بوتين يجتاح وتولستوي يدفع الثمن

بوتين يجتاح وتولستوي يدفع الثمن!

المغرب اليوم -

بوتين يجتاح وتولستوي يدفع الثمن

طارق الشناوي
بقلم - طارق الشناوي

العنف المفرط هل يقابل بعنف أكثر إفراطاً؟ أم أن علينا في كل الأحوال ترشيد الأسلحة؟ ما أقدم عليه بوتين من اجتياح دولة، مهما كانت له من مبررات، هو فعل عواقبه وتداعياته لن تتوقف، ولن تطوى هذه الصفحة بسهولة، بمجرد أن تتوقف طلقات المدافع.
الحصار الاقتصادي والإعلامي هو الحرب بأسلحة ناعمة لا تقل فتكاً. هناك إجماع أوروبي - أميركي، على أن الضربات القوية المتلاحقة وغير المتوقعة في هذا الاتجاه تؤثر قطعاً على العمق الروسي، مهما تباهى الرئيس الروسي بقوة البنية التحتية للدولة ومتانتها، مستنداً إلى قدرة الاحتياطي الاستراتيجي على الصمود، إلا أنه في النهاية ستخور قواه تدريجياً، إذ لن يستطيع المقاومة للأبد، فهو يستنفد مخزونه بإيقاع متصاعد.
آخر ما كان من الممكن توقعه، أن تمتد العقوبات أيضاً لسلاح الثقافة والرياضة، وتستبعد روسيا من كل المشاركات في كأس العالم، وأيضاً المهرجانات السينمائية الكبرى، بداية من (كان) في دورته الاستثنائية التي يعقدها في 17 مايو (أيار) المقبل (اليوبيل الماسي)، إذ مر عليه 75 عاماً، وهو المهرجان الثاني تاريخياً بعد (فينيسا) ويأتي بعده مباشرة (برلين). كل هذه المهرجانات هي وجه آخر للصراع في الحرب العالمية الثانية، بين المحور والحلفاء، حتى بعد إعلان الهزيمة واستسلام الحلفاء، عشنا زمن الحرب الباردة، التي ظلت تحمل في (جيناتها) بقايا تلك الصراعات.
إلا أن الأمور لم تصل أبداً إلى تلك الحدة، أفهم أن الفنان الروسي الذي يقدم شريطاً سينمائياً أو قطعة موسيقية للإشادة بموقف بوتين يتم إقصاء عمله الفني، ولكن يُستبعد بلد من الخريطة تماماً، وعلى كل المستويات، ويصبح كأنه لا وجود له، فهذا يدخل في إطار العنصرية المستهجنة.
لم يكتفِ البعض بالتعبير عن الغضب ضد الحاضر، لكن بدأ التفكير في تصفية الحساب مع الماضي، وزايدوا في الصراع، لينسحب على معاداة أعمال لكبار الأدباء مثل تولستوي ودويستوفيسكي وتشيكوف، أو الموسيقيين مثل ريمسكي كورساكوف.
بديهي أن يستخدم سلاح الثقافة، ولكن ليس بهذه الحدة، لو تابعنا مثلاً أسلوب التعامل مع السينما الإيرانية، نجد المهرجانات الكبرى وأعني بها (كان) و(برلين) و(فينسيا)، تمنح مساحة للمخرجين الذين يفضحون نظام الملالي، أو الذين يتم حصارهم في الداخل مثل جعفر بناهي ومحمد رسولوف، وتشارك أفلامهم في المهرجانات بل وتحصد أيضاً جوائز، لتصل رسالتهم إلى العالم.
كما أنهم كثيراً ما احتفوا بأفلام المخرج الراحل عباس كيروستامي، بعد أن صارت إيران لا تمنحه الفرصة في الداخل، فأصبح يقدم أفلاماً بإنتاج مشترك مع فرنسا واليابان وإيطاليا، كما أن مخرجاً مثل أصغر فرهدي، أفلامه توجد في المهرجانات، وحصل على سعفة (كان) ودب (برلين) والأوسكار أكثر من مرة.
من الممكن أن يطبق أيضاً هذا الهامش على الفنان الروسي، خصوصاً أن هناك قوة داخل روسيا من المثقفين والمبدعين لا تجد أي مبرر للقتال الجاري الآن.
طبعاً بوتين لديه مخاوفه وحساباته التي دفعته لاستخدام القوة الصلبة في صراع حياة وموت، لا أحد يدرك نهايته.
بالتأكيد لن يعود العالم في أوروبا كما كان قبل الاجتياح، ستظل هناك دماء تنزف، حتى بعد أن تصل الأطراف إلى تسوية، الوجدان سيظل مجروحاً، وسوف تستمر الحرب الثقافية ولكن بقدر كبير من الانتقاء، سكين المنع الذي نراه الآن مشهراً بغشومية، سيتم ترشيده ولن يدفع مجدداً تولستوي الثمن!!

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

بوتين يجتاح وتولستوي يدفع الثمن بوتين يجتاح وتولستوي يدفع الثمن



GMT 14:38 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

الحضارة بين العلم والفلسفة أو التقنية والإدارة

GMT 14:35 2024 الجمعة ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

التسمم بالرصاص وانخفاض ذكاء الطفل

GMT 17:39 2024 الخميس ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

أي تاريخ سوف يكتب؟

GMT 17:36 2024 الخميس ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

لا تَدَعوا «محور الممانعة» ينجح في منع السلام!

GMT 17:32 2024 الخميس ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

عودة ترمبية... من الباب الكبير

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ المغرب اليوم
المغرب اليوم - المغرب يفقد 12 مركزاً في تصنيف مؤشر تنمية السياحة والسفر لعام 2024

GMT 08:59 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

أطعمة ومشروبات تساعد في علاج الكبد الدهني وتعزّز صحته
المغرب اليوم - أطعمة ومشروبات تساعد في علاج الكبد الدهني وتعزّز صحته

GMT 15:34 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

سعد لمجرد يكشف عن عمل جديد مع الفنانة إيلي أفرام
المغرب اليوم - سعد لمجرد يكشف عن عمل جديد مع الفنانة إيلي أفرام

GMT 16:47 2022 الجمعة ,14 كانون الثاني / يناير

حزب التجمع الوطني للأحرار" يعقد 15 مؤتمرا إقليميا بـ7 جهات

GMT 07:41 2024 الإثنين ,28 تشرين الأول / أكتوبر

إكس" توقف حساب المرشد الإيراني خامنئي بعد منشور بالعبرية

GMT 21:24 2019 الإثنين ,01 تموز / يوليو

تنتظرك أجواء هادئة خلال هذا الشهر

GMT 09:02 2023 الإثنين ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

خبير طبي يؤكد أن التدفئة مهمة جدًا للأطفال الخدج

GMT 18:10 2020 الإثنين ,09 تشرين الثاني / نوفمبر

بداية جديدة في حياتك المهنية

GMT 07:57 2016 الأحد ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

هافانا ذات الجو الحارّ غارقة في التاريخ ونابضة بالحياة

GMT 06:44 2016 الثلاثاء ,23 شباط / فبراير

هنيئا لنا برئيس حكومتنا الذي يُضحكنا..!
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib