التاريخ كابوس مستطرد

التاريخ كابوس مستطرد

المغرب اليوم -

التاريخ كابوس مستطرد

سمير عطا الله
بقلم : سمير عطا الله

عندما قرأت عن وفاة الكاتب البريطاني مارتن إيميس (1949 – 2023) قمت إلى مكتبتي أبحث ماذا فيها من أعماله. عثرت على واحد هو «كوبا المرعب»، و«كوبا» هو الاسم الذي حمله ستالين يوم كان طالباً في المدرسة الرهبانية التي أصبح ألدَّ أعدائها. أخذت أقرأ الكتاب مرة أخرى، فتبين لي من الملاحظات التي دونتها على هامش صفحاته، أنني كتبت عنه أوان صدوره العام 2002.

ها أنا أقرأ من جديد عملاً قرأته قبل عقدين، ونسيت تماماً ماذا قرأت، وماذا كتبت. لكن ها أنا أقرأ، وكأنها المرة الأولى عن أشياء أفقت وأنا أقرأ عنها. وأكتب. مثل ملايين البشر. كان كنغزلي إيميس، والد مارتن، صحافياً شيوعياً قبل أن يتغير، ونشأ مارتن يسارياً، ثم معادياً. أو عدواً. «كوبا المرعب» ليس عن ستالين. ليس عن ستالين وحده. عن لينين وعن خصومه، وعن ستالين وأعدائه وضحاياه، وعن عدوه الأول، وأشهر مقتوليه ليون تروتسكتي، الذي لو عاش لكان أشد قتلاً. وعن وثائق الحزب، وعن رسائل ماكسيم غوركي، وعن إصابة لينين بجلطة منعته من لفظ الكلمات إلّا نصفها، لكن فقط الرفاقية منها، وعن قول ستالين إن الكتّاب هم كنز الأمة، وقول لينين إن الكتّاب هم (...) الأمة.

يمتع إيميس بأسلوب جرار، ولا فكاك. يسرع بك قبل أن تقرر، هل تكمل هذه الرحلة في التاريخ البشري، أو كفاك من هذا التاريخ البشري الذي وصفه جيمس جويس بأنه كابوس مطّرد.

لعبة إيميس أنه يأخذ المصادر نفسها، لكنه ينتقي منها ما لم يره سواه. ويجمع الحقائق بأسلوبه الروائي والسينمائي، بحيث يدفعك إلى استباق أحداث هذا الشريط الذي لا نهاية له. ولكن هل تستحق الحياة أن نقرأ دائماً في كابوس؟ هل ستالين هو مصدر الدراما الوحيد، أو القياصرة قبله، أو الثورة الفرنسية، أو الدراما اليونانية؟

شعرت أنني أريد التوقف عن القراءة. والحقيقة أنني لم أكن أقرأ إيميس في التاريخ، بل في تاريخنا أيضاً. في ما تعلَّم بعضنا من همجيات الغرب والشرق. لم نتعلمها من شعوب قاسية ومتخلفة، بل من شعوب «متقدمة». لم أجد سبباً لقراءة المزيد مما أمضينا العمر نقرأ عنه. أوروبا شرقية وأوروبا غربية. وسلب ونهب واحتلالات. لكن ميزة ستالين وتلامذته أنه تخصص في قتل شعبه ورفاقه. وكان يعذبهم بما لا يقرأ ولا يكتب. والعودة إلى «كوبا المرعب» ندم وكابوس.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

التاريخ كابوس مستطرد التاريخ كابوس مستطرد



GMT 14:38 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

الحضارة بين العلم والفلسفة أو التقنية والإدارة

GMT 14:35 2024 الجمعة ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

التسمم بالرصاص وانخفاض ذكاء الطفل

GMT 17:39 2024 الخميس ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

أي تاريخ سوف يكتب؟

GMT 17:36 2024 الخميس ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

لا تَدَعوا «محور الممانعة» ينجح في منع السلام!

GMT 17:32 2024 الخميس ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

عودة ترمبية... من الباب الكبير

إطلالات الأميرة رجوة الحسين تجمع بين الرقي والعصرية

عمّان - المغرب اليوم

GMT 11:33 2024 السبت ,30 تشرين الثاني / نوفمبر

أسلوب نقش الفهد الجريء يعود بقوة لعالم الموضة
المغرب اليوم - أسلوب نقش الفهد الجريء يعود بقوة لعالم الموضة

GMT 17:27 2024 الجمعة ,29 تشرين الثاني / نوفمبر

النوم الجيد مفتاح لطول العمر والصحة الجيدة
المغرب اليوم - النوم الجيد مفتاح لطول العمر والصحة الجيدة

GMT 13:12 2020 السبت ,26 أيلول / سبتمبر

حظك اليوم برج الحوت السبت 26-9-2020

GMT 13:22 2021 الأحد ,19 أيلول / سبتمبر

نادي شباب الريف الحسيمي يواجه شبح الانقراض

GMT 06:23 2023 السبت ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

توقعات الأبراج اليوم السبت 11 نوفمبر/ تشرين الثاني 2023

GMT 11:08 2023 الجمعة ,08 أيلول / سبتمبر

بلينكن يشيد بـ«الصمود الاستثنائي» للأوكرانيين
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib