافظة (الرقة) للانضمام للتنظيم الإرهابى الذى يتدثر عنوة بالدين، ويأخذ ظاهريا بعض الأحاديث الدينية يعيد تفسيرها كما يحلو له حتى تمنحه غطاء يدعى أنه شرعى، ولديه أسلحته المتعددة فى استقطاب عناصر شبابية تبدو عصية على الاختراق، كثير من القضايا المماثلة أثيرت فى السنوات الأخيرة داخل تونس، تشير إلى أن هناك جيوبا ما لتلك التنظيمات الإرهابية التى ينتشر عملاؤها فى العالم، وحتى فى أوروبا، وجدنا من هم يلعبون هذا الدور، رغم اختلاف الثقافة واللغة والدين إلا أنهم يملكون المفتاح، وأعتقد أن تونس كانت هدفا لهم، وهكذا رأينا العديد من الأفلام وهى تقف فى مقدمة المشهد، للدفاع عن الهوية التونسية.

الأسرة التى تنطلق منها الحكاية نرى فى اللقطات الأولى الأم والأب والطفل الذى يشكل بالنسبة لهم مرفأ الأمان، والبسمة الممكنة، وربما الأمل الذى يلوح عن بعد، إلا أننا نلمح حزنا ما على الأم وغموضا يغلف وجه الأب، وسرعان ما نكتشف مأساة تلك العائلة؛ أن ابنيها هاجرا إلى (الرقة) على الحدود السورية مركز (داعش)، بينما الأسرة المسالمة لا تدرى عنهما شيئا، وتتكشف الأمور مع انتهاء نحو 20 دقيقة من الأحداث، عندما يعود أحدهما ومعه زوجة حامل، ونتعرف من خلال التداعيات على باقى الحكاية.

عدد من الأفلام التونسية تناول هذا الجانب، أتذكر منها قبل سبع سنوات (زهرة حلب) إخراج رضا الباهى وبطولة هند صبرى، ومؤخرا أيضا (بنات ألفة) لكوثر بن هنية المرشح هذا العام بين خمسة أفلام تسجيلية طويلة لجائزة الأوسكار، بطولة أيضا هند صبرى التى تثبت دائما باختيارها للعمل الفنى أن النجم يجب أن يكون أولا صاحب موقف ولا يكفى أن يكون فقط صاحب موهبة.

الغريب أن تونس هى أكثر دولة عربية تحاول الاقتراب فى قوانينها من مفهوم العلمانية، ولديهم محددات اجتماعية تتعلق بحقوق المرأة، تتجاوز الكثير مما يعتبره البعض لا يمكن الاقتراب منه شرعيا، إلا أن الدولة تسارع بإصدار القوانين طبقا لرؤية مرنة شرعيا لحماية المرأة، وذلك منذ نهاية الخمسينيات فى زمن الحبيب بورقيبة أول رئيس للجمهورية بعد الاستقلال، ورغم ذلك أو الصحيح أن نقول بسبب ذلك، صارت هدفا لجماعات مثل داعش وأخواتها، وتردد لأول مرة تعبيرات مثل جهاد النكاح وغيره، وأتذكر قبل نحو ست سنوات وقبل مهرجان (قرطاج) السينمائى بساعات، دبرت جماعة إرهابية انفجارا بالقرب من مقر إقامة المهرجان وكانت الرسالة واضحة، (أوقفوا المهرجان)، إلا أن القرار الرسمى الذى تبنته الدولة ونفذه بحماس المدير التنفيذى الراحل للمهرجان نجيب عياد هو إقامة الفعاليات فى موعدها، بل وتعمدت إدارة المهرجان أن تعزف الموسيقى فى نفس المكان الذى حدث فيه الانفجار، لنزع مساحة الخوف كما أراد وقتها الإرهابيون.

هذه الأفلام التى تحمل الجنسية التونسية تلعب دورا مشابها، الشارع التونسى بطبيعة تكوينه يرفع شعار الحرية للجميع، وتجد فيه كل الملابس ترتديها النساء ولا توجد مصادرة أو استهجان، كما أن المرأة فى تونس تمسك عادة بزمام الأمور حتى لو لم تكن هى الفاعلة، إلا أنها تحرض على الفعل، وهكذا وجدنا الأم التونسية هى المحور الدرامى، فى فيلم (ماء العين)، رغم أنها من الناحية الفعلية تتلقى الفعل.

الفيلم يقدم لنا لقطات من (الرقة) أشبه فقط بومضات، لا تقول كل شىء، بينما مريم جوبار المخرجة وهى أيضا كاتبة السيناريو، تعتبر أن البطل هو تلك القرية وانعكاس تفاصيل الحكاية عليها والتى انتهت بمقتل الابن الأكبر وانتحار الثانى، لنتابع بعيون الأم المكلومة، ما فعله الإرهاب على تلك الأسرة تحديدا، والتى غادرتها الابتسامة، بينما الخوف استوطن فيها.

الفيلم ليس مطالبا بأن يسرد الحكاية بتفاصيلها، ولكن تعميق الرؤية التى نتابعها بكل ظلالها وليس فقط ألوانها.

المتلقى فى العالم صار وكأنه على الموجة مع تلك الأفلام التى شاهدنا الكثير منها، وسنرى أيضا الكثير، فهى تشكل قضية عالمية، كيف تم الاستقطاب على هذا النحو، حالة الأسرة التى أصيبت فى مقتل ليس بفقدان ابنين ولكن نزيف المشاعر وفقدان جدوى الحياة؟، هذا هو ما تقدمه المخرجة مريم جوبار من خلال الشريط السينمائى، ليس سردا مباشرا للحكاية بقدر ما هو شاشة تعبر عن ظلال الحكاية، إلا أنها أبدا لا تحكيها.

ونلتقى غدا لنتابع معا النتائج التى أسفرت عنها تلك الدورة التى تحمل رقم 74، الفقيرة فى إنجازها الفنى، والثرية فيما أثارته من أفكار وقضايا!!.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

«ماء العين» الإرهاب الداعشى جريمة متكررة فى تونس «ماء العين» الإرهاب الداعشى جريمة متكررة فى تونس



GMT 14:38 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

الحضارة بين العلم والفلسفة أو التقنية والإدارة

GMT 14:35 2024 الجمعة ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

التسمم بالرصاص وانخفاض ذكاء الطفل

GMT 17:39 2024 الخميس ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

أي تاريخ سوف يكتب؟

GMT 17:36 2024 الخميس ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

لا تَدَعوا «محور الممانعة» ينجح في منع السلام!

GMT 17:32 2024 الخميس ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

عودة ترمبية... من الباب الكبير

إطلالات الأميرة رجوة الحسين تجمع بين الرقي والعصرية

عمّان - المغرب اليوم

GMT 07:16 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

تجديد جذّري في إطلالات نجوى كرم يثير الجدل والإعجاب
المغرب اليوم - تجديد جذّري في إطلالات نجوى كرم يثير الجدل والإعجاب

GMT 17:56 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

وجهات سياحية فخّمة تجمع بين جمال الطبيعة والرفاهية المطلقة
المغرب اليوم - وجهات سياحية فخّمة تجمع بين جمال الطبيعة والرفاهية المطلقة

GMT 17:37 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

نصائح لاختيار قطع الأثاث متعددة الأغراض
المغرب اليوم - نصائح لاختيار قطع الأثاث متعددة الأغراض

GMT 16:52 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

مباحثات مغربية أميركية لتعزيز التعاون العسكري المشترك
المغرب اليوم - مباحثات مغربية أميركية لتعزيز التعاون العسكري المشترك

GMT 15:34 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

سعد لمجرد يكشف عن عمل جديد مع الفنانة إيلي أفرام
المغرب اليوم - سعد لمجرد يكشف عن عمل جديد مع الفنانة إيلي أفرام

GMT 08:18 2020 الثلاثاء ,06 تشرين الأول / أكتوبر

حظك اليوم برج القوس الجمعة 30 تشرين الثاني / أكتوبر 2020

GMT 17:18 2022 الأربعاء ,16 تشرين الثاني / نوفمبر

« بكتيريا متطرفة » لإزالة التلوث النفطيِ

GMT 23:41 2018 الأحد ,14 كانون الثاني / يناير

هامبورغ أكثر الأماكن المذهلة لقضاء شهر العسل

GMT 14:14 2017 الإثنين ,05 حزيران / يونيو

اتحاد طنجة يخطط لضم نعمان أعراب من شباب خنيفرة

GMT 16:18 2024 الخميس ,04 كانون الثاني / يناير

الإتحاد الأوروبي يطلّق تحقيقاً مع تيك توك ويوتيوب

GMT 22:58 2021 الأحد ,12 كانون الأول / ديسمبر

الأحرش بطلا للمغرب في القفز على الحواجز

GMT 02:12 2021 الجمعة ,17 أيلول / سبتمبر

أجمل المعالم السياحية في جزيرة كريت اليونانية

GMT 16:08 2020 السبت ,06 حزيران / يونيو

بني ملال تبحث تدبير ما بعد فترة "الحجر الصحي"
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib