سلماوي مع أوديب في الطائرة

سلماوي مع أوديب في الطائرة!!

المغرب اليوم -

سلماوي مع أوديب في الطائرة

طارق الشناوي
بقلم - طارق الشناوي

لحظة فارقة عندما تأتى الأوامر بإيداع الرئيس الأسبق فى السجن، تنفيذا للحكم الصادر ضده، يرفض النزول من الطائرة، وتفشل كل المحاولات، فهو من ملامحه العناد، إلا أنه، فى نهاية المطاف، يقرر أن يهبط السلم، متجها على قدميه إلى حجرته المجهزة بكل أسباب الراحة داخل السجن، لم يشعر ولو للحظة واحدة بأنه خان الأمانة.

عرض عليه الإقامة داخل قصر منيف فى بلد عربى شقيق ولديه فريق عمل، يلبى كل طلباته، إلا أنه أبى على نفسه وتاريخه أن تكتب فقرة فى نهاية (كتاب الحياة)، تشير إلى أنه هاجر، مهما كانت الدوافع والأسباب، فلقد عاش على أرضها وسيوارى جسده التراب تحت أرضها.

حرص سلماوى، وهو يقدم الحدث، على أن نتابعه عن طريق (فلاش باك) يروى الحكاية منذ تردده فى نزول سلم الطائرة حتى اقتناعه بأن هذا هو الموقف الذى يليق به وبتاريخه، متمثلا الخط العام لمأساة أوديب، والخط العام لحياة الرئيس، مع خلق معادل موضوعى لكل المواقف التى عاشها الرئيس، تؤكد التماثل، وفى نفس اللحظة، تحتفظ بتلك المسافة الزئبقية، التى تتغير بين حدث وآخر، تمنح المتلقى شفرة لقراءة الحدث، يصبح هو فقط المسؤول عن التفسير، القراءة للجميع.

أنت فقط الذى تتحمل المسؤولية عن التفسير، عندما تعيد التشابك والملابسات، وبعد أيام قلائل من إيداعه السجن يرحل الرئيس عن الحياة، ويظل التماثل قائما بين مأساة أوديب واللعنة التى أصابته عندما قتل أباه وتزوج أمه، وبين مأساة بطل هذه الرواية، فهو يعتقد مثل أوديب أنه برىء تماما من تلك اللعنة التى ألصقوها به، ومع كل نفى يتعمدون أكثر تأكيدها وكأنها القدر الذى لا فكاك منه.

تكنيك السرد الذى أمسك به الكاتب الكبير محمد سلماوى لا يشبه هذه المرة أحدا سوى سلماوى، بإطلالة تجمع بين التراجيدية لما قبل التاريخ وأحداث كان سلماوى شاهدا عليها حينا، ومشاركا فى جزء من تفاصيلها حينا آخر.

لا تستطيع أن تعتبر تلك شهادة مباشرة عما جرى بالضبط فى 25 يناير، ولا هى أيضا تقف على أرض الحقيقة، بقدر ما أنها، ومنذ البداية، تتجاوز الواقع، حتى لو تماثلت فى بعض الوقائع، فهى تشبه قراءتنا (لأولاد حارتنا) لنجيب محفوظ، ومن أساءوا الظن عند التعامل معها هم الذين حملوها رؤية مباشرة، تمس الذات الإلهية وتاريخ الأنبياء، وهى أبدا ليست كذلك، بل أى تماثل مباشر يغتال الرواية، وهو أيضا ما ينطبق على (أوديب فى الطائرة) لسلماوى، عدد من التفاصيل التى يعرفها الجميع حرص سلماوى على استبدالها، ليظل أى تماثل هو فى نهاية الأمر قراءة خاصة بك أنت، وتتحمل نتائجها وحدك.

أرى فى البناء الروائى رؤية بعيدة عن الحدث المباشر، لأفق أبعد فى التناول، تفتح الباب لشكل جديد فى السرد قابل لمزيد من العمق، فى التجارب القادمة.

منهج سلماوى، كما رأيته فى هذه الرواية، يفرض عليه أنه كلما اقترب من الحدث المباشر وصار هناك تلامس إلى حد التطابق ووضع (الحافر على الحافر) كما يقول علماء اللغة، يمنحك الكاتب نغمة مغايرة تماما تبعدك تماما عن اللحن الأصلى.

القراءة السياسية المباشرة تظلم الرواية، وفى نفس الوقت لا يمكن أن تقرأها بمعزل عنها. ما إن تصافح عيناك أولى كلمات (أوديب فى الطائرة)، إلا وتجد نفسك وقد أمسكت بها وحلقت معها، حتى آخر صفحة، لتبدأ من جديد خلق صورة لها عليها توقيعك أنت!!.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

سلماوي مع أوديب في الطائرة سلماوي مع أوديب في الطائرة



GMT 14:38 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

الحضارة بين العلم والفلسفة أو التقنية والإدارة

GMT 14:35 2024 الجمعة ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

التسمم بالرصاص وانخفاض ذكاء الطفل

GMT 17:39 2024 الخميس ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

أي تاريخ سوف يكتب؟

GMT 17:36 2024 الخميس ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

لا تَدَعوا «محور الممانعة» ينجح في منع السلام!

GMT 17:32 2024 الخميس ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

عودة ترمبية... من الباب الكبير

إطلالات الأميرة رجوة الحسين تجمع بين الرقي والعصرية

عمّان - المغرب اليوم

GMT 07:16 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

تجديد جذّري في إطلالات نجوى كرم يثير الجدل والإعجاب
المغرب اليوم - تجديد جذّري في إطلالات نجوى كرم يثير الجدل والإعجاب

GMT 17:56 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

وجهات سياحية فخّمة تجمع بين جمال الطبيعة والرفاهية المطلقة
المغرب اليوم - وجهات سياحية فخّمة تجمع بين جمال الطبيعة والرفاهية المطلقة

GMT 17:37 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

نصائح لاختيار قطع الأثاث متعددة الأغراض
المغرب اليوم - نصائح لاختيار قطع الأثاث متعددة الأغراض

GMT 16:52 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

مباحثات مغربية أميركية لتعزيز التعاون العسكري المشترك
المغرب اليوم - مباحثات مغربية أميركية لتعزيز التعاون العسكري المشترك

GMT 15:34 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

سعد لمجرد يكشف عن عمل جديد مع الفنانة إيلي أفرام
المغرب اليوم - سعد لمجرد يكشف عن عمل جديد مع الفنانة إيلي أفرام

GMT 08:18 2020 الثلاثاء ,06 تشرين الأول / أكتوبر

حظك اليوم برج القوس الجمعة 30 تشرين الثاني / أكتوبر 2020

GMT 17:18 2022 الأربعاء ,16 تشرين الثاني / نوفمبر

« بكتيريا متطرفة » لإزالة التلوث النفطيِ

GMT 23:41 2018 الأحد ,14 كانون الثاني / يناير

هامبورغ أكثر الأماكن المذهلة لقضاء شهر العسل

GMT 14:14 2017 الإثنين ,05 حزيران / يونيو

اتحاد طنجة يخطط لضم نعمان أعراب من شباب خنيفرة

GMT 16:18 2024 الخميس ,04 كانون الثاني / يناير

الإتحاد الأوروبي يطلّق تحقيقاً مع تيك توك ويوتيوب

GMT 22:58 2021 الأحد ,12 كانون الأول / ديسمبر

الأحرش بطلا للمغرب في القفز على الحواجز

GMT 02:12 2021 الجمعة ,17 أيلول / سبتمبر

أجمل المعالم السياحية في جزيرة كريت اليونانية

GMT 16:08 2020 السبت ,06 حزيران / يونيو

بني ملال تبحث تدبير ما بعد فترة "الحجر الصحي"
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib