حول المؤسسات المانحة

حول المؤسسات المانحة

المغرب اليوم -

حول المؤسسات المانحة

آمال موسى
بقلم - آمال موسى

تقوم المنظومة الدوليّة إلى جانب العلاقات الدولية المباشرة وأيضاً المنظمات الحكومية الإقليمية والأممية، على آلية المؤسسات المانحة لتنشيط الروابط الدوليّة من منطلقات مغايرة، تهتم في الأساس بمساعدة البلدان السائرة في طريق النمو والتنمية للالتحاق بالركب.
وتنتشر المؤسسات المانحة بفروعها في شتى بلدان العالم، حيث الحاجة إلى الدعم الفني والمالي ومساندة الهياكل الرسمية، وأيضاً مؤسسات المجتمع المدني، وهي مؤسسات تكرس الجزء الوافر من خبرتها للقيام بدور في مجالات الدفع بمجال الحرية وحقوق الإنسان والدفاع عن قضية المساواة بين الجنسين ومسألة الطفولة وكل القضايا التي تحتاج إلى الوقاية والحماية والتعهد والمعالجة. والمتابع لأنشطة المؤسسات الدوليّة المانحة يلاحظ حجم التركيز على ظاهرة العنف ضد المرأة وبرامج مقاومة هذه الظاهرة التي تنفق فيها ملايين الدولارات.
يمكن القول إن المؤسسات المانحة هي جسم مستقل بذاته في البناء العالمي العام ولكن في الوقت نفسه يتأثر بالعلاقات الدولية. وتتمثل هذه الاستقلالية في طبيعة مجالات التدخل، إذ يبدو مقام تركيزها الأساسي أممياً، أي كيف يتم سد الفجوة بين الشعوب في مجالات المرأة والطفولة والحرية وحقوق الإنسان.
كما يرتبط الحديث عن المؤسسات المانحة عادة بالحديث عن سبل تأمين التمويلات اللازمة للأفكار والمشاريع التي يتعذر عن الهياكل الرسمية والهياكل التابعة للمجتمع المدني توفيرها فيكون اللجوء آلياً للمؤسسات المانحة والترشح لنيل الدعم المطلوب.
طبعاً الأمر ليس بهذه السهولة والبساطة؛ فللمؤسسات المانحة أسس ومقاربات وقيم بعينها تدافع عنها وهي تمول ما يتفق مع القيم التي تنتصر لها وبعثت من أجلها.
أولاً بصراحة وموضوعية فإن هذه المؤسسات المانحة، خاصة منها الواضحة الهوية والمتفرعة عن مؤسسات أممية، قد نجحت في خلق حركية داخل البلدان وساعدت المجتمع المدني على العمل والتحرك وتنظيم الندوات وإجراء الدراسات، وساندت توجهات الدول في المقاربات التي تتفق مع توجهاتها. والملاحظ ونحن نحاول رصد علاقة المؤسسات المانحة بمؤسسات الدول وبالمجتمع المدني في البلدان التي تتحرك فيها المؤسسات المانحة، أن المساندة تحتكم إلى شروط وليست مضمونة في كل الأحوال ومهما كانت الخيارات، بل هي مؤسسات تحتكم إلى مبادئ وشروط تسير عليها. وهذا في حد ذاته في واقع الأمر قد يكون مقبولاً ومفهوماً للوهلة الأولى، ولكن هذا التماشي يفتقد نقطة معينة تتمثل في تقديم المساعدة حسب موضوع الحاجة إلى المساعدة. بمعنى أن المساعدة يجب أن تكون محاطة بكل عناصر البيئة محل المساعدة وإلا فإنها لن تؤتي أكلها ولن تحقق أهدافها، وستكون فقط أنشطة أكثر منها أعمالاً تأسيسية.
طبعاً في هذا الصدد بالذات ومن باب الإنصاف والموضوعية أيضاً من المهم تبيان أن هناك جهداً كبيراً تقوم به المؤسسات المانحة يستحق التنويه والثناء لأنه جهد معمق ويتسم بالجدية وينتصر لقيم تحسن من حال الإنسان والطفولة والنساء المهمشات وذوي الحاجات الخصوصية، وغير ذلك من القضايا الكثيرة الجديرة بالدعم والمساندة والمناصرة.
من جهة ثانية، فإن أداء هذه المؤسسات المانحة يمكن أن يكون أفضل وأقوى وتجني المجتمعات من ثماره الكثير لو استطعنا أن نتوصل إلى إحكام العلاقة معها بشكل أكثر وظيفية، من ذلك ضرورة تمكن كل الأطراف التي تتعامل مع المؤسسات المانحة من تحديد أولوياتها وفق دراسات ومعطيات موضوعية ووثائق شارحة للأسباب. فتحديد كل طرف لأولوياته نقطة نظام قوية في العلاقة، وهي مسألة تجعل المؤسسات المانحة تطوع مجالات التدخل والتمويل والدعم وفق الحاجة والأولوية المعلنة والمرادة.
من المهم أن ندرك أن الآخر في حاجة إلينا أيضاً. لا أحد يعطي مجاناً. من مصلحة الآخر أن يلتحق الجميع بالركب لكي يستطيع أن ينعم بما بلغه من رخاء وتقدم. فهم العالم أن كل رخاء وسعادة وتقدم مهدد بالاحتقان. فهم العالم المتقدم أن احتقان البعيدين عن الركب لن يتركهم ينعمون بشيء.
هكذا يجب أن نفهم علاقات الدعم التي تقوم بها المنظمات والمؤسسات المانحة، فهي تؤسس لما يحقق التعايش العالمي.
من هذا المنطق فإن البراغماتية تقتضي أن نفرض أولوياتنا ونرتب حاجياتنا وأن نعول أيضاً قبل كل شيء على إمكانياتنا كي يشعر الآخر أننا جادون في خياراتنا وأننا قبل أن نعوّل على الآخر فإننا نعوّل على أنفسنا. هكذا نتحكم في العلاقة ونعرض ما نريد من مساعدة ولا نتلقى المساعدة التي يرغب الآخر في تقديمها إلينا.
أيضاً عندما نحدد أولوياتنا يجب أن تكون العملية مدروسة ومسلحة بالحجج والمنطق ولغة الأرقام والمقارنة كي نثبت حرفية في بلورة المشاريع ودراية بعناصر الواقع.
إنّ مصلحة العالم المتقدم باتت تكمن في تقدم الكل وفي نشر الأنسنة في ألا يبقى أحد خلف الركب.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

حول المؤسسات المانحة حول المؤسسات المانحة



GMT 19:37 2024 الأحد ,01 كانون الأول / ديسمبر

وانفقأ دُمّل إدلب

GMT 14:38 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

الحضارة بين العلم والفلسفة أو التقنية والإدارة

GMT 14:35 2024 الجمعة ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

التسمم بالرصاص وانخفاض ذكاء الطفل

GMT 17:39 2024 الخميس ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

أي تاريخ سوف يكتب؟

GMT 17:36 2024 الخميس ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

لا تَدَعوا «محور الممانعة» ينجح في منع السلام!

إطلالات الأميرة رجوة الحسين تجمع بين الرقي والعصرية

عمّان - المغرب اليوم

GMT 08:27 2024 الثلاثاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

نصائح قبل شراء طاولة القهوة لغرفة المعيشة
المغرب اليوم - نصائح قبل شراء طاولة القهوة لغرفة المعيشة

GMT 08:50 2024 الثلاثاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

الكشف عن قائمة "بي بي سي" لأفضل 100 امرأة لعام 2024
المغرب اليوم - الكشف عن قائمة

GMT 16:38 2016 الجمعة ,23 كانون الأول / ديسمبر

إضافة 408 هكتارات من الحدائق والمساحات الخضراء في بكين

GMT 10:48 2019 السبت ,30 تشرين الثاني / نوفمبر

جنون الريمونتادا

GMT 12:35 2019 الثلاثاء ,16 إبريل / نيسان

امرأة تعقد عقد جلسة خمرية داخل منزلها في المنستير

GMT 04:14 2019 الخميس ,31 كانون الثاني / يناير

ارتفاع سعر الدرهم المغربي مقابل الريال السعودي الخميس

GMT 10:06 2019 الثلاثاء ,29 كانون الثاني / يناير

الطاعون يلتهم آلاف المواشي في الجزائر وينتشر في 28 ولاية

GMT 03:21 2019 الجمعة ,25 كانون الثاني / يناير

إعادة افتتاح مقبرة توت عنخ آمون في وادي الملوك

GMT 10:21 2019 السبت ,12 كانون الثاني / يناير

فضيحة جنسية وراء انفصال جيف بيزوس عن زوجته

GMT 09:04 2018 الأربعاء ,12 كانون الأول / ديسمبر

والدة "راقي بركان" تنفي علمها بممارسة نجلها للرقية الشرعية

GMT 05:06 2018 الإثنين ,10 كانون الأول / ديسمبر

جمهور "الجيش الملكي" يُهاجم مُدرّب الحراس مصطفى الشاذلي

GMT 06:44 2018 الخميس ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

"Il Falconiere" أحد أجمل وأفضل الفنادق في توسكانا

GMT 00:44 2018 الخميس ,25 تشرين الأول / أكتوبر

اكتشف قائمة أفخم الفنادق في جزيرة ميكونوس اليونانية

GMT 15:10 2018 الإثنين ,13 آب / أغسطس

شركة دودج تختبر محرك سيارتها تشالنجر 2019

GMT 19:15 2018 الأربعاء ,01 آب / أغسطس

يوسف النصري علي ردار فريق "ليغانيس" الإسباني
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib