أميركا 2024 انتخابات إنهاء كذبة «الناخب المتردّد»

أميركا 2024: انتخابات إنهاء كذبة «الناخب المتردّد»

المغرب اليوم -

أميركا 2024 انتخابات إنهاء كذبة «الناخب المتردّد»

إياد أبو شقرا
بقلم : إياد أبو شقرا

انتهى بالأمس المؤتمر الوطني للحزب الديمقراطي الأميركي، وكانَ المؤتمر الوطني الجمهوري قد عُقد واختتم قبل أسابيع.


بالنسبة لكثرة من المتابعين، خلا المؤتمران من المفاجآت، لا سيما، بعدما انطلق مؤتمر الديمقراطيين في أعقاب انسحاب مرشحهم الرئاسي الرئيس جو بايدن وتجيير السواد الأعظم من مندوبيه أصواتهم لنائبة الرئيس كامالا هاريس. وفعلاً، جاءت المناسبة تتويجاً وتبنّياً لهاريس في المعركة الحاسمة ضد الرئيس السابق دونالد ترمب مرشح الجمهوريين مطلع نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل.

أحسب أنَّ أي تحليل منطقي لما أفضى إليه المؤتمران سيخرج بحصيلة واحدة هي أنه لم يسبق للناخب الأميركي أن وجد نفسه أمام خيارين على طرفي نقيض كما يجد اليوم.

ليس ثمة اليوم ما هو أوضح من التناقض المُطلق بين الحزبين والمرشحَين والبرنامجَين والمبادئ العامة والثقافة السياسية والمعايير الأخلاقية، بدءاً من خُطب الشخصيات الحزبية فوق منبري المؤتمرين... وانتهاء بـ«مواقف» مناصري الحزبين على وسائل التواصل الاجتماعي.

هذا الواقع وحده يجب أن يقضي على كذبة «الناخب المتردّد».

بل، لئن كان هناك فعلياً ناخب ما زال محتاراً أو متردّداً، على الرغم من كل ما سمعه ورآه في ميلووكي وشيكاغو، فهو بكل صراحة لا يستحق إطلاقاً شرف التمتّع بحق التصويت في عملية انتخاب أقوى زعيم في العالم!

على امتداد مشوار العمر، تعلّمت شخصياً الكثير عن المحطّات التاريخية الفاصلة التي أعادت تعريف «هويتي» الحزبين الأميركيين الكبيرين... الحزب الجمهوري والحزب الديمقراطي.

تعلّمت عن قاعدة الديمقراطيين الريفية، وخصوصاً في ولايات الجنوب، حيث «حزام القطن» و«حزام التبغ»، وما كانت تحتاج إليه الملكيات الزراعية الكبيرة من أيد عاملة فلاحية رخيصة وفّرها لها الرِّقّ عبر العبيد المجلوبين من أفريقيا. وعلى الطرف الآخر، كانت الثورات الصناعية والمالية والعلمية في مدن الشمال، والشمال الشرقي، تُفرز قيادة جمهورية تلو قيادة، ونخبة تلو نخبة، وسط إيمان الجمهوريين شبه المطلق بالمصلحة الوطنية في دولة «قوية المركز».

تلك الـ«أميركا» عاشت محطات مصيرية بدّلت تعريف الهويّات السياسية. وبدأت عملياً مع «الحرب الأهلية» (1861 - 1865) التي خاضتها الدولة الاتحادية (الفيدرالية) تحت رئاسة رئيس «جمهوري»، هو أبراهام لنكولن، ضد ولايات الجنوب المتمردة المدافعة عن استمرار الرِّقّ... بحجة «حقوق الولايات» داخل كيان اتحادي، التي كانت حجة «ديمقراطيي» الجنوب للانفصال.

بالسلاح والدم، ترجمت تلك الحرب اختلاف مفهومَي «قوة المركز وشرعيته» الذي كان مبدأ للجمهوريين، و«حقوق الولايات» الذي كان أولوية للديمقراطيين. ومن ثم، بعد هزيمة التمرّد الانفصالي الجنوبي الذي قاده الديمقراطيون المحافظون... تلاشى حضور الجمهوريين في الولايات الجنوبية حتى منتصف القرن العشرين.

خلال تلك الحقبة وقعت الحربان العالميتان الأولى والثانية، وشهدت أميركا «الكساد الكبير» (1929 - 1939) الذي حفّز «الصفقة الجديدة» مبلوِرةً نهجاً اقتصادياً جديداً شمل «تدخّل الدولة» الجزئي في الاقتصاد. ومع هذه «الصفقة»، وبعد احتدام «الحرب الباردة» في عقد الخمسينات، وتفجّر «حركة الحقوق المدنية» مطلع عقد الستينات، أعيد الفرز الجغرافي - السياسي والآيديولوجي بين الحزبين.

وشيئاً فشيئاً، تلاشى «محافظو» الجنوب الديمقراطيون بعدما صار الحزب الديمقراطي حزباً «ليبرالياً وسطياً» مناوئاً للعنصرية يتمتع بغالبية كبيرة بين الأقليات والملوّنين، وجلّ قوته في المدن، ولا سيما، في الشمال والغرب.

وفي المقابل، لم يعُد الحزب الجمهوري واقعياً «حزب لنكولن»، وذلك بعد انحسار حضور «الليبراليين» الجمهوريين في ولايات الشمال - باستثناء الأرياف و«حزام الصدأ» (حيث بطالة العمالة اليدوية غير الماهرة) - وتحوُّل الحزب إلى ركيزة «اليمين المسيحي الأبيض» المحافظ اقتصادياً واجتماعياً وعرقياً ودينياً... ما أهّله للهيمنة على ولايات الجنوب.

مؤتمرا الحزبين في ميلووكي وشيكاغو أكّدا هذا الواقع بصورة لا تقبل الشك. ومع اتهام دونالد ترمب غريمته الديمقراطية بأنها «شيوعية» خطيرة، بينما يتغيّب عن المؤتمر الجمهوري 40 من أصل 44 من أركان إدارة ترمب السابقة بينهم نائبه السابق مايك بنس... تتجلّى صورة التناقض السياسي متكاملة أمام الناخب.

نعم، ما عاد هناك أي لَبس... وطبعاً لا مبرّر اليوم للحيرة والتردّد.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

أميركا 2024 انتخابات إنهاء كذبة «الناخب المتردّد» أميركا 2024 انتخابات إنهاء كذبة «الناخب المتردّد»



GMT 14:38 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

الحضارة بين العلم والفلسفة أو التقنية والإدارة

GMT 14:35 2024 الجمعة ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

التسمم بالرصاص وانخفاض ذكاء الطفل

GMT 17:39 2024 الخميس ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

أي تاريخ سوف يكتب؟

GMT 17:36 2024 الخميس ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

لا تَدَعوا «محور الممانعة» ينجح في منع السلام!

GMT 17:32 2024 الخميس ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

عودة ترمبية... من الباب الكبير

إطلالات الأميرة رجوة الحسين تجمع بين الرقي والعصرية

عمّان - المغرب اليوم

GMT 00:54 2024 الجمعة ,29 تشرين الثاني / نوفمبر

روحي فتوح لتولّي رئاسة السلطة الفسطينية حال شغور المنصب
المغرب اليوم - روحي فتوح لتولّي رئاسة السلطة الفسطينية حال شغور المنصب

GMT 22:21 2024 الخميس ,28 تشرين الثاني / نوفمبر

ترامب يناقش إبعاد بعض وسائل الإعلام من البيت الأبيض مع نجله
المغرب اليوم - ترامب يناقش إبعاد بعض وسائل الإعلام من البيت الأبيض مع نجله

GMT 18:29 2024 الجمعة ,29 تشرين الثاني / نوفمبر

أخنوش يتباحث مع الوزير الأول لساو تومي
المغرب اليوم - أخنوش يتباحث مع الوزير الأول لساو تومي

GMT 17:27 2024 الجمعة ,29 تشرين الثاني / نوفمبر

النوم الجيد مفتاح لطول العمر والصحة الجيدة
المغرب اليوم - النوم الجيد مفتاح لطول العمر والصحة الجيدة

GMT 13:12 2020 السبت ,26 أيلول / سبتمبر

حظك اليوم برج الحوت السبت 26-9-2020

GMT 13:22 2021 الأحد ,19 أيلول / سبتمبر

نادي شباب الريف الحسيمي يواجه شبح الانقراض

GMT 06:23 2023 السبت ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

توقعات الأبراج اليوم السبت 11 نوفمبر/ تشرين الثاني 2023

GMT 11:08 2023 الجمعة ,08 أيلول / سبتمبر

بلينكن يشيد بـ«الصمود الاستثنائي» للأوكرانيين
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib