النساء والعلوم

النساء والعلوم

المغرب اليوم -

النساء والعلوم

آمال موسى
بقلم - آمال موسى

يحتفل العالم غداً باليوم الدولي للمرأة والفتاة في مجال العلوم، وهي مناسبة تسبق اليوم العالمي للمرأة الذي يوافق الثامن من شهر مارس (آذار) سنوياً بقرابة ثلاثة أسابيع، ومع ذلك فإنَّه يستمد أهميته من تركيزه على مسألة محددة تتمثَّل في علاقة المرأة بالعلوم ودورها العلمي ونصيبها في البحث العلمي والإسهام في ابتكار الحلول للإشكالات الراهنة وفي جعل الحياة أقل مشقة.

طبعاً الفكرة الأساسية لتنظيم مثل هذا اليوم على مستوى دولي هي أنَّ مشاركة النساء والفتيات في مجال العلوم ضعيفة، وأنَّ مجال العلوم يعرف تاريخياً هيمنة ذكورية.

وفي الحقيقة هذه الملاحظة الصريحة ذات مصداقية تاريخية، ولا يمكن الادعاء أنَّ حضور النساء في العلوم تاريخياً كان مهماً أو حتى قادراً كماً ونوعاً على مزاحمة المنجز الذكوري.

من ناحية مثل هذا الموضوع بالذات لم يكن بالإمكان طرحه في قرون عابرة، وإنما اكتسب مصداقية الطرح في العصر الحالي باعتبار التغييرات التي عرفتها أوضاع النساء.

كما أنَّ الملاحظ أنَّ المجموعة التي كانت وراء فكرة إحداث يوم دولي خاص بالمرأة والفتاة في مجال العلوم لم يتبادر إلى ذهنهن في التفكير وطرح نفس الفكرة... ولكن على أن تشمل مجال الآداب. وليس خافياً لماذا لم تطرح مثل هذه الفكرة؛ لأنَّ حضور النساء في مجال الأدب ليس وليد العصر الراهن فحسب، بل إنَّه من أيام العهد الجاهلي والشاعرات يسجلن حضورهن، وفي مختلف الأحقاب التاريخية سجلت كتب التاريخ شخصيات نسائية مبدعة في مجال الشعر والسرد. مع العلم أن تمثلات المجتمعات جندرياً للآداب متصالحة جداً مع فكرة قرب التكوين العاطفي والنفسي للنساء من مجالات الكتابة والبوح والإبداع.

إذاً، يهدف هذا اليوم الدولي إلى دعم مشاركة النساء والفتيات في مجال العلوم. وهو هدف له ما يدعمه ويشرعه من منطلق أن تعليم المرأة شهد تطوراً كبيراً واقتلعت النساء حقهن في التعليم، حتى إن تونس منذ استقلالها أرست إجبارية التعليم، والولي الذي يمنع ابنته من الذهاب إلى المدرسة يخضع للمساءلة القانونية، واليوم نلاحظ كيف أن الدول العربية باتت غالبيتها تتنافس في مجال تعليم البنات، واكتسحت النساء عالم التدريس وهيمنت عليه وأصبح مجالها المهني المفضل. وباعتبار القيمة الاعتبارية للتدريس والمعلم، فإنَّ المجتمعات بما فيها الأكثر محافظة كانت متسامحة مع عمل المرأة في مجال التدريس، وهي بوابة مهمة كشفت فيها المرأة عن مهارتها في مهنة نبيلة وعليها يقوم تقدم المجتمعات.

ولكن مع ذلك ظلَّ الغالب على الواقع حتى في مجال التدريس أنَّ المعلمات في مجال المواد الأدبية واللغات والتاريخ والجغرافيا أكثر بكثير من اللواتي يدرسن الرياضيات مثلاً.

والملاحظ في العقدين الأخيرين هو أنَّ وجود المرأة الغربية وأيضاً العربية عرف ارتفاعاً وطفرة حقيقية في مجالات الهندسة والطب والإعلام والطاقة، ولم يعد تقسيم المهن خاضعاً للتمايز بين الجنسين.

ويكفي أن نتوقف في هذا السياق عند المثال التونسي، سنجد أنَّ العالم العربي قطع خطوات مهمة نوعياً وكمياً، والعلاقة بين النساء والفتيات والعلوم وثيقة وتشهد تطوراً سريع النسق. من ذلك أنَّ عدد المهندسات في تونس يضاهي عدد المهندسين، ونسبة الطبيبات أكبر من الأطباء... وفي هذا السياق من استعراض المنجز في مجال إسهام النساء والفتيات في مجال العلوم، من المهم أن نركز على معطى أن الغرض ليس تجميل مجال العلوم بالنساء، بل إن الهدف هو الاستفادة من قدراتهن وضمان تكافؤ الفرص وانتفاع العالم بكفاءة الجنسين.

إنَّ اختصاصات الشعب العلمية تغيرت ملامح المنتمين إليها وصارت تستقطب الجنسين، والبحوث المتميزة لم تعد حكراً على الباحثين دون الباحثات. ولعله إذا أردنا أن نرفع من وتيرة اقتحام الطالبات لمجال العلوم فعلينا العمل على تغيير العقليات ومعالجة النسق الثقافي لتوزيع الأدوار داخل الأسرة بين الجنسين، ذلك أن مجال العلوم يستوجب البحث والتجارب والتفرغ ليتم حصد نتائج جيدة، وهذه الشروط تتعارض مع الأدوار المطلوبة من المرأة، في حين أن الأنموذج الثقافي في المجتمعات بما فيها الأوروبية يتيح للرجل إمكانات التفرغ لعمله وبحوثه أكثر مما هو متاح للنساء.

لقد تكونت العلاقة اليوم بين المرأة في كل العالم ببلدانه المتقدمة والسائرة في طريق النمو والعلوم، ومبدأ حتمية التاريخ يفرض النمو الطبيعي لهذه العلاقة في كنف مزيد من تمكين المرأة والفتاة في التعليم والبحث.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

النساء والعلوم النساء والعلوم



GMT 14:38 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

الحضارة بين العلم والفلسفة أو التقنية والإدارة

GMT 14:35 2024 الجمعة ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

التسمم بالرصاص وانخفاض ذكاء الطفل

GMT 17:39 2024 الخميس ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

أي تاريخ سوف يكتب؟

GMT 17:36 2024 الخميس ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

لا تَدَعوا «محور الممانعة» ينجح في منع السلام!

GMT 17:32 2024 الخميس ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

عودة ترمبية... من الباب الكبير

إطلالات الأميرة رجوة الحسين تجمع بين الرقي والعصرية

عمّان - المغرب اليوم

GMT 00:54 2024 الجمعة ,29 تشرين الثاني / نوفمبر

روحي فتوح لتولّي رئاسة السلطة الفسطينية حال شغور المنصب
المغرب اليوم - روحي فتوح لتولّي رئاسة السلطة الفسطينية حال شغور المنصب

GMT 22:21 2024 الخميس ,28 تشرين الثاني / نوفمبر

ترامب يناقش إبعاد بعض وسائل الإعلام من البيت الأبيض مع نجله
المغرب اليوم - ترامب يناقش إبعاد بعض وسائل الإعلام من البيت الأبيض مع نجله

GMT 18:29 2024 الجمعة ,29 تشرين الثاني / نوفمبر

أخنوش يتباحث مع الوزير الأول لساو تومي
المغرب اليوم - أخنوش يتباحث مع الوزير الأول لساو تومي

GMT 17:27 2024 الجمعة ,29 تشرين الثاني / نوفمبر

النوم الجيد مفتاح لطول العمر والصحة الجيدة
المغرب اليوم - النوم الجيد مفتاح لطول العمر والصحة الجيدة

GMT 13:12 2020 السبت ,26 أيلول / سبتمبر

حظك اليوم برج الحوت السبت 26-9-2020

GMT 13:22 2021 الأحد ,19 أيلول / سبتمبر

نادي شباب الريف الحسيمي يواجه شبح الانقراض

GMT 06:23 2023 السبت ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

توقعات الأبراج اليوم السبت 11 نوفمبر/ تشرين الثاني 2023

GMT 11:08 2023 الجمعة ,08 أيلول / سبتمبر

بلينكن يشيد بـ«الصمود الاستثنائي» للأوكرانيين
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib