تركيا بعد الانتخابات أطلسية بامتياز لا أوروبية بالتفاوض

تركيا بعد الانتخابات أطلسية بامتياز لا أوروبية بالتفاوض!

المغرب اليوم -

تركيا بعد الانتخابات أطلسية بامتياز لا أوروبية بالتفاوض

هدى الحسيني
بقلم :هدى الحسيني

في تغريدة لجاكوب ريس موغ وزير الطاقة والأعمال في الحكومة البريطانية الحالية، وهو من اليمين المحافظ حتى التطرف، قال إنه معجب بتوق الشعب التركي إلى «ممارسة حقه الديمقراطي، حتى لو انتخب مَن هو ليس ديمقراطياً بل هو شمولي وقمعي في أدائه»، ويعني طبعاً الرئيس رجب طيب إردوغان الذي حصل على 49.24 في المائة من أصوات الأتراك الذين أقدم 89 في المائة من المقترعين على ممارسة حقهم الديمقراطي، وعلى الأغلب سيعاد انتخاب إردوغان في الدورة الثانية.

ريس موغ يمثل معضلة الغرب الحقيقية التي تنادي بممارسة الديمقراطية حقاً أساسياً للشعوب وتشن حروباً ضروساً لإزالة أنظمة لا تمارسها، ومن بعدها تتعامل مع النتائج بحسب مصالحها، والتاريخ يشهد على كثير من خيارات الشعوب التي انتخبت من يمثلها ديمقراطياً وتم إقصاؤهم بالحصار الاقتصادي والترهيب والاغتيال من قبل الغرب نفسه الذي دعا إلى ممارسة الديمقراطية، وما مثالُ اغتيال سلفادور الليندي في تشيلي، وصولاً إلى تجويع فنزويلا، إلا مثلان لما سلف ذكره مع الفارق الكبير بين الليندي وهوغو شافيز، فضلاً عن غض النظر والتعايش مع أنظمة ديكتاتورية قامعة ومذلة لشعوبها.

بالعودة إلى الخيار الديمقراطي للشعب التركي، فإن الاتحاد الأوروبي وبريطانيا ومعهما الأخ الأكبر الولايات المتحدة سيرضيهم انتخاب إردوغان إلى ولاية ثالثة، لعدد من الأسباب؛ فالرجل وفى بالتزاماته تجاه حلف «الناتو»، وفي الوقت نفسه لم يقطع شعرة معاوية مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، وهو سيكون حتماً جسر عبور لأي حل لقضية أوكرانيا مما ليس مضموناً مع كمال كليتشدار أوغلو. وفي القضية السورية كان إردوغان عنصراً مؤازراً للقوات الغربية الموجودة على الأراضي السورية، واستوعب أعداداً كبيرة من المهجرين مانعاً لجوأهم إلى أوروبا ولو تقاضى أثماناً كبيرة لذلك. وحافظ إردوغان على علاقة سوية مع إسرائيل، القاعدة المتقدمة في المنطقة للولايات المتحدة، ما عدا العروض المسرحية في المؤتمرات بين الحين والآخر. ولكن الميزة الكبرى لتفضيل إردوغان على سواه أنه استوعب الإسلام المتطرف في تركيا وخارجها؛ فهو الإسلامي الذي لا يمكن لأي من الأصوليين المزايدة عليه، وفي الوقت ذاته هو منفتح ومتعاون مع الغرب، وهذا أمر لا ينطبق على أوغلو الذي تقول تقارير دبلوماسية غربية إنه لو انتُخب فسيعود التطرف الديني إلى الظهور.

على كلٍ لا يزال مسؤولو الاتحاد الأوروبي يهضمون النتيجة المفاجئة للدورة الأولى للانتخابات العامة التركية يوم الأحد قبل الماضي، في حين أن عداء إردوغان تجاه الاتحاد الأوروبي وحلف «الناتو» قد أكسبه عدداً قليلاً من الأصدقاء في بروكسل. يتساءل كثيرون أيضاً عن صحة المثل الشهير: «الشيطان الأفضل هو الذي تعرفه»، بالنظر إلى أن التغيير في الحكومة يمكن أن يواجه الاتحاد الأوروبي بأسئلة صعبة ليس مستعداً تماماً للإجابة عنها.

يأمل العديد من الأتراك الليبراليين الذين يفضلون العلاقات الوثيقة مع أوروبا بمعجزة في الجولة الثانية المقرر إجراؤها في 28 مايو (أيار). لكن إردوغان يظهر في طريقه للفوز بالنظر إلى عرضه الأفضل مِن المتوقع في الجولة الأولى وتأييد سنان أوغان، المرشح الثيوقراطي اليميني المتطرف له.

كانت هذه الانتخابات، من نواحٍ كثيرة، الفرصة الأخيرة لتركيا لعكس المسار والاقتراب من الاتحاد الأوروبي - أو على الأقل تطوير شراكة قوية معه. في العقدين الماضيين، وجه إردوغان أنقرة بشكل متزايد بعيداً من أوروبا وقاد بلاده إلى طريق الشعبوية الإسلامية.

ربما أيد 45 في المائة من الناخبين الأتراك رؤية أوغلو لمستقبل أوروبي، ولكن في ديمقراطية الفائز يأخذ كل شيء، ستمثل النتيجة الرئاسية اختيار تركيا «للنظر إلى الشرق» نحو أنظمة مثل روسيا والصين.

بالنسبة إلى حلفاء أنقرة في حلف «الناتو» في أوروبا والولايات المتحدة، من الواضح تماماً أن نتيجة يوم الأحد ذاك كانت نكسة مخيبة للآمال، لأنها تعني إعادة انتخاب إردوغان المرجح أن يستمر في العمل معرقلاً داخل التحالف، حيث لا يزال يمنع محاولة السويد للانضمام، ويستمر في مقاومة الضغوط الأوروبية لدعم العقوبات الغربية ضد روسيا، والمساعدة في تسليح أوكرانيا. في الوقت نفسه، يمكن اكتشاف مسحة من الارتياح هذا الأسبوع لدى بعض كبار مسؤولي الاتحاد الأوروبي الذين اعتمدوا وجهة نظر عملية مفادها أن «الشيطان» الذي يعرفونه قد يكون أفضل من أوغلو، وهو «كيان» غير معروف.

عندما سُئِلت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين عن نتيجة الانتخابات في مؤتمر صحافي، يوم الاثنين قبل الماضي، تحدثت على نطاق واسع عن «الأخبار السارة» التي يمثلها الإقبال الكبير: أكثر من 90 في المائة، في الانتخابات، مضيفة أنها «علامة على أن الشعب التركي ملتزم بممارسة حقوقه الديمقراطية».

ولكن عندما سألها صحافي تركي عن رغبة كليتشدار أوغلو المعلنة في انضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي، تجنبت فون دير لاين السؤال، مشيرة فقط إلى أن «تركيا شريك مهم بالنسبة إلينا».

يعكس رد فون دير لاين الحبل المشدود الذي كان على مسؤولي الاتحاد الأوروبي دائماً السير عليه فيما يتعلق بمستقبل تركيا الأوروبي. في الواقع، تعرف بروكسل أن عملية انضمام تركيا، التي بدأت في عام 1999 ليس لديها سوى القليل من الدعم اليوم بين أعضاء الكتلة، ولديها فرصة ضئيلة للنجاح. كان أبطالها الأكثر حماسة هم المملكة المتحدة - التي انسحبت من الاتحاد - والولايات المتحدة، التي تخلت في الغالب عن مستقبل تركيا داخل المدار الأوروبي. لكن عرض عضوية تركيا لا يزال مفتوحاً من الناحية الفنية ولا يمكن إلغاؤه واقعياً من دون تكبد خطر الانتقام من إردوغان.

ببساطة، تركيا كبيرة جداً وفقيرة جداً وبعيدة جداً «نفسياً» عن أوروبا للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي. إذا انضمت تركيا إلى الاتحاد اليوم، فستكون أكبر عضو من حيث عدد السكان، وبالتالي ستحصل على أكبر عدد من الأصوات في مجلس الاتحاد والبرلمان الأوروبيين.

إذا كان عرض تركيا للحصول على عضوية الاتحاد الأوروبي بالفعل على أرض هشة، فإن ترشيح أوكرانيا، بدافع من الغزو الروسي، يؤكد أن عملية انضمام تركيا ستستمر في المماطلة.

من المحتمل أن يبدأ قادة الاتحاد الأوروبي مفاوضات بين كييف وبروكسل - وهي خطوة رئيسية - في ديسمبر (كانون الأول) 2023. وراء الكواليس، تنطبق مخاوف مماثلة بشأن توسيع عضوية الاتحاد الأوروبي لتشمل تركيا على أوكرانيا - أي حجمها وجغرافيتها وفقرها. ولكن مع ترشيحها لن تتحرك تركيا إلا إلى أسفل قائمة الأولويات.

وقال مسؤول أوروبي كبير هذا الأسبوع: «في مرحلة ما، سيتعين علينا توضيح أن أوكرانيا وغرب البلقان هي التوسيع الأخير. من غير المتصور أن يتمكن الاتحاد الأوروبي من استيعاب كل من تركيا وأوكرانيا».

كانت آفاق تركيا للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي دائماً بعيدة، لكن إردوغان بالتأكيد جعلها ما لا يمكن تصوره. سيمثل فوز كليتشدار أوغلو في الجولة الثانية الأمل الأخير لتركيا في الالتفات أوروبياً. إذا صوت الأتراك لإبقاء إردوغان في السلطة في 28 مايو، كما يبدو مرجحاً، فإن قصة تركيا الأوروبية تكون قد انتهت بشكل أساسي.

ويكتفي إردوغان بالاستمتاع بمقعد تركيا المميز جداً في حلف «الناتو».

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

تركيا بعد الانتخابات أطلسية بامتياز لا أوروبية بالتفاوض تركيا بعد الانتخابات أطلسية بامتياز لا أوروبية بالتفاوض



GMT 14:15 2024 الأربعاء ,15 أيار / مايو

في ذكرى النكبة..”إسرائيل تلفظ أنفاسها”!

GMT 12:08 2024 الثلاثاء ,14 أيار / مايو

مشعل الكويت وأملها

GMT 12:02 2024 الثلاثاء ,14 أيار / مايو

بقاء السوريين في لبنان... ومشروع الفتنة

GMT 11:53 2024 الثلاثاء ,14 أيار / مايو

“النطنطة” بين الموالاة والمعارضة !

GMT 11:48 2024 الثلاثاء ,14 أيار / مايو

نتنياهو و«حماس»... إدامة الصراع وتعميقه؟

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ المغرب اليوم
المغرب اليوم - المغرب يفقد 12 مركزاً في تصنيف مؤشر تنمية السياحة والسفر لعام 2024

GMT 16:56 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

مفاوضات غامضة بين محمد صلاح وليفربول وسط تصريحات مثيرة للجدل
المغرب اليوم - مفاوضات غامضة بين محمد صلاح وليفربول وسط تصريحات مثيرة للجدل

GMT 08:59 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

أطعمة ومشروبات تساعد في علاج الكبد الدهني وتعزّز صحته
المغرب اليوم - أطعمة ومشروبات تساعد في علاج الكبد الدهني وتعزّز صحته

GMT 08:25 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

اندلاع حريق ضخم في موقع لتجارب إطلاق صواريخ فضائية في اليابان
المغرب اليوم - اندلاع حريق ضخم في موقع لتجارب إطلاق صواريخ فضائية في اليابان

GMT 02:13 2018 الأربعاء ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

تمثال لدبين قطبيين يُثير ذهول عملاء مركز تسوق

GMT 07:35 2016 الأحد ,18 كانون الأول / ديسمبر

أفضل مناطق لسياحة التزلج على الجليد في أوروبا

GMT 14:22 2023 الأحد ,18 حزيران / يونيو

زلزال بقوة 3.2 درجة تضرب ولاية "مانيبور" الهندية

GMT 19:58 2020 الخميس ,09 كانون الثاني / يناير

أسماك القرش تنهش جثة لاعب كرة قدم في أستراليا

GMT 18:31 2019 الأحد ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

تشابي ألونسو يؤكد جوارديولا سبب رحيلي عن ريال مدريد

GMT 21:58 2019 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

لطيفة رأفت تلهب مواقع التواصل الاجتماعي بمظهر جذاب

GMT 19:58 2019 الأربعاء ,23 تشرين الأول / أكتوبر

دراسة تكشف عن قدرات النمل في علاج نفسه والنباتات

GMT 16:57 2019 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

تأجيل مباراة الرجاء البيضاوي ورجاء بني ملال

GMT 13:23 2019 الثلاثاء ,01 تشرين الأول / أكتوبر

لعبة SPIDER-MAN الأكثر مبيعا داخل اليابان في سبتمبر
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib