لبنان  العائد إلى واقع ما قبل 2005

لبنان ... العائد إلى واقع ما قبل 2005

المغرب اليوم -

لبنان  العائد إلى واقع ما قبل 2005

بقلم : إياد أبو شقرا

أزعم أنَّ التطورات السياسية الأخيرة في لبنان لا يمكن أنْ تفاجئ المطلعين على خفايا الوضع اللبناني والملابسات التي سبقت التشكيلة الوزارية الحالية، وتحكم اليوم توجّهاتها واستهدافاتها ومعاركها المستترة والمكشوفة.
التشكيلة - ولا أقول الحكومة، لأنَّ الحكومات تحكم - اتُفق عليها عند تقاطع مفصلي في تاريخ لبنان المعاصر هو انتفاضة أكتوبر (تشرين الأول) ضد الفقر والجوع، وبالتالي، ضد الدولة والنظام بلا استثناء، وهو ما عبّر عنه تعبير «كلّن يعني كلّن، أي كلهم يعني كلهم».
يومذاك، تجاهل طيّبو النيات من المُنتفضين، عمداً أو سهواً، هويّة الجهات التي تمسك فعلياً بمفاصل الدولة والنظام. ما شاءوا يومذاك أن يسمّوا الأشياء بأسمائها الحقيقية، ربما للحفاظ على وحدة التحرّك واستمرار زخمه عبر تنزيهه عن أي حزب أو قوة معينة.
في ذلك الجو، قرّر سعد الحريري، رئيس الحكومة يومذاك، التجاوب مع المطلب الشعبي بالتغيير بادئاً باستقالة حكومته... التي هي «حكومة ائتلافية» ما كان فيها الحريري الطرف الأقوى.
ومن ثم، بدلاً، من أن تأتي استقالة الحكومة فاتحة تغيير جدّي ذي معنى، اعتبرها حكّام لبنان الحقيقيون فرصة ذهبية للتخلص من صيغة ائتلافية تجاوزها الزمن، وسقطت فعلياً بنتيجة اختلال ميزان القوى، ومن ثَم، بناء سلطة جديدة تبدأ من الانتقام وتصفية الحسابات واستعادة سلطة ما قبل 2005. هذا يعني عودة حكم جهاز الأمن السوري اللبناني السابق، ولكن هذه المرة بقوة حزب الله الأمنية والمسلحة مع واجهته «الميثاقية» المسيحية التي هي... التيار الوطني الحر.
لقد كان مشروع إيران في لبنان، ممثلاً بحزب الله، ولا يزال، وضع اليد على لبنان، وضمّه إلى كتلة نفوذ طهران في الشرق الأوسط. في المقابل، كان مشروع مؤسّس التيار الوطني الحر، الجنرال ميشال عون، الوصول إلى رئاسة الجمهورية بأي ثمن.
مشروع إيران أسهمت في تحقيقه الولايات المتحدة، بقصد أو من دون قصد، وبمباركة إسرائيلية - أيضاً بقصد أو من دون قصد - منذ 2003، مع غزو العراق وتسليم الحكم لإيران وأتباعها. هذا المشروع استراتيجي طويل الأمد وواسع الجغرافيا، إذ إنه يمتد عبر العراق وسوريا إلى لبنان وغزة... بل، ويصل إلى اليمن وبعض مناطق الخليج. والمؤسف حقاً أنه، على الرغم من تمثيله فصولاً، ما زالت القوى الغربية التي تدّعي الحرص على الشرق الأوسط ومناوأة التشدّد والتوسع الإيرانيين تتعامل معه «بالقطعة» بدل التعامل معه كمشروع متكامل.
مشروع عون، طبعاً، أقل طموحاً، وإن كان لدوافع شخصية واستنسابية يستحضر في فكره السياسي «المسألة الشرقية» و«المسيحية المشرقية» عبر «تحالف أقليات» ضد البحر السنّي المتلاطم. من هنا انطلق «مشروع» عون بسلسلة خيارات مفتوحة تصبّ كلها باتجاه الوصول إلى الحكم.
وكانت الخيارات الأبرز، ما يلي:
أولاً، احتكار التمثيل المسيحي وتهميش أي منافس على الساحة والعمل على إلغائه. وفي هذا السياق، لم يكتفِ التيار العوني بمواجهة الأحزاب المسيحية، بل زايد على البطريركية المارونية نفسها في رفض «اتفاق الطائف» بحجة أنه يضعف نفوذ المسيحيين.
ثانياً، لبنانياً، لا سيما بعد «الطائف»، أدرك عون أن تياره بمفرده أضعف من أن «يستعيد حقوق المسيحيين» من المسلمين السنّة، الذين يعتبرهم أكبر المستفيدين من ذلك الاتفاق. ولذا، اختار الاستقواء بالقوة الشيعية كي تحقق له ما هو عاجزٌ عن تحقيقه بنفسه. ومعلومٌ، أن حزب الله لا يقل عداءً لـ«السنّية السياسية» عن عون وتياره، كما تأكد من قتاله في سوريا. وهكذا تحالف الجانبان ضد ما يعتبرانه خصماً مشتركاً.
ثالثاً، إقليمياً، ما كان عند عون، وليس عند تياره، أي إشكالية في المناورة إقليمياً والوقوف مع قوى تبدو ظاهرياً معادية إحداها للأخرى. فعلاقاته مع الرئيس العراقي السابق صدام حسين كانت لفترة ما ممتازة. كذلك كانت العلاقات تمرّ بفترات طيبة لفترات مع نظام آل الأسد في سوريا في عهدي الأب والابن، وهي كذلك اليوم. بل حتى في الموضوع الإسرائيلي، لا التيار العوني أنكر تعاطفه مع أوضاع المتعاونين مع إسرائيل، ولا حزب الله اعترض على تكريم التيار الضابط (القيادي فيه) فايز كرم بعد إدانته بالتعامل مع إسرائيل، بل إنه سبق للحزب أن وصف عون بأنه «حالة إسرائيلية»!
بالنتيجة، عقد حزب الله وتيار عون تحالفهما تحت اسم «تفاهم مار مخايل» في فبراير (شباط) 2006، ومن ذلك الحين رسم الفريقان ملامح المرحلة الكارثية التي بلغها لبنان اليوم.
التيار غطّى مسيحياً «حرب» حزب الله 2006 التي انتهت بتدمير إسرائيلي واسع في لبنان، وتحويل الحزب سلاحه إلى الداخل اللبناني بعيداً عن إسرائيل. ثم كرّر تغطيته إياه عندما قرّر تعطيل الحياة السياسية وصولاً إلى «اتفاق الدوحة» عام 2008 الذي قصد منه أن يحلّ محل «اتفاق الطائف». ثم أسقطا معاً حكومة سعد الحريري في مطلع 2011. ومنذ اندلاع الثورة السورية في مارس (آذار) 2011 وقف عون وتياره مع حزب الله كلياً، وفي المقابل، شدّد الحزب في كل مناسبة على أن عون هو مرشحه لرئاسة الجمهورية.
بحلول 2016 تأكد أن تفاهم الرئيس الأميركي - في حينه - باراك أوباما مع إيران أكثر من مركزي في سياساته. وهذا أمر سهّل كثيراً فيما بعد انتخاب عون رئيساً، لا سيما بعد سحب خصومه المسيحيين اعتراضهم عليه، فاضطر قادة السنّة والدروز للقبول بما بدا أنه إجماعٌ مسيحي.
هذا «الانتصار» العوني، كان في التفاصيل وتقاسم المغانم والتعيينات. غير أنه من الناحية الاستراتيجية البعيدة المدى جاء ليسلّم حزب الله - وبالتالي، إيران - مقدّرات لبنان بالكامل.
قد يتلهّى فريق عون اليوم بتصفية حساباته مع قادة السنّة والدروز والخصوم المسيحيين الذين يصرّ على إلغائهم. لكن حقائق الديموغرافية والاقتصاد والنفوذ والسلاح والأمن في مكان آخر.
قد يتلذّذ فريق عون اليوم بالانتقام من خصومه عن طريق فرض محاسيبه وأتباعه في مناصب الدولة، أو إشهار سيف مكافحة الفساد لابتزازهم بينما يدّعي العفة، لكن الحقيقة أن لا سحابة السلطة له، ولا مطرها سيهطل على أرضه.
يكفي لبنان اليوم محنة وباء «كورونا» والمعاناة الاقتصادية، فلا حاجة له بطاعونٍ ثالث يقضي على ما تبقى من سلمٍ أهلي.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

لبنان  العائد إلى واقع ما قبل 2005 لبنان  العائد إلى واقع ما قبل 2005



إطلالات الأميرة رجوة الحسين تجمع بين الرقي والعصرية

عمّان - المغرب اليوم

GMT 18:29 2024 الجمعة ,29 تشرين الثاني / نوفمبر

أخنوش يتباحث مع الوزير الأول لساو تومي
المغرب اليوم - أخنوش يتباحث مع الوزير الأول لساو تومي

GMT 13:12 2020 السبت ,26 أيلول / سبتمبر

حظك اليوم برج الحوت السبت 26-9-2020

GMT 13:22 2021 الأحد ,19 أيلول / سبتمبر

نادي شباب الريف الحسيمي يواجه شبح الانقراض

GMT 06:23 2023 السبت ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

توقعات الأبراج اليوم السبت 11 نوفمبر/ تشرين الثاني 2023
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib