الكاظمي القرار والاستقرار والاستثمار

الكاظمي... القرار والاستقرار والاستثمار

المغرب اليوم -

الكاظمي القرار والاستقرار والاستثمار

بقلم - غسان شربل

لا يستطيع مصطفى الكاظمي أنْ يكونَ مجردَ تكرار لأسلافه. النتائج لا تشجّع على التكرار وهو لا ينتمي إلى المدرسة نفسها. لا يحمل على كتفيه أثقالاً حزبية أو قراءات قديمة لطريقة إدارة الدولة أو موقعها في الإقليم. السنوات التي أمضاها يقلب المعلومات ويقرأ ما بين سطورها أقنعته أنَّ الوضعَ العراقي لم يعد يتحمل مزيداً من التخبط والهدر والضياع والفساد. إنَّه يعرف بالتأكيد أنَّ إنقاذ الخريطة نفسها يحتاج إلى وضعها في عهدة دولة تستحق التسمية. لا طمأنينة للخريطة إلا في ظلّ دولة تحرس الثوابت الوطنية وتدافع بمؤسساتها عن كرامة الأرض وتحرس كرامة المواطن. وحدها الدولة هي الجسر الآمن ليعبر العراقي إلى الإقليم والعالم ليتاجر ويتفاعل ويشارك. ووحدها الدولة الجدية تقدر على إقناع المستثمر بالمجيء. وعلى إقناع السفراء بالتزام حدود العلاقات بين الدول. يحتاج العراق إلى شراكات لا إلى وصايات.
منذ توليه مهامه في السابع من مايو (أيار) الماضي أيقظ الكاظمي حديث الدولة ومعركة البحث عنها. عادت إلى الواجهة عبارات من قماشة عدم التدخل في الشؤون الداخلية. قيلت العبارة أمس بمناسبة زيارة وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف
واضح أن الكاظمي يحلم باستعادة العراق من الإقامة الدائمة في العاصفة. الإقامة المتوترة على خط التماس الإيراني - الأميركي الذي يشهد شهوراً صعبة بين حسابات الانتظار والانفجار. لا يحمل الكاظمي مشروعاً معادياً لإيران كدولة جارة. فمثل هذا المشروع لا يحل المشكلة وليس مطلوباً أو ممكناً. يحمل مشروعاً لإعادة التوازن يمكن أن يعزز موقع العراق في التخاطب مع إيران وتركيا وسائر الدول المحيطة. ترميم علاقات العراق بعمقه الخليجي والعربي ضروري لاستعادة العراق قدرته على استرداد موقعه الطبيعي في توازنات المثلث العراقي - الإيراني - التركي. وطبيعي أن يلقى توجه من هذا النوع تفهماً وتأييداً، ذلك أنَّ عودة العراق إلى الإمساك بقراره واستقراره حاجة خليجية وعربية بل دولية.
يعرف الكاظمي أنَّ القدر كلَّفه مهمة بالغة الصعوبة كي لا نقول مستحيلة. جاءته رئاسة الوزراء في زمن متفجر. تكفي الإشارة إلى أنَّ السنة العراقية كانت قد بدأت بمقتل قاسم سليماني قائد «فيلق القدس» بصاروخ أميركي على أرض بغداد. مجرد اتخاذ القرار بمعاقبة سليماني شخصياً كان يعني فتح صفحة أكثر حدة بين واشنطن وطهران. ولم يكن مستغرباً بعد ذلك أن يطلب البرلمان العراقي من الحكومة إنهاء وجود قوات «التحالف» على أرض العراق، وأن تستهدف صواريخ الميليشيات قواعد عسكرية تستضيف أميركيين.
الفترة الحرجة نفسها كشفت أن سياسة «الضغط الأقصى» التي اعتمدتها إدارة دونالد ترمب ألحقت أضراراً جدية بالاقتصاد الإيراني وقدرة طهران على تمويل مشروعها الإقليمي. جانب آخر كشف صعوبة الموقف الإيراني في هذه المرحلة. تتلاحق الهجمات الإسرائيلية على أهداف إيرانية في سوريا، وتحولت إلى ما يشبه حرباً تشن بالتقسيط. لم تستطع طهران حتى الآن تنظيم أي رد رادع. الوجود الروسي قد يكون عائقاً على الأرض السورية، لكن الخشية من مواجهة واسعة في ظل وجود ترمب قد تكون الحائل دون استخدام الجبهة اللبنانية.
ليس سراً أنَّ ضرراً لحق بصورة إيران التي كانت تلوح دائماً بردود مزلزلة على كل من يستهدفها. لهذا تعيش إيران على درجة عالية من التوتر. الاشتباك مفتوح مع الخارج، ولا بدَّ من انتظار نتائج الانتخابات الرئاسية الأميركية. وفي الداخل المتوتر بفعل ارتفاع البطالة وتدني قيمة العملة الوطنية وتزايد أعداد المقيمين تحت خط الفقر، يخشى النظام تجدد الاحتجاجات التي لا يملك حلاً لها غير القمع والقسوة الدموية المفرطة.
في موازاة مصاعب الملف الإيراني، واشتباك طهران المفتوح مع واشنطن، ورث الكاظمي وضعاً داخلياً بالغ السوء. لا مبالغة في الحديث عن فشل صارخ تميزت به الحكومات التي تعاقبت بعد سقوط نظام صدام حسين. فشل في ترميم القرار العراقي والعلاقات الطبيعية بين المكونات. وفشل في منع الفصائل والميليشيات من استباحة الدولة من الوريد إلى الوريد. وفشل في حماية الممارسات الانتخابية من إغراء العصبيات الطائفية وسطوة المال؛ خصوصاً ذلك الوافد من فساد غير مسبوق عراقياً، وربما على مستوى العالم. وحين ضاق الناس ذرعاً بتشرذم القرار والصعوبات المعيشية اليومية لم تتردد آلة القتل في استهداف الناشطين، وكأنها تعلن رفض أي دعوة إلى الإفراج عن سيادة العراق وحرية العراقي واستقراره وخبزه.
والحقيقة هي أنَّ ما يطالب به الكاظمي هو أقرب إلى بديهيات لا يجوز الاستمرار في حرمان العراق منها. فهل يعتبر العراق وقحاً إذا طالب بأن يعيش بلا وصايات إقليمية أو دولية؟ وهل يعتبر العراق معادياً إذا طالب القوى المجاورة بأن تقيم داخل خرائطها، وألا تدخل أرضه بأسلوب الكسر والخلع؟ وهل يعتبر العراق مزعجاً إذا طالب بالتعامل معه بوصفه «الدولة العراقية» وليس «الساحة العراقية» وأنه ليس صندوق بريد للرسائل المتفجرة إقليمية كانت أم دولية؟ يحتاج العراق إلى النجاح في معركة ترميم القرار، ويحتاج إلى قطرة استقرار لفتح باب الاستثمار واستئناف حلم الازدهار.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الكاظمي القرار والاستقرار والاستثمار الكاظمي القرار والاستقرار والاستثمار



GMT 15:33 2021 الأحد ,31 كانون الثاني / يناير

شعر عربي اخترته للقارئ

GMT 15:29 2021 الأحد ,31 كانون الثاني / يناير

شعر المتنبي - ٢

GMT 15:18 2021 الأحد ,31 كانون الثاني / يناير

من شعر المتنبي - ١

GMT 23:58 2021 الثلاثاء ,26 كانون الثاني / يناير

شعر جميل للمعري وأبو البراء الدمشقي وغيرهما

GMT 21:18 2021 الإثنين ,25 كانون الثاني / يناير

أقوال بين المزح والجد

إطلالات الأميرة رجوة الحسين تجمع بين الرقي والعصرية

عمّان - المغرب اليوم

GMT 00:54 2024 الجمعة ,29 تشرين الثاني / نوفمبر

روحي فتوح لتولّي رئاسة السلطة الفسطينية حال شغور المنصب
المغرب اليوم - روحي فتوح لتولّي رئاسة السلطة الفسطينية حال شغور المنصب

GMT 22:21 2024 الخميس ,28 تشرين الثاني / نوفمبر

ترامب يناقش إبعاد بعض وسائل الإعلام من البيت الأبيض مع نجله
المغرب اليوم - ترامب يناقش إبعاد بعض وسائل الإعلام من البيت الأبيض مع نجله

GMT 18:29 2024 الجمعة ,29 تشرين الثاني / نوفمبر

أخنوش يتباحث مع الوزير الأول لساو تومي
المغرب اليوم - أخنوش يتباحث مع الوزير الأول لساو تومي

GMT 07:41 2024 الإثنين ,28 تشرين الأول / أكتوبر

إكس" توقف حساب المرشد الإيراني خامنئي بعد منشور بالعبرية

GMT 16:47 2022 الجمعة ,14 كانون الثاني / يناير

حزب التجمع الوطني للأحرار" يعقد 15 مؤتمرا إقليميا بـ7 جهات

GMT 13:43 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 06:07 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

صادرات الحبوب الأوكرانية تقفز 59% في أكتوبر

GMT 06:23 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

صندوق النقد يتوقع نمو اقتصاد الإمارات بنسبة 5.1% في 2025

GMT 06:50 2024 الأربعاء ,30 تشرين الأول / أكتوبر

نصائح لتحديد أفضل وقت لحجز رحلاتكم السياحية بسعر مناسب

GMT 04:32 2020 الإثنين ,23 آذار/ مارس

ستائر غرف نوم موديل 2020

GMT 15:48 2020 الأربعاء ,01 كانون الثاني / يناير

لا تتسرّع في خوض مغامرة مهنية قبل أن تتأكد من دقة معلوماتك

GMT 05:27 2015 الأربعاء ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

إيران تشن حملة ضد ممثلة نشرت صورها دون الحجاب
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib