عراقية حي الجميزة

عراقية حي الجميزة

المغرب اليوم -

عراقية حي الجميزة

سمير عطاالله
سمير عطاالله

قبل نحو العام كنت ماراً على الرصيف في حي «الجميزة» عندما توقفت أسأل سيدة عن العنوان الذي أبحث عنه. لا بد أنها تعرفه. فهي تقيم مطعماً صغيراً على الرصيف وتحضّر الطعام البسيط من فطائر وغيرها أمام الناس. وعندما طرحت السؤال قالت ضاحكة: يجب أن تتذوق فطائري أولاً. قلت: أنا ذاهب إلى الغداء. قالت: أفضل بداية لوجبة الظهر هي الفطائر، خصوصاً إذا كانت من صنعي.

لاحظت أن لهجتها عراقية، فاعتقدت أنها لبنانية كانت في العراق. لا. إنها عراقية «مثل دجلة والفرات». وأكملت قصتها بأنها من سكان لندن وقد تباطأت بها الأحوال هناك، فانتقلت مع عائلتها إلى بيروت، وهنا استأجرت هذا المحل الصغير (جداً) في داخله تبيع الثياب الرخيصة للسياح، وعلى بابه «مطبخ» خفيف للمارة.

تحدثنا عن لندن باعتبارنا مُقيمين سابقين وبنا حنين إليها. وعن بغداد. وعن أملها الجديد ببيروت. ووصفت اللبنانيين بدقة وكيف يحتضنونها كغريبة وكيف يبذرون أموالهم في الهواء، ثم عادت تلح عليّ: تذوق فطائري. وكررت الاعتذار. ثم تنبهتُ أن علي واجباً في غربة «الجميزة» وأن كل «غريب للغريب نسيب»، فطلبت كمية فطائر أحملها معي إلى المنزل، وقطعت على نفسي عهداً للسيدة العراقية، بأن أعود كلما استطعت للمزيد من الفطائر.

كنت صادقاً في وعدي. وقد شعرت بتقدير حقيقي لهذه السيدة المجتهدة التي تدور مع الأيام بدل أن تستسلم لفشل أو خيبة. ولم تبرح صورتها وقصتها وشجاعتها ولهجتها العراقية (تتدلل عيني) ذاكرتي. لكن الوقت لم يسمح لي ثانية بالمرور بالعراقية التي اختارت منافسة اللبنانيين في قلب الجميزة، حيث يطغى الحديث بين الناس باللغة الفرنسية، وترتدي النساء ثياباً اختصرت قماشها، لأسباب لا علاقة لها بالتوفير. ومع ذلك وقفت في مدخل محل صغير، شجاعة، باشة، متفائلة بفصل جديد من الحياة، يكون أكثر كرماً من لندن وأكثر أمناً من بغداد.

شعرت بقلق شديد وخوف وحزن، عندما شاهدت ما حدث لمنطقة الجميزة. ترى ماذا حل بالغريبة في ذلك الحي الذي أصبح جميع سكانه غرباء. ماذا حدث لمحلها الصغير الذي قسمته إلى قسمين، ثياب وفطائر؟ هل احتضنها جيرانها وهم غارقون في ركامهم ودمائهم وبرك الزجاج المتناثر؟

شعرت بعقدة ذنب شديدة لأنني لم أستطع أن أفي بوعدي للعراقية التي اختارت حي السمر في الجميزة مكاناً لعملها. اطمأنت إلى أنها منطقة هادئة يبحث فيها الناس عن الحياة.
لا أدري ماذا حل بصديقة الفطائر الطيبة. حيثما كانت أتمنى لها هدوء الأرض وسعادة السماء.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

عراقية حي الجميزة عراقية حي الجميزة



GMT 19:37 2024 الأحد ,01 كانون الأول / ديسمبر

وانفقأ دُمّل إدلب

GMT 14:38 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

الحضارة بين العلم والفلسفة أو التقنية والإدارة

GMT 14:35 2024 الجمعة ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

التسمم بالرصاص وانخفاض ذكاء الطفل

GMT 17:39 2024 الخميس ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

أي تاريخ سوف يكتب؟

GMT 17:36 2024 الخميس ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

لا تَدَعوا «محور الممانعة» ينجح في منع السلام!

إطلالات الأميرة رجوة الحسين تجمع بين الرقي والعصرية

عمّان - المغرب اليوم

GMT 08:35 2024 الثلاثاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

غضب صلاح من بطء مفاوضات ليفربول واهتمام من باريس سان جيرمان
المغرب اليوم - غضب صلاح من بطء مفاوضات ليفربول واهتمام من باريس سان جيرمان

GMT 08:27 2024 الثلاثاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

نصائح قبل شراء طاولة القهوة لغرفة المعيشة
المغرب اليوم - نصائح قبل شراء طاولة القهوة لغرفة المعيشة

GMT 16:38 2016 الجمعة ,23 كانون الأول / ديسمبر

إضافة 408 هكتارات من الحدائق والمساحات الخضراء في بكين

GMT 10:48 2019 السبت ,30 تشرين الثاني / نوفمبر

جنون الريمونتادا

GMT 12:35 2019 الثلاثاء ,16 إبريل / نيسان

امرأة تعقد عقد جلسة خمرية داخل منزلها في المنستير

GMT 04:14 2019 الخميس ,31 كانون الثاني / يناير

ارتفاع سعر الدرهم المغربي مقابل الريال السعودي الخميس

GMT 10:06 2019 الثلاثاء ,29 كانون الثاني / يناير

الطاعون يلتهم آلاف المواشي في الجزائر وينتشر في 28 ولاية

GMT 03:21 2019 الجمعة ,25 كانون الثاني / يناير

إعادة افتتاح مقبرة توت عنخ آمون في وادي الملوك

GMT 10:21 2019 السبت ,12 كانون الثاني / يناير

فضيحة جنسية وراء انفصال جيف بيزوس عن زوجته

GMT 09:04 2018 الأربعاء ,12 كانون الأول / ديسمبر

والدة "راقي بركان" تنفي علمها بممارسة نجلها للرقية الشرعية

GMT 05:06 2018 الإثنين ,10 كانون الأول / ديسمبر

جمهور "الجيش الملكي" يُهاجم مُدرّب الحراس مصطفى الشاذلي

GMT 06:44 2018 الخميس ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

"Il Falconiere" أحد أجمل وأفضل الفنادق في توسكانا

GMT 00:44 2018 الخميس ,25 تشرين الأول / أكتوبر

اكتشف قائمة أفخم الفنادق في جزيرة ميكونوس اليونانية
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib