«ريش» في الجونة

«ريش» في الجونة

المغرب اليوم -

«ريش» في الجونة

إنعام كجه جي
بقلم : إنعام كجه جي

مع فوزه بجائزة أفضل فيلم عربي في مهرجان «الجونة» السينمائي، قبل يومين، تسربت نسخة من فيلم «ريش» للمخرج عمر الزهيري، إلى مواقع التواصل الاجتماعي. لم يعد هذا الشريط حبيس المهرجانات ومجالاً للتخمينات والمزايدات وضرب الأخماس بالأسداس. ها هو مطروح في الهواتف قبل نزوله إلى الصالات. يمكن لأي كان أن يشاهده ويميز الخيط الأسود من الأبيض.
لماذا كل هذه الضجة حول فيلم لشاب مصري لم يسمع الجمهور باسمه؟ فيلم ليس فيه ممثل واحد معروف؟ فيلم بميزانية بسيطة نسبياً، يخلو من العناصر التقليدية للإبهار في السينما العربية حتى العالمية؟ من المؤكد أن ما أثار الاهتمام بـ«ريش» هو فوزه بالجائزة الكبرى لأسبوع النقاد في مهرجان «كان» الفرنسي. تقدير لم يحصل عليه عربي من قبل. لكن الصرخة ارتفعت حول الفيلم عند عرضه في مهرجان «الجونة» الأخير. فبعد فترة وجيزة من بدء العرض قام بضعة فنانين معروفين وغادروا الصالة.
يعرف الصحافيون الذين اعتادوا حضور المهرجانات أن مغادرة بعضهم للقاعة قبل انتهاء الفيلم أمر يحدث وليس فريداً. إن من حق المتفرج أن يرى ما يريد، ولا يغصب نفسه على ما لا يطيق. ترك الممثل شريف منير الصالة وأعلن أن الفيلم يسيء لسمعة مصر فهو مليء بمشاهد الفقر والبؤس. لكن مشكلة الفيلم ليست في تصوير البؤس بل في الأسلوب، أي اللغة السينمائية. ومنذ فتحنا أعيننا على الأفلام المصرية ونحن نرى مشاهد البلطجة والمخدرات والعنف والجريمة والكباريهات. لا أحد ربط بين تلك الأفلام وبين سمعة بلد رائد في كل شيء. لكن العين التي تعودت، في السنوات الأخيرة، على أفلام السقا ورمضان وكوميديا اللمبي لن تتقبل نقلة «ريش».
كانت الأفلام المختلفة توصف بأنها أفلام مهرجانات. وهذا الفيلم واحد منها بالتأكيد. وهو ليس مما يسعد شباك التذاكر. ولا يلبي رغبة الجمهور «العايز كده». هل تدهور المزاج العربي العام وما عاد مستعداً لفيلم يخلو من المطاردات والطرائف والنجمات «المُزز»؟ إن الذوائق تُربى مثل ألف باء العيش واكتساب خبرات القراءة والكتابة وجدول الضرب. وسيحتاج من يقتني تذكرة لمشاهدة «ريش» إلى كثير من الصبر لكي يقطع ربع الساعة الأولى ويتقبل الإيقاع البطيء. فإذا عَبَرها فإن في انتظاره قصيدة سينمائية مختلفة وموجعة.
عُرض الفيلم لمرة وحيدة في «السينماتيك» في باريس. حجز مائتا متفرج تذاكرهم مسبقاً. وقفوا في الطابور تحت زخات المطر. ارتدوا الكمامات وجلسوا متباعدين. لم يغادر أي منهم الصالة، وصفقوا للمخرج الذي كان حاضراً بينهم. شاهدنا رب عائلة مدقعة الفقر. يستدين لكي يأتي بساحر لتسلية الجيران في عيد ميلاد ابنه. يضعه الساحر في صندوق ويقلبه إلى دجاجة. ثم يفشل في إعادته رجلاً. تبقى الدجاجة البيضاء الكبيرة جاثمة على الفراش، أمام زوجة وحيدة حائرة كيف ستطعم أطفالها. شابة أمية مقهورة لم تعرف من دنياها سوى خدمة بيتها، ستنقلب أمام أنظارنا إلى امرأة مختلفة. لم يحولها الساحر إلى فرخة بل إلى إنسانة تخرج لتعمل وتواجه واقعاً فيه الكثير من الاستغلال والمهانة.
هل هو فيلم مصري؟ يتحسس المواطن العربي في الكثير من بلداننا جلده لكي يتأكد أن لا ريش نبت له. لم ينقلب إلى دجاجة. ولا حاجة لعصا ساحر. تتكفل بذلك النزاعات والتفجيرات والمعتقلات وخيام اللجوء وقوارب الموت. لا بأس من ترويضه بأفلام التسالي وبرامج المسابقات. المطلوب أن يستكين وينسى أن العلاج باهظ والمدارس مكتظة والمصباح في بيته أعمى والحنفية ناشفة.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

«ريش» في الجونة «ريش» في الجونة



GMT 14:38 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

الحضارة بين العلم والفلسفة أو التقنية والإدارة

GMT 14:35 2024 الجمعة ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

التسمم بالرصاص وانخفاض ذكاء الطفل

GMT 17:39 2024 الخميس ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

أي تاريخ سوف يكتب؟

GMT 17:36 2024 الخميس ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

لا تَدَعوا «محور الممانعة» ينجح في منع السلام!

GMT 17:32 2024 الخميس ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

عودة ترمبية... من الباب الكبير

إطلالات الأميرة رجوة الحسين تجمع بين الرقي والعصرية

عمّان - المغرب اليوم

GMT 00:54 2024 الجمعة ,29 تشرين الثاني / نوفمبر

روحي فتوح لتولّي رئاسة السلطة الفسطينية حال شغور المنصب
المغرب اليوم - روحي فتوح لتولّي رئاسة السلطة الفسطينية حال شغور المنصب

GMT 22:21 2024 الخميس ,28 تشرين الثاني / نوفمبر

ترامب يناقش إبعاد بعض وسائل الإعلام من البيت الأبيض مع نجله
المغرب اليوم - ترامب يناقش إبعاد بعض وسائل الإعلام من البيت الأبيض مع نجله

GMT 18:29 2024 الجمعة ,29 تشرين الثاني / نوفمبر

أخنوش يتباحث مع الوزير الأول لساو تومي
المغرب اليوم - أخنوش يتباحث مع الوزير الأول لساو تومي

GMT 17:27 2024 الجمعة ,29 تشرين الثاني / نوفمبر

النوم الجيد مفتاح لطول العمر والصحة الجيدة
المغرب اليوم - النوم الجيد مفتاح لطول العمر والصحة الجيدة

GMT 07:41 2024 الإثنين ,28 تشرين الأول / أكتوبر

إكس" توقف حساب المرشد الإيراني خامنئي بعد منشور بالعبرية

GMT 16:47 2022 الجمعة ,14 كانون الثاني / يناير

حزب التجمع الوطني للأحرار" يعقد 15 مؤتمرا إقليميا بـ7 جهات

GMT 13:43 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 06:07 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

صادرات الحبوب الأوكرانية تقفز 59% في أكتوبر

GMT 06:23 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

صندوق النقد يتوقع نمو اقتصاد الإمارات بنسبة 5.1% في 2025

GMT 06:50 2024 الأربعاء ,30 تشرين الأول / أكتوبر

نصائح لتحديد أفضل وقت لحجز رحلاتكم السياحية بسعر مناسب

GMT 04:32 2020 الإثنين ,23 آذار/ مارس

ستائر غرف نوم موديل 2020

GMT 15:48 2020 الأربعاء ,01 كانون الثاني / يناير

لا تتسرّع في خوض مغامرة مهنية قبل أن تتأكد من دقة معلوماتك

GMT 05:27 2015 الأربعاء ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

إيران تشن حملة ضد ممثلة نشرت صورها دون الحجاب

GMT 07:16 2016 الخميس ,18 شباط / فبراير

الهاتف "ري فلكس" يطوى ليقلب الصفحات مثل الكتاب
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib