سوريّو النظام محتارون من نحن

سوريّو النظام محتارون: من نحن؟

المغرب اليوم -

سوريّو النظام محتارون من نحن

حازم صاغية
حازم صاغية

في سوريا اليوم مشكلة تنضاف إلى مشكلاتها الكثيرة، كثيرون يريدون حصتهم من الغنيمة، لكن الغنيمة أقل وأصغر من أن تُشبع أحداً. يُستخلص هذا الوضع مما لا يُحصى من أحداث وتفاصيل صغرى، الأهم بينها بالتأكيد مشكلة الشريك السابق و ابن الخال رامي مخلوف، لقد أراد، كعادته، أن يأخذ، فإذا به يُطالَب بأن يعطي، بما في ذلك تسديد ديون لروسيا. آخر صرخاته أوحت بميله الجديد إلى مناشدة الخالق بعدما تكشفت حدود مناشدة المخلوق.

لكن توزيع الغنيمة له امتداد ثقافي إذا صح التعبير، علماً بأن العوائد هنا ضحلة بدورها، بل أشد ضحالة حتى من العوائد المادية والسياسية. ذاك أن الأحزاب والأفكار المتآكلة التي لم يبق إلا ثُفالتها، والتي ساهمت كلها في حرب بشار الأسد على شعبه، تنتظر بدورها تسديد ما أقرضته للنظام. إنها تتوهم إدامة نفسها الميتة عبر خشبة خلاص، يؤمل أن يوفرها النظام ذاك. وما دام أن «حزب البعث العربي الاشتراكي» لم يعد، بصفته هذه، الحزب الحاكم، ارتفعت نسبة التعويل على أجزاء قابلة للنهش من كعكة متضائلة.

لائحة الدائنين طويلة. فالنظام مَدين بالطبع لإيران بولاية فقيهها، ولروسيا بحماستها للأقليات وللرابطة المشرقية، ومعهما «حزب الله» والتنظيمات الشيعية العراقية، لكنه مَدين أيضاً لأحزاب في أقصى اليمين، وأخرى في أقصى اليسار، وللشيوعيين، والقوميين السوريين، والناصريين، والمؤسسة الرسمية السنية التي يخفف حضورُها وطأة اللون العلوي للنظام إياه. وهذا فضلاً عن قوى عائلية وجهوية كثيرة في المجتمع الأهلي.
فاتورة السداد طويلة من دون شك. صحيح أن «حزب الله» قد يمنح حصته المنشودة لإيران، لكن الشيوعيين لن يجدوا اليوم اتحاداً سوفياتياً يهدونه حصتهم إلا بقدر ما يجد الناصريون ماردهم الأسمر. أما القوميون السوريون فيتسببون، بين الفينة والأخرى، بورطات صغيرة لحلفائهم، إذ يجهرون بما يجافي مزاعم القومية العربية.
لا شك أن الخزانة الآيديولوجية للنظام السوري تضم أشياء من هذه كلها؛ عروبة بإسلام، وعروبة بعلمانية، وسوريا بلا عروبة ولا إسلام، ومناهضة لأميركا بلغة يسارية ممزوجة بمناهضة لها بلغة فاشية... لقد امتدح خطاب الأسد في مسجد العثماني اللغة العربية والهوية العربية لسوريا، وعلى عادته في الفذلكة والسفسطة رفض القول إن وفادة العرب ولغتهم إلى سوريا طردت السريانية منها. وزير أوقافه محمد عبد الستار السيد هاجم فكرة «الأمة السورية» لأن ما نعرفه هو «الأمة العربية، ولا يمكن الفصل بين العروبة والإسلام». لكن الممثلة الموالية سلاف فواخرجي اعتبرت اللغة السريانية «لغتنا الأم، اللغة المقدسة الآرامية القديمة لتاريخ سوريا». هذه الملاحظة كانت لتمر مرور الكرام لولا بعض السوابق، ولا سيما الحملة العنصرية التي سبق أن رعاها النظام ضد العروبة و«العربان» وبلغت ذروتها في 2016. ليتم التراجع عنها مؤخراً. وقد ذكّرنا موقع «المدن» قبل أيام بحملة «إحياء للتراث السوري الآتي من الحضارات الأولى التي قامت في المنطقة»؛ خصوصاً الاحتفال الرسمي بعيد السنة الآشورية «أكيتو»، وهو «أحد الأعياد الممنوعة في البلاد على غرار عيد (النوروز) الكردي».

والحال أن المتنازعين في الحروب الأهلية يزعمون أنهم يقاتلون دفاعاً عن أفكار، حتى حين تكون الأفكار آخر ما يعنيهم. إنهم يتصلبون، ولو لفظياً، في زعم تلك الأفكار وفي توكيد نسبتها إليهم. لكننا، مع نظام الأسد، حيال استدانة للأفكار من كل حدب وصوب، وحيال تلاعب بها واستبدال لها وخلط لا ينقطع بين صيغها المتنافرة.

فالنظام بالتالي لا يملك أدنى جواب عن سؤال؛ من نحن؟ والأدق أنه يملك ألف إجابة يرضي بها ألف طرف وطرف... أبعد من ذلك أنه لا يملك هذه الـ«نحن» أصلاً، ولا هوية لديه تتعدى احتفاظه بالسلطة كائناً ما كان ثمن الاحتفاظ. فالـ«نحن» الوحيدة المتوافرة هي الرغبة في إدامة السيطرة لأمراء حرب صغار يرعاهم أمير حرب أكبر.
هذه الحال الرخوة هي التي جعلت بعض المراقبين يتوقعون تسوية سوريا مع إسرائيل، تسوية سيكون على الدائنين الآيديولوجيين أن يتدبروا تبريرها فيما لو حصلت، وسيكون عليهم بالتالي أن يؤجلوا مطالبتهم بسداد ديونهم إلى ما بعد إتمام الصفقة.

في هذه الغضون، فإن ما لم يحصل عليه رامي مخلوف لن يحصل عليه أي رامي مخلوف حزبي أو آيديولوجي. الخزانة فارغة من كل شيء. رامي كان على حق باتكاله على الله.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

سوريّو النظام محتارون من نحن سوريّو النظام محتارون من نحن



GMT 19:37 2024 الأحد ,01 كانون الأول / ديسمبر

وانفقأ دُمّل إدلب

GMT 14:38 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

الحضارة بين العلم والفلسفة أو التقنية والإدارة

GMT 14:35 2024 الجمعة ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

التسمم بالرصاص وانخفاض ذكاء الطفل

GMT 17:39 2024 الخميس ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

أي تاريخ سوف يكتب؟

GMT 17:36 2024 الخميس ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

لا تَدَعوا «محور الممانعة» ينجح في منع السلام!

إطلالات الأميرة رجوة الحسين تجمع بين الرقي والعصرية

عمّان - المغرب اليوم

GMT 11:51 2019 الجمعة ,21 حزيران / يونيو

شهر حزيران تميمة حظ لمواليد برج السرطان

GMT 13:31 2017 الثلاثاء ,17 تشرين الأول / أكتوبر

السفير المغربي سمير الدهر يتعرض إلى السرقة في حي يسيشيكو

GMT 19:54 2017 الأربعاء ,25 كانون الثاني / يناير

والد حمزة منديل يرفض الرد على اتصالات نجله

GMT 02:43 2015 الإثنين ,14 أيلول / سبتمبر

حلى الزبادي بالأوريو

GMT 08:36 2017 الثلاثاء ,24 تشرين الأول / أكتوبر

شركة "تسلا" تبني مصنعًا لإنتاج السيارات الأجنبية في الصين

GMT 08:25 2024 الإثنين ,15 إبريل / نيسان

نتائج القسم الثاني لكرة القدم بالمغرب
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib