أنقذه خليل

أنقذه خليل

المغرب اليوم -

أنقذه خليل

سمير عطا الله
بقلم : سمير عطا الله

من أجمل وأعمق ما روى جرجي زيدان، مؤسس «الهلال» ومؤرخ الِسيَّر العربية، أنه أيام كان فتى يعمل في مطعم والده ببيروت، ترافق مع شلة من الشبان «القبضايات» الذين كانوا يتباهون بقوة سواعدهم واستخدام الكلمات البذيئة وحمل السكاكين، ورواية أخبار الشجار ومعارك الأيدي. وكان أكثرهم يتعاطى المسكر وجلهم بطّال بلا عمل. وفي أيام الأعياد والعطلات كانوا يخرجون جماعة من حوالي 20 فرداً يطلبون اللهو في بساتين المدينة وهضابها، وكانت يومها لا تزال براً خلاباً وحقول زيتون ومزارع.
في إحدى تلك النزهات العامة تعرّف صاحبنا على وافد جديد على الجماعة يدعى خليل. بدل أن يتحدث خليل عن براعته في الطعن على السكاكين، راح يقرأ على الفتى جرجي أشعاراً من المتنبي و(ابن) الفارض.
أعجب زيدان بالشعر من دون أن يفهم الكثير منه. وفي النزهة التالية طلب من خليل أن يشرح له معاني ما يلقي عليه. وفيما بعد، انفصل الصديقان عن رفقة الفتوّة وبطولة السكاكين والخناجر، وقرر جرجي زيدان أنه سوف يسلك الطريق إلى عالم المتنبي. وهكذا، بدأ رحلته في طلب العلم. فترك خلفه خلَّان الخناجر وزعران الأزقة وسافر إلى مصر لكي يتحول فيما بعد إلى واحد من كبار الناشرين والمؤرخين العرب.
عثرت في محض المصادفة على «عشراء صباي»، وهي من أعذب ما روى الروائي العزيز من حكاياته، وقد لحقت في صغري شيئاً من بيروت الحقول والبساتين، وأنقذني ربي من رفقة السكاكين. كانت المفاخرة بالفتوة آنذاك قد تحوّلت إلى التباهي بالبوهيمية، وفرقة الشعر النيّر، وبقي الخمول واحداً. ولم يطل ذلك الغباء الهباء كثيراً، والحمد لله. لا أذكر إن كان هناك «خليل» محدد أمسك بيدي وأنقذني من وادي الضياع والعدم.
لكنني سرعان ما خرجت، مدركاً أن الإنسان اختصر حكمة الزمان في بساطة الأمثال. ومنها، قل لي من تعاشر أقل لك من أنت. ومثل «عشراء صباي» كنت أستأجر الدراجة النارية وأسرع بها على الطرقات كأنما العالم كله يصفق لي. وكلما أتذكر ذلك الآن، أقول في نفسي مرتعداً، كيف كنت أعود حياً!..

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

أنقذه خليل أنقذه خليل



GMT 14:38 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

الحضارة بين العلم والفلسفة أو التقنية والإدارة

GMT 14:35 2024 الجمعة ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

التسمم بالرصاص وانخفاض ذكاء الطفل

GMT 17:39 2024 الخميس ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

أي تاريخ سوف يكتب؟

GMT 17:36 2024 الخميس ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

لا تَدَعوا «محور الممانعة» ينجح في منع السلام!

GMT 17:32 2024 الخميس ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

عودة ترمبية... من الباب الكبير

إطلالات الأميرة رجوة الحسين تجمع بين الرقي والعصرية

عمّان - المغرب اليوم

GMT 11:33 2024 السبت ,30 تشرين الثاني / نوفمبر

أسلوب نقش الفهد الجريء يعود بقوة لعالم الموضة
المغرب اليوم - أسلوب نقش الفهد الجريء يعود بقوة لعالم الموضة

GMT 17:27 2024 الجمعة ,29 تشرين الثاني / نوفمبر

النوم الجيد مفتاح لطول العمر والصحة الجيدة
المغرب اليوم - النوم الجيد مفتاح لطول العمر والصحة الجيدة

GMT 12:48 2020 السبت ,26 أيلول / سبتمبر

حظك اليوم برج الميزان السبت 26-9-2020

GMT 11:52 2020 السبت ,07 آذار/ مارس

تشكيل الوداد لمواجهة النجم الساحلي

GMT 04:35 2019 الثلاثاء ,15 تشرين الأول / أكتوبر

إليكم أفضل الأماكن في لبنان لهواة رياضة ركوب الشواطيء

GMT 12:34 2019 الخميس ,13 حزيران / يونيو

موزيلا ستطرح نسخة مدفوعة من فايرفوكس

GMT 01:29 2019 الثلاثاء ,23 إبريل / نيسان

10 صنادل مميّزة تكمل أناقة الرجل العصري في 2019

GMT 19:33 2019 الجمعة ,19 إبريل / نيسان

بايرن ميونخ يفقد أحد أسلحته أمام بريمن
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib