انفجرت الحقيبة وغيَّرت وجه اليمن
عاصفة شتوية قوية تضرب شمال أميركا وتتسبب في انخفاض درجات الحرارة إلى ما دون الصفر في الجنوب الكشف عن خطة إسرائيلية أعدتها جمعيات استيطانية لإنشاء مدن جديدة وتوسيع مستوطنات في الضفة الغربية خلال فترة ولاية ترامب قمة دول الخليج العربي تُطالب بوقف جرائم القتل والعقاب الجماعي للمدنيين في غزة ورعاية مفاوضات جادة لوقف الحرب جماعة الحوثي تنفذ عملية ضد هدف حيوي في منطقة يافا بفلسطين المحتلة بصاروخ باليستي فرط صوتي الجيش الروسي يُحرر بلدتي بيتروفكا وإيليينكا في جمهورية دونيتسك الشعبية استشهاد 4 فلسطينيين بينهم طفل في قصف طيران الاحتلال الإسرائيلي لمجموعة من المواطنين في خان يونس بدء أعمال القمة الخليجية الـ 45 في الكويت اتحاد طنجة لكرة القدم الشاطئية يتأهل إلى مرحلة البلاي أوف من البطولة الوطنية الرجاء الرياضي ينعي وفاة مشجعين للفريق في حادث سير بعد مباراة الجيش الملكي في دوري أبطال إفريقيا موريتانيا تفرض غرامة ثقيلة على فرع "اتصالات المغرب" بسبب جودة الخدمات
أخر الأخبار

انفجرت الحقيبة وغيَّرت وجه اليمن

المغرب اليوم -

انفجرت الحقيبة وغيَّرت وجه اليمن

بقلم - غسان شربل

العمل اللصيق مع السيد الرئيس القائد ليس بسيطاً سواء كان اسمه صدام حسين أو معمر القذافي أو علي عبد الله صالح. للعمل مكاسب لا يمكن إنكارها. يوفّر لك حماية تعجز عن توفيرها الدساتير التي تعمل غالباً في خدمة القائد. تعطيك نفوذاً لدى الوزراء والعسكريين لشعورهم أنَّك قريبٌ من أذن الرئيس وموضع ثقته. تدخلك في دائرة القرار فتساعدك على معرفة الملابسات والحيثيات فضلاً عن المكائد. العمل اللصيق مع صاحب القرار المطلق امتياز مطلق.

لكن لكل صعود ثمن. العمل نفسه يجعل منك صوتاً للرئيس وظلاً له ويدخلك في دائرة مزاجه ويلزمك جراحاتٍ تجميليةً لمواقفه المتسرعة وعباراته المستهجنة. تولَّدت لديَّ هذه القناعة حين حاورت نوري المسماري أمينَ المراسم العامة لدى القذافي، وهو كان بحق ظلَّ القائد في البر والبحر والجو. وترسَّخت لديَّ القناعة حين التقيت رجالاً عملوا مع صدام في القصر أو الحزب أو الجيش.

هذا ما خطر في بالي حين تلقيت نبأ وفاةِ اللواء علي الشاطر، رئيسِ دائرة التوجيه المعنوي في الجيش اليمني. كان على مدى عقودٍ الرجل الأقرب إلى علي عبد الله صالح وصديق الإعلاميين الذين كانوا يتوافدون لمقابلة الرئيس. لم يتنازل العسكري - الإعلامي عن ابتسامته على رغم العواصف التي كانت تهبُّ من مكتب علي صالح وعليه. وكان علي الشاطر يدرك أنَّ إدارة اليمن صعبة ومعقدة. كان من الصعب رسم حدودٍ واضحة بين قبيلة الدولة ودول القبائل. والأمر نفسه بين حبر الدستور وإرادة الرئيس. وسياسات اليمن كالفصول. صيف ساخن وربيع عابر وخريف مثقل بتساقط الضحايا عند المنعطفات كتساقط أوراق الأشجار في الفصل الغادر.

استعذبَ علي الشاطر دوره كإعلامي، خصوصاً في رئاسة تحرير صحيفة «26 سبتمبر». أتقن المهنةَ وانخرط في علاقات واسعة مع العاملين فيها. وكان يهتمّ بإطلاع الصحافي الزائر على الأسئلة المطروحة في صنعاء فيدعوه إلى مجلسه للقاء وزراء وكتاب ومثقفين. أذكر ذات يوم كان الحوار محتدماً حول العولمة وآثارها على الدول والمجتمعات. فجأة خطر لأحد الحاضرين أن يُذكر ببيت للمتنبي وإذ بالعولمة تغيب عن المجلس لتندلع مبارزة في التبحر في سيرة الشاعر التي لم ينجح غبار التاريخ في حجبها. وكانت المشاركة ممتعة فالمتنبي سيد المغردين قبل ألف عام من «تويتر» ونجومه. وفي اليمن الماضي لا يمضي.

كان علي الشاطر وفياً لدوره وواجبه حتى إن لم يشارك الرئيسَ دائماً مواقفَه ومفاجآتِه. قلت له ذات يوم إنَّني سمعت من الرئيس أجوبة غريبة. سألته عن تصاعد الاضطراب الأمني في صنعاء فأجاب أنَّ عدد الذين يقتلون فيها أقل من الذين يقتلون يومياً في نيويورك. والمقارنة غير دقيقة. وقلت له إنّني سألت الرئيس عن فرار عناصر من «القاعدة» من السجن فأجابني أنَّ بعضهم قد يعودون إليه. استفسرت عن مبرر عودتهم فأجاب أنَّ السبب هو أنَّ بعضهم لا يزالون بعد فرارهم على اتصال مع الأمن. والاتصالات غريبة. اكتفى الشاطر بالابتسام وقال إنَّ في اليمن خصوصيات كثيرة بينها أسلوب الرئيس.

لم تكن حياة علي الشاطر سهلة أبداً. لم يضلع في العنف الدموي، لكنه كان يعيش وسط الانعطافات وضحاياها. بعد استيلاء الحوثيين على السلطة تعرَّض لملاحقات وإزعاجات ضاعفت أوجاعه. كان يعتبر عملَه خدمة في صفوف الدولة لا تستحق عقاباً خصوصاً أنَّ اسمَه لم يرد في استهداف معارضين أو اصطياد خصوم.

بعد اغتيال الرئيس علي عبد الله صالح تذكرت أنَّ الشاطر أمضى عمره في ظل ثلاثة من الرؤساء العسكريين الذين اغتيلوا. هذا يكفي لإغراق الذاكرة في مشاهد راعبة. ففي 11 أكتوبر (تشرين الأول) 1977 وقبل يومين من زيارة مقررة له إلى عدن اغتيل الرئيس المقدم إبراهيم الحمدي بعد تجربة قاسية تمكن خلالها من تقليص نفوذ شيوخ القبائل، ومحاولتهم فرضَ نوع من الوصاية على الجيش نفسه. اغتيل الحمدي في وليمة غداء دعي إليها ولا تزال ملابساتها تطرح بعد عقود أسئلةً عن دور الرئيسين اللذين جاءا بعده.

بعد شهور سيتدخَّل القدر لإبقاء علي الشاطر حياً. كان اسم الرئيس أحمد الغشمي. في 24 يونيو (حزيران) استقبل الرئيس مبعوثاً من اليمن الجنوبي جاء في مهمة حساسة. صافح الرئيس المبعوث الذي فتح الحقيبة فقتلته مع الرئيس. كان يفترض أن يكون الشاطر حاضراً في اللقاء، لكن اتصالاً في الليلة السابقة من القصر الرئاسي في عدن نصح الغشمي بأن يكون وحيداً لدى استقبال المبعوث نظراً لدقة المسائل التي سيثيرها. وقبل دخول مكتب الرئيس توقف المبعوث المفخخ في مكتب مجاور هو مكتب علي الشاطر الذي ذُهل بعد دقائق من دوي الانفجار. وكان اغتيال الغشمي الفرصة التي اغتنمها علي عبد الله صالح للقفز إلى السلطة، والإقامة فيها 33 عاماً قبل أن يخسر قصره ويقضي قتلاً وإن من دون حقيبة ومبعوث.

سألت الشاطر عن الحادثة فقال إنَّ مسؤولاً أمنياً في الحزب الاشتراكي اليمني طلب من خبير متفجرات أن يعدَّ حقيبة تنفجر فور فتحها. ولم يكن حامل الحقيبة جاهلاً أنَّه ذاهب في مهمة انتحارية، ولهذا كتب رسالة وداع لقادته في الحزب. سألت عن خبير المتفجرات فاكتفى الشاطر بالقول إنَّه لا يملك معلومات عنه.

بعد سنوات، شاءت المهنة أن أذهب ذات يوم إلى بلاد بعيدة للتعرف إلى «مطلوب» دولي اختار التواري للنجاة من أجهزة تتعقبه. أمضيت أياماً مع الرجل الذي لم يسبق أن استقبل صحافياً أو أدلى بتصريح. ذهبت في ختام الزيارة لوداعه واكتشفت أنَّه انزعج حين بثَّ التلفزيون صورة لعلي صالح. حرك رأسه كمن يعبر عن ندمه. وحين وقفت لوداعه، قال: «يا غسان أنا أحببتك ووثقت بك. قررت أن أضعَ رقبتي تحت يدك. سأودعك سراً لا مجال لنشره وأنا حيٌّ. أنا الرجل الذي فخَّخ الحقيبة التي قتلت الغشمي».

كتمت السرَ احتراماً للرجل. قُتل الغشمي وقُتل بعده بأيام رئيس اليمن الجنوبي سالم ربيع علي (سالمين) وقُتل لاحقاً الرجلُ الذي خطَّط لاغتيال الغشمي. وبعد سنوات طويلة قُتل علي صالح وذهب الشاطر، بعدما سبقه الرجل الذي فخَّخ الحقيبة التي غيَّرت وجهَ اليمن. حقيبة بنعوش كثيرة.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

انفجرت الحقيبة وغيَّرت وجه اليمن انفجرت الحقيبة وغيَّرت وجه اليمن



GMT 14:15 2024 الأربعاء ,15 أيار / مايو

في ذكرى النكبة..”إسرائيل تلفظ أنفاسها”!

GMT 12:08 2024 الثلاثاء ,14 أيار / مايو

مشعل الكويت وأملها

GMT 12:02 2024 الثلاثاء ,14 أيار / مايو

بقاء السوريين في لبنان... ومشروع الفتنة

GMT 11:53 2024 الثلاثاء ,14 أيار / مايو

“النطنطة” بين الموالاة والمعارضة !

GMT 11:48 2024 الثلاثاء ,14 أيار / مايو

نتنياهو و«حماس»... إدامة الصراع وتعميقه؟

إطلالات الأميرة رجوة الحسين تجمع بين الرقي والعصرية

عمّان - المغرب اليوم

GMT 06:38 2024 الأحد ,01 كانون الأول / ديسمبر

السجائر الالكترونية قد تحمل مخاطر صحية غير معروفة
المغرب اليوم - السجائر الالكترونية قد تحمل مخاطر صحية غير معروفة

GMT 11:51 2019 الجمعة ,21 حزيران / يونيو

شهر حزيران تميمة حظ لمواليد برج السرطان

GMT 13:31 2017 الثلاثاء ,17 تشرين الأول / أكتوبر

السفير المغربي سمير الدهر يتعرض إلى السرقة في حي يسيشيكو

GMT 19:54 2017 الأربعاء ,25 كانون الثاني / يناير

والد حمزة منديل يرفض الرد على اتصالات نجله

GMT 02:43 2015 الإثنين ,14 أيلول / سبتمبر

حلى الزبادي بالأوريو

GMT 08:36 2017 الثلاثاء ,24 تشرين الأول / أكتوبر

شركة "تسلا" تبني مصنعًا لإنتاج السيارات الأجنبية في الصين

GMT 08:25 2024 الإثنين ,15 إبريل / نيسان

نتائج القسم الثاني لكرة القدم بالمغرب

GMT 07:21 2023 الإثنين ,18 كانون الأول / ديسمبر

أبرز النجمات اللواتي ارتدين البدلة الرسمية هذا العام
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib