ما بعد الحداثة ما قبل ماذا
عاصفة شتوية قوية تضرب شمال أميركا وتتسبب في انخفاض درجات الحرارة إلى ما دون الصفر في الجنوب الكشف عن خطة إسرائيلية أعدتها جمعيات استيطانية لإنشاء مدن جديدة وتوسيع مستوطنات في الضفة الغربية خلال فترة ولاية ترامب قمة دول الخليج العربي تُطالب بوقف جرائم القتل والعقاب الجماعي للمدنيين في غزة ورعاية مفاوضات جادة لوقف الحرب جماعة الحوثي تنفذ عملية ضد هدف حيوي في منطقة يافا بفلسطين المحتلة بصاروخ باليستي فرط صوتي الجيش الروسي يُحرر بلدتي بيتروفكا وإيليينكا في جمهورية دونيتسك الشعبية استشهاد 4 فلسطينيين بينهم طفل في قصف طيران الاحتلال الإسرائيلي لمجموعة من المواطنين في خان يونس بدء أعمال القمة الخليجية الـ 45 في الكويت اتحاد طنجة لكرة القدم الشاطئية يتأهل إلى مرحلة البلاي أوف من البطولة الوطنية الرجاء الرياضي ينعي وفاة مشجعين للفريق في حادث سير بعد مباراة الجيش الملكي في دوري أبطال إفريقيا موريتانيا تفرض غرامة ثقيلة على فرع "اتصالات المغرب" بسبب جودة الخدمات
أخر الأخبار

ما بعد الحداثة... ما قبل ماذا؟

المغرب اليوم -

ما بعد الحداثة ما قبل ماذا

حازم صاغية
بقلم - حازم صاغية

يرتاب البعض بالمفاهيم التي تتقدّمها بادئةٌ كـ«ما بعد» و«نِيو»، إذ قد ينمّ التعريف سلباً عن صعوبات التعريف بالإيجاب. يصحّ هذا خصوصاً في «ما بعد الحداثة» التي لا تفتقر فحسب إلى تعريف صارم، بل ترفض أصلاً مبدأ التعريف.
لقد تطوّرت الحركة المذكورة في النصف الثاني من القرن العشرين، عبر الفلسفة والفنون والعمارة والأدب...، وعدَّها أصحابها بديلاً من الحداثة، وحرباً فكريّة على «السرديات (الحداثيّة) الكبرى»، كالموضوعيّة والعقلانيّة والتنوير والعلم والاشتراكيّة والتقدّم... ذاك أنّ ما أفضى إلى كوارث كالنازيّة والستالينيّة وهيروشيما بوصفها نتاجاً للعِلم، لم يعد مقبولاً.
وتتّسم ولادة الظاهرة، وفق رواية أصحابها، بطغيان الإعلام والتلفزيون والإعلان، ثمّ الفيديو الموسيقيّ واليوتيوب والإعلام الاجتماعيّ، ما يتأدّى عنه «واقع مُفرط» (hyper reality) تنعدم معه إمكانيّة تمييزه عن محاكاته (simulation). وفي تلقّينا العالمَ، تحلّ تلك العناصر الثقافيّة محلّ عناصر الثقافة التقليديّة كالفنّ والشعر والعمارة...
وكان جان بودريار قد سجّل مراحل ثلاثاً لتطوّر الثقافة:
- ما قبل حديثة من فنّ ومسرح وموسيقى، حيث هي نخبويّة ورفيعة ومحكومة بالدين كنظرة ورسالة.
- وحديثة ظهرت مع الثورة الصناعيّة، موادّها الفوتوغرافيا والسينما والطباعة، ويميّزها الإنتاج السريع ومحاكاة الواقع، ممّا تزامن مع الاستهلاك والشيوعيّة والعِلم.
- وما بعد حداثيّة ولدت منتصف القرن الماضي حيث بِتنا محاطين، بل «مقصوفين»، بثقافة غدت واقعَنا اليوميّ، فصارت الفيديوات والإعلانات ما كانتْه الأشجار والسيّارات حضوراً وتأثيراً، وصارت البرامج التلفزيونيّة ومثيلاتها مصدر معارفنا الأبرز. ولأنّ واقعنا بات مصنوعاً من تمثيلات ثقافيّة، أضحت سلعنا الجديدة تحيل إلى تلك التمثيلات، فنحن نصنع نُسخاً عن نُسخ، بدل الاعتماد القديم على مرجع أصليّ يمثّل الواقع.
فهي إذن «محاكاة زائفة» (simulacrum)، يحلّ فيها تمثيل التمثيل محلّ تمثيل الواقع. فصورة الأميرة مثلاً لم تعد تُستوحى من صور أميرات القرون الوسطى، بل من ديزني، علماً بأنّ الأخيرة ما هي إلا نسخة عن نسخة...
وبهذا الحضور الهائل للميديا وأخواتها، وبفعل تضارب رسائلها، «انفجر المعنى»، فلم يعد ممكناً فرز الصائب عن الخاطئ، ولم تعد ثمّة سرديّة كبرى تحدّد المعنى لنا. أمّا الحياة نفسها فلم تعد قابلة للربط بهدف وغاية. فنحن نوجد فحسب، وما من شيء نقوله ونفعله أكثر حقيقيّةً وصوابيّةً ممّا يقوله ويفعله شخص آخر. وإذ تتساوى تجاربنا صلاحاً أو طلاحاً، تنعدم الفوارق بين الثقافتين العليا والدنيا، فالفنّ كلّه تأويلات فرديّة لا يفضل أيَّ تأويل فرديّ منها تأويلاً آخر.
ولئن رأى الحداثيّون أنّ اللغة شفّافة تبعاً لعلاقة وثيقة وموضوعيّة بين التعقّل والدوالّ (signifiers)، فاللغة في الحقيقة ليست كذلك، بل هي ذاتيّة المرجعيّة (self referential). ذاك أنّ الأفكار التي نُضفيها على الكلمات محكومة بثقافة بعينها، وكلّ ما فعلته الثقافات أنّها، مع الزمن، أوّلت الكلمات بأشكال مختلفة. لكنْ ما دامت اللغةُ الوسيلةَ الأساس في تمثيل الواقع، لم يعد ممكناً اعتبار الواقع الموضوعيّ موضوعيّاً، فيما رغبة السلطات والحاكمين هي وحدها ما يقدّمه كذلك.
وبدوره وجّه جون فرانسوا ليوتار، في كتابه الصغير «الشرط ما بعد الحداثيّ»، هجاء معرفيّاً للسرديّات أو «الميتا سرديّات» التي «استجوبها». فهو نصير لـ«رغبة في العدالة» لم يعرّفها، إذ لكلٍّ فهمه للعدالة، ولـ«رغبة في المجهول» تعيد وصله بالتقليد الرومنطيقيّ في رفضه كلّ شيء تقريباً.
ويبني ليوتار على نظريّة فتنغشتاين في «اللعبة اللغويّة»، حيث لا يحظى مجال استخدام اللغة بمفتاح واحد. هكذا فنحن ليس لدينا معيار كونيّ ونهائيّ نحاكم بموجبه التواصل الإنسانيّ، بل مجموعةٌ متداخلة من ألعاب تتفاعل براغماتيّاً دون أن تتطابق، ما ينشئ «سرديّات صغرى» نواجه بها «السرديّات الكبرى». وكان من أبرز ضحايا ليوتار الكثيرين يورغن هابرماس، أحد أكثر مثقّفي عصرنا حسّاً بمسؤوليّة المثقّف العامّة. فلئن طوّر هابرماس فكرة مفادها أنّ في الوسع شرعنة الحكم الأخلاقيّ بالارتكاز على إجماع عقلانيّ حيال الأخلاق، يتمّ بالتداول والحوار، هاجم ليوتار الإجماع بوصفه غير عادل لأنّه كلما ارتفعت نسبة عدم الاتّفاق زادت حرّيّتنا، فيما الإجماع يردّنا إلى «الميتا سرديّات» ومن ورائها التوتاليتاريّة. فالمطلوب، عنده، تكثير «الخطابات» و«السرديّات» و«الألعاب اللغويّة» ووقف «الإرهاب» الحداثيّ لإسكاتها ومنع تكاثرها، فبهذا وحده يُخلَق فضاء للحرّيّة يشرعن خطابات الاختلاف والطرق المختلفة لرؤية العالم. وبدل الركون إلى برادايم كونيّ للمعرفة يسهّل التواصل، فلينشأ إفراطٌ لامحدود في موديلات المعرفة يطيح التواصل بما فيه تواصل المثقّفين أنفسهم.
وتولّى الأميركيّ تشارلز جِنكس التنظير للعمارة ما بعد الحداثيّة، فاعتبر أنّ العمارة الحداثيّة ماتت في ميسوري عام 1972 حين فُجّرت بالديناميت مباني ياماساكي الإسكانيّة المسمّاة «بروت إيغو». فقد قامت تلك العمارة، التي نشأت بعد الحرب العالمية الأولى لتبلغ ذروتها أواسط القرن، على ثوابت كالزجاج والفولاذ والكونكريت، ولكنْ أيضاً على فلسفة جماليّة وأخلاقيّة مفادها تبعيّة الشكل للوظيفة ورفض التزيين والزخرفة لمصلحة المينيماليّة. ومن الهندسة تسلّلت الوظيفيّة إلى مجالات أخرى كالملابس والفنون البصريّة...
وقد تكون المباني ما بعد الحداثيّة جذّابة وحيويّة فعلاً، بسبب تزيينها واستخدامها الألوان القويّة والخِدَع البصريّة وحسّ اللعب والسخرية، لكنّ نقد المابعد حداثيّين للعمارة الحداثيّة يُظهرهم أغنياء عابثين لا تعنيهم الهموم العامّة بتاتاً. فهم لا يستسيغون اكتراث الحداثيّين بضبط الاستهلاك وبالاستخدام الاقتصاديّ والعقلانيّ لموارد الكرة الأرضيّة المحدودة، كما يمجّون اهتمامهم بنظافة البيئة وببناء بيوت للفقراء. فهذا كلّه مصدر للإضجار وللاكتئاب ينزع الأنسنة عنّا.
وكثيرةٌ الأسئلة التي تطرحها ما بعد الحداثة: فإذا كانت الحقيقة المابعد حداثيّة هي غياب كلّ حقيقة، فلماذا تكون تلك الحقيقة نفسها حقيقة؟ وإذا لم يكن العلم موضوعيّاً فكيف نستطيع أن نقول إنّ 1 و1 يساوي 2؟ وهل الحداثة هي النازيّة والستالينيّة وهيروشيما فحسب؟
والحال أنّنا أمام نزعة رجعيّة أخرى داخل الحداثة، وحيال وعي رومنطيقيّ رافض لكلّ ما هو خارجه ومنكفئ، بكثير من الضجيج الصوتيّ، على نفسه النرجسيّة.
وربّما جاز القول إنّ ما بعد الحداثة واحدة من ظاهرات ما قبل الكوارث الشعبويّة التي تتفجّر بربريّتها اليوم.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

ما بعد الحداثة ما قبل ماذا ما بعد الحداثة ما قبل ماذا



GMT 19:37 2024 الأحد ,01 كانون الأول / ديسمبر

وانفقأ دُمّل إدلب

GMT 14:38 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

الحضارة بين العلم والفلسفة أو التقنية والإدارة

GMT 14:35 2024 الجمعة ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

التسمم بالرصاص وانخفاض ذكاء الطفل

GMT 17:39 2024 الخميس ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

أي تاريخ سوف يكتب؟

GMT 17:36 2024 الخميس ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

لا تَدَعوا «محور الممانعة» ينجح في منع السلام!

إطلالات الأميرة رجوة الحسين تجمع بين الرقي والعصرية

عمّان - المغرب اليوم

GMT 07:50 2024 الإثنين ,02 كانون الأول / ديسمبر

ميركل تكشف السر وراء صورتها الشهيرة مع بوتين والكلب الأسود
المغرب اليوم - ميركل تكشف السر وراء صورتها الشهيرة مع بوتين والكلب الأسود

GMT 11:51 2019 الجمعة ,21 حزيران / يونيو

شهر حزيران تميمة حظ لمواليد برج السرطان

GMT 13:31 2017 الثلاثاء ,17 تشرين الأول / أكتوبر

السفير المغربي سمير الدهر يتعرض إلى السرقة في حي يسيشيكو

GMT 19:54 2017 الأربعاء ,25 كانون الثاني / يناير

والد حمزة منديل يرفض الرد على اتصالات نجله

GMT 02:43 2015 الإثنين ,14 أيلول / سبتمبر

حلى الزبادي بالأوريو

GMT 08:36 2017 الثلاثاء ,24 تشرين الأول / أكتوبر

شركة "تسلا" تبني مصنعًا لإنتاج السيارات الأجنبية في الصين

GMT 08:25 2024 الإثنين ,15 إبريل / نيسان

نتائج القسم الثاني لكرة القدم بالمغرب

GMT 07:21 2023 الإثنين ,18 كانون الأول / ديسمبر

أبرز النجمات اللواتي ارتدين البدلة الرسمية هذا العام
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib