أغاني «حضور وانصراف»

أغاني «حضور وانصراف»

المغرب اليوم -

أغاني «حضور وانصراف»

بقلم -طارق الشناوي

شاهدت «الفيديو كليب» الذي أطلقه قبل أيام المطرب المخضرم، من أجل توجيه تحية للجيش الأبيض من أطباء وممرضين، القضية نبيلة والأغنية هزيلة، ولهذا ماتت في نفس لحظة ميلادها، ولم تكن المرة الأولى التي يفشل فيها المطرب في تحقيق حالة من التواصل مع الجمهور، منذ عشر سنوات، وهو يواكب ما يجري في الحياة السياسية والوطنية والاجتماعية، بأغانٍ تستقر في نهاية المطاف داخل الأرشيف.
المطرب مخلص في مشاعره، ولديه رغبة عارمة في التعبير عما يجري على أرض الوطن، وبالمناسبة لا ينتظر أيضاً مقابلاً مادياً من أحد، فقط يريد أن يقول: «نحن هنا»، إلا أن هناك شيئاً صار مفقوداً بينه وبين الناس، والهوة لا تزال تتسع.
كثيراً ما يختلط على البعض الخط الفاصل بين الموقف الذي نعيشه ومفردات التعبير، من الممكن أن تكتوي باللحظة وبكل أبعادها إلا أنك تخفق عند إحالتها إلى بناء إبداعي، هناك مسافة يجب أن يقطعها المبدع بنعومة وسلاسة بين الحب والتعبير عن الحب؛ قيس بن الملوّح وعنترة بن شداد وجميل بن معمر الشهير بـ«جميل بثينة»، كل هؤلاء وغيرهم، أنشدوا شعراً جميلاً خلّد قصص الهيام، وقفزوا فوق حواجز التاريخ والجغرافيا، لأنهم أجادوا أولاً التعبير، وليس لمجرد أنهم فقط أخلصوا في الحب، وفي المقابل ستكشف أن أضعاف هؤلاء كانوا متيمين وربما أكثر، ولكن تبخرت ما سطرته أقلامهم، بينما مثلاً قصيدة مثل «لا تكذبي» شعر كامل الشناوي كتبها من وحي خياله، إلا أنها من فرط صدقها بحث الناس عن بطلة وبطل حقيقيين لقصة لم تحدث.
كثيراً ما تبرق صفة الصدق مرادفةً للإبداع، لو تأملت قليلاً، ستكتشف أنه ليس بالضرورة كل ما يلمع ذهباً.
بالقطع من الممكن أن يصبح الواقع هو وقود الفن. مثلاً نشيد «والله زمان يا سلاحي»، الذي كان هو السلام الوطني السابق لمصر، تم إنجازه، بينما طائرات العدو الإسرائيلي تحلّق عام 56 فوق سماء القاهرة، وصفارات الإنذار تدوّي بين الحين والآخر. حكى لي ملحن النشيد الموسيقار كمال الطويل، أنه بدأ يعزف على البيانو موسيقى بلا كلمات، واتصل على الفور بصديقه الشاعر صلاح جاهين يسمعه النغمة وهو يكتب الكلمة، وكان الطويل يقطن بالقرب من فيلا أم كلثوم، اتصل بها طلبت منه أن يأتي فوراً، وجد أنه قد سبقه كل من الموسيقار وعازف العود محمد القصبجي وعازف الكمان أحمد الحفناوي وضابط الإيقاع حسن أنور، ليبدأوا البروفة، في هذه اللحظة استمعوا إلى صوت صافرة الإنذار، وكان عليهم كما تقول التعليمات الأمنية إغلاق الشبابيك، والانتظار في المخبأ أسفل الفيلا، إلا أنه وجد أم كلثوم تفتح باب الشرفة، وتقف بالقرب من السور، وتتطلع إلى السماء، طلب منها الطويل أن تعود فقالت له: «أريد أن أمسك بيدي طائرات الأعداء».
كانت الإذاعة المصرية مهدَّدة بالضرب، ومن المفترض أن يتم التسجيل خارج المبنى، إلا أن أم كلثوم أصرت على الذهاب إلى استوديو الإذاعة، وبالفعل وجدنا الأغنية تنضح فناً وصدقاً، إلا أن هذا لا يمكن اعتباره ممثلاً للأغلبية، فقط لا يتجاوز أكثر من 5% من الرصيد الغنائي، والباقي تساقط تباعاً من الذاكرة.
أغلب أغانينا التي واكبت حياتنا الوطنية والاجتماعية والسياسية صارت أشبه بكشوف توقيع الحضور والانصراف، ويبدو أن المطرب المخضرم منذ سنوات وهو يوقّع مرتين: انصراف وانصراف!

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

أغاني «حضور وانصراف» أغاني «حضور وانصراف»



إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ المغرب اليوم
المغرب اليوم - المغرب يفقد 12 مركزاً في تصنيف مؤشر تنمية السياحة والسفر لعام 2024

GMT 02:13 2018 الأربعاء ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

تمثال لدبين قطبيين يُثير ذهول عملاء مركز تسوق

GMT 07:35 2016 الأحد ,18 كانون الأول / ديسمبر

أفضل مناطق لسياحة التزلج على الجليد في أوروبا

GMT 14:22 2023 الأحد ,18 حزيران / يونيو

زلزال بقوة 3.2 درجة تضرب ولاية "مانيبور" الهندية

GMT 19:58 2020 الخميس ,09 كانون الثاني / يناير

أسماك القرش تنهش جثة لاعب كرة قدم في أستراليا

GMT 18:31 2019 الأحد ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

تشابي ألونسو يؤكد جوارديولا سبب رحيلي عن ريال مدريد

GMT 21:58 2019 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

لطيفة رأفت تلهب مواقع التواصل الاجتماعي بمظهر جذاب
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib