مفهوما الوطن والغنيمة في ليبيا

مفهوما الوطن والغنيمة في ليبيا

المغرب اليوم -

مفهوما الوطن والغنيمة في ليبيا

جبريل العبيدي
بقلم : جبريل العبيدي

في ليبيا المنكوبة بالفوضى والنهب، وجماعات تنازع أهلها حق الوطن والسيادة عليه، جماعات الإسلام السياسي المحلية والمستقوية بالوافدة، والتي لا تعترف بمفهوم الوطن وبجغرافيا محددة تعارف عليها الآباء والأجداد، بل تؤمن بجغرافيا المرشد، ومفهوم الغنيمة (نهب البلاد وثرواتها) ونقلها لما وراء الحدود. المفهومان المسيطران على أبجديات الإسلام السياسي، خصوصاً جماعة الإخوان الضالة.

فالوطن ليس حكراً على فئة أو جماعة، تختزله وتصادره أو حتى تخصخصه لصالحها، فهو ليس عقاراً، أو كيكة يسعى البعض للاستحواذ عليها دون الآخرين، بل هو أساس الحياة، ولكن قد نجده ثانياً، والجماعة أولاً، من خلال رؤية خيالية، قد تعزز الانغلاق، وقد لا تمثل 1 في المائة من رؤية الشعب، مما جعل حسابات الجماعة تعتلي على مصلحة الوطن العليا، فيصبح لمجرد مناكفة الجماعة المضاد التضحية بمصلحة الوطن وسلمه الاجتماعي، لمجرد إقصاء الخصم السياسي من أي حوار أو مشروع أو قانون. فهناك من يفصل الوطن، على مقاس جماعته وأعضائه، وقد يسعى لخصخصته، وهذا بسبب توارث مفاهيم خاطئة، عن الوطن والمواطنة والمصلحة الوطنية، نتيجة تردي الفكر والخطاب السياسي وفشل النخبة، وتكريس ثقافة الحزب والولاءات، وبروز مفاهيم غير التي تخدم المصلحة الوطنية، في حين أن الوطن هو أساس الحياة لأي مواطن، ممَّا يجعلنا نبحث عن تعريف جديد للوطن، أمام هذا الولاء والشيفونية الحزبية، والولاء للحزب أو الجماعة على حساب الوطن.

الولاء للجماعة أو الحزب، أصبح الغالب عند هؤلاء، لدرجة تكفير المعارضين لهم، فهناك مَن انتخبه الناس مستقلاً عن أي انتماء حزبي أو فئوي أو جماعي، ولكن ما أن تسلل تحت قبة «البرلمان» حتى خلع عباءة الاستقلال، ليلتحف ويختبئ تحت جلباب الحزب، في خرق لأي شرف أخلاقي يحترم ناخبيه.

هؤلاء المتلونون لا يسعون إلى تحقيق التعايش، والعيش بوصفهم شركاء في الوطن، بخداعهم هذا، إنما يطالبون بحقوق منفردة ومنعزلة، ويشككون في الانتماء للوطن عند الآخر، رغم أن الأصل في اختلاف الرأي وتباين الرؤى، يعتبر مناخاً ديمقراطياً صحياً، في ظل مصلحة الوطن، لا الفئة أو الحزب أو الجماعة.

للخروج من هذا النفق الضيق الخانق، هناك اشتراطات وطنية، على رأسها التحرر من العباءة الحزبية أو الفئوية، في التعاطي مع الاستحقاقات الوطنية العامة، بكتابة العقد الاجتماعي الدستور والإبقاء على التنافس الحزبي، في إطار الشأن السياسي المتعارف عليه بعيداً عن أي خصومة، في أي من الاستحقاقات الوطنية، فالمواطنون يعيشون في الوطن بوصفهم مواطنين، لا سياسيين. والتعايش ضمن وطن خالص لمواطنيه، من دون استثناء أو انتقاء، تسوده سياسة التنمية والحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان، والمجتمع المدني الديمقراطي، وروح التآخي والتعايش بين الجميع فوق أرض الوطن، هو ما ننشد.

الليبيون اليوم في حاجة للتوافق على دستور، ينطلق من المبادئ الحاكمة لدستور الاتحاد عام 1951، الذي وحّد ليبيا بجميع مكوناتها التاريخية.

ليبيا في حاجة لمشروع وطني يخرجها من حالة إنتاج الفوضى بمسمى «الثورة والثوار»، ويخلصها من مخاضها العسير إلى الدولة بمفهوم الديمقراطية، التي تؤمن بحق المواطنة كاملاً لجميع الليبيين من دون إقصاء، ومن دون تعميم وتوريث الجرم، بسياسة العقاب الجماعي، فالجرم لا يُورّث في الدولة المدنية.

ليبيا اليوم بين التناطح الحزبي والفئوي وحتى القبلي، بعد أن تم إغراقها سابقاً في مستنقع الخلافات الآيديولوجية والعقدية، عبر جماعات الإسلام السياسي من «إخوان» و«قاعدة» و«داعش»، وجميعها بينها ما صنع الحداد، وإن استطاع الجيش الليبي تخليص البلاد منها، فإن الهمَّ السياسي وخلاف السياسيين وابتعادهم عن همّ الوطن والمواطن جعلت ليبيا مجرد غنيمة لهم، لا وطن نعيش وننتمي إليه نحن الشعب المغلوب على أمره، والمطحون تارة بين الجماعات الإرهابية، وتارة الحكومات المتنازعة والسياسيين.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

مفهوما الوطن والغنيمة في ليبيا مفهوما الوطن والغنيمة في ليبيا



GMT 14:38 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

الحضارة بين العلم والفلسفة أو التقنية والإدارة

GMT 14:35 2024 الجمعة ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

التسمم بالرصاص وانخفاض ذكاء الطفل

GMT 17:39 2024 الخميس ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

أي تاريخ سوف يكتب؟

GMT 17:36 2024 الخميس ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

لا تَدَعوا «محور الممانعة» ينجح في منع السلام!

GMT 17:32 2024 الخميس ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

عودة ترمبية... من الباب الكبير

إطلالات الأميرة رجوة الحسين تجمع بين الرقي والعصرية

عمّان - المغرب اليوم

GMT 18:29 2024 الجمعة ,29 تشرين الثاني / نوفمبر

أخنوش يتباحث مع الوزير الأول لساو تومي
المغرب اليوم - أخنوش يتباحث مع الوزير الأول لساو تومي

GMT 17:27 2024 الجمعة ,29 تشرين الثاني / نوفمبر

النوم الجيد مفتاح لطول العمر والصحة الجيدة
المغرب اليوم - النوم الجيد مفتاح لطول العمر والصحة الجيدة

GMT 13:12 2020 السبت ,26 أيلول / سبتمبر

حظك اليوم برج الحوت السبت 26-9-2020

GMT 13:22 2021 الأحد ,19 أيلول / سبتمبر

نادي شباب الريف الحسيمي يواجه شبح الانقراض

GMT 06:23 2023 السبت ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

توقعات الأبراج اليوم السبت 11 نوفمبر/ تشرين الثاني 2023

GMT 11:08 2023 الجمعة ,08 أيلول / سبتمبر

بلينكن يشيد بـ«الصمود الاستثنائي» للأوكرانيين
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib