قصاصات الموتى مشاع للجميع

قصاصات الموتى مشاع للجميع

المغرب اليوم -

قصاصات الموتى مشاع للجميع

بقلم -طارق الشناوي

قرأت مؤخراً رسالة قاسية جداً يتم تداولها، موجهة من أحمد زكي إلى صديقه المخرج محمد خان، تستطيع أن تقرأ بين السطور، أنه كان يرد على رسالة عنيفة من خان، فقرر أن يوجه له الكلمة كلمتين واللكمة لكمتين، تاريخ الرسالة هو بالضبط مطلع الألفية الثالثة، حيث كانا يعدان معاً فيلم «أيام السادات»، الذي أنتجه ولعب بطولته أحمد وأخرجه في نهاية الأمر خان، الذي كان واحداً من أوائل المخرجين الذين راهنوا في البدايات على موهبة أحمد زكي، عندما كانت السوق السينمائية ترى في لون بشرته الأسمر ما يحول بينه وأداء أدوار البطولة، ربما كان خان يعتبر نفسه صاحب فضل على ما وصل إليه أحمد من نجومية، وهو ما أدى بين الحين والآخر لتوتر العلاقة بينهما، كيف أصبح ما هو خاص مباحاً على هذا النحو؟
بعد رحيل الفنان الشاب هيثم أحمد زكي، باع أخوه - من الأم - ووريثه الوحيد شقته التي كانت في الأساس شقة أحمد، ومن اشترى الشقة ألقى بتلك القصاصات على الأرض فتم التقاطها ونشرها.
لمن نوجه اللوم؟ لا تستطيع مثلاً أن تقول إن من باع هو المسؤول لأنه في النهاية غير ملزم بشيء، أغلب الورثة ينتظرون أن تهبط عليهم بسرعة الأموال، ولهذا يبيعون كل ما كان لدى موروثهم، كما أن من اشترى لا تعنيه هذا المخطوطات، ليست لدينا ثقافة إقامة متاحف عامة في البيوت التي عاش فيها كبار المبدعين لتضم بقاياهم، لقد زرت مثلاً قبل أقل من عامين وفي مئوية المخرج السويدي الشهير إنجمار بيرجمان، الفيلا التي كان يقطن بها، في جزيرة (فارو) ببحر البلطيق، والتزمنا جميعاً بكل الطقوس عند الدخول، التي تبدأ بخلع الحذاء، كل الأوراق الخاصة به تصفحتها، حتى «الشخبطة» على الحائط وعلى الأبواب، كما كان يحلو لبيرجمان أن يفعل مثل الأطفال، ودخلنا دار العرض الصغيرة التي أنشأها في الحديقة، وكان له طقس يحرص عليه في يوم مولده، يشاهد فيلم «السيرك» لشارلي شابلن، وهذا هو بالضبط ما فعلناه في هذا اليوم، كأننا نستعيد كل تفاصيل حياته، وبالطبع الفيلا ودار السينما مفتوحتان طول العام لعشاق بيرجمان.
يرحل مبدعونا ولا نفكر في أن أبسط حقوقهم علينا الحفاظ على الأماكن التي عاشوا فيها ولا تزال تحتفظ ببقايا أنفاسهم.
سبق أن فرطنا في فيلا أم كلثوم، بعد رحيلها عام 1975، طالبت كل الأقلام بتحويلها إلى متحف، وتقاعست الأجهزة الرسمية، فما كان من الورثة سوى أنهم باعوها لمستثمر هدمها وأحالها إلى فندق أطلق عليه اسم «أم كلثوم»، وكل ما فعله أنه استبدل بأرقام الغرف أسماء أغانيها، هذه «أنت عمري» وتلك «بعيد عنك» والثالثة «أنساك»... وهكذا.
الموسيقار محمد عبد الوهاب الذي كان يقطن بشقة تبعد قليلاً عن فيلا أم كلثوم، ورحل عام 1991 وأيضاً طالب الإعلام بتحويل الشقة إلى متحف، ولم يتقدم أحد، وباعها الورثة، وحرمت الأجيال الجديدة من رؤية أين وكيف كان يعيش هؤلاء العمالقة. لم تنشر قصاصات خاصة لعبد الوهاب، لأن أبناءه كانوا حريصين على الاحتفاظ بها، بينما هناك، من لا يدرك أنه يبيع ما لا يجوز عرضه ولا التفريط فيه، فصارت خطابات أحمد زكي الخاصة والسرية مشاعاً للجميع، فمن ينقذ الموتى من الأحياء؟!

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

قصاصات الموتى مشاع للجميع قصاصات الموتى مشاع للجميع



إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ المغرب اليوم
المغرب اليوم - المغرب يفقد 12 مركزاً في تصنيف مؤشر تنمية السياحة والسفر لعام 2024

GMT 02:13 2018 الأربعاء ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

تمثال لدبين قطبيين يُثير ذهول عملاء مركز تسوق

GMT 07:35 2016 الأحد ,18 كانون الأول / ديسمبر

أفضل مناطق لسياحة التزلج على الجليد في أوروبا

GMT 14:22 2023 الأحد ,18 حزيران / يونيو

زلزال بقوة 3.2 درجة تضرب ولاية "مانيبور" الهندية

GMT 19:58 2020 الخميس ,09 كانون الثاني / يناير

أسماك القرش تنهش جثة لاعب كرة قدم في أستراليا

GMT 18:31 2019 الأحد ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

تشابي ألونسو يؤكد جوارديولا سبب رحيلي عن ريال مدريد

GMT 21:58 2019 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

لطيفة رأفت تلهب مواقع التواصل الاجتماعي بمظهر جذاب
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib