إسلامية المعرفة مفاهيم مؤسِّسَة

إسلامية المعرفة.. مفاهيم مؤسِّسَة

المغرب اليوم -

إسلامية المعرفة مفاهيم مؤسِّسَة

عبدالله بن بجاد العتيبي
بقلم : عبدالله بن بجاد العتيبي

فكرة «إسلامية المعرفة» أو «أسلمة العلوم الإنسانية» فكرة لها أصول بنيت عليها ضمن الخطاب الصحوي الذي تتحرك فيه، وثمة العديد من المفاهيم التي بنيت عليها مثل المفهوم الصحوي الشهير، وهو مفهوم «الغزو الفكري» أو «الغزو الثقافي»، وهو مفهومٌ يختصر العلوم الغربية في مهمة إفساد العالمين العربي والمسلم، وهذا المفهوم عمل بالتوازي مع مفهوم صحويٍ آخر هو مفهوم «البديل الإسلامي»، وهو مفهومٌ يقوم على إيجاد بديل «مؤسلمٍ» لكل شيء موجودٍ في الحياة، و«إسلامية المعرفة» هي البديل المعرفي للعلوم الإنسانية الحديثة.
ومثل ذلك -أيضاً- «مفهوم التغريب» الرافض لكل الحضارة الغربية، وكذلك مفهوم «فقه الواقع» والذي كان يراد به الغض من قيمة الفقهاء التقليديين، واتهامهم بالجهل، وعدم المعرفة والاطلاع، وقد كتب «الإخواني» المعروف محمد قطب شقيق سيد قطب كتاب «مفاهيم ينبغي أن تصحح» وكتب «واقعنا المعاصر»، وفي الإسلام السياسي بنسخته الشيعية كتب محمد باقر الصدر كتاب «فلسفتنا» و«اقتصادنا»، ودارت في المذهب الشيعي جدالات شبيهة بتلك التي دارت في المذهب السُني حول «إسلامية المعرفة»، فالمفاهيم والأفكار تنتقل بين الجانبين، وأصدرت مجلة «نصوص معاصرة» كتاباً يناقش مسألة «أسلمة العلوم» من عدة باحثين تحت عنوان «أسلمة العلوم، وقضايا العلاقة بين الحوزة والجامعة».
و«إسلامية المعرفة» هي نموذجٌ كذلك لخلطٍ طويلٍ بين «الاستعمار» و«الاستشراق» من جهة، وخلطٌ آخر بين «الاستشراق» و«التبشير المسيحي» وعدم التفريق بين «الاستعمار» و«الاستشراق» و«التبشير المسيحي» ودمج الطروحات التي تتناولها يؤدي لمثل هذه الأطروحة. مشروع «أسلمة المعرفة» هو مشروع لتحويل «المعرفة» إلى «وعظ» والفلاسفة والمفكرين والعلماء إلى «وعّاظ»، لا «وعّاظ سلاطين» كما كتب علي الوردي، بل «سلطة وعاظ» و«إسلام سياسي»، وهو تجلٍ لكلمات حسن البنا عن «أستاذية العالم» و«سيادة الدنيا» في الجانب المعرفي، وهناك «موضة» في بعض دول الخليج تسير في هذا المنحى، حيث يتم تحويل الفلسفة إلى «وعظ» مع الحرص على الاختباء خلف تعقيداتها في التعبير عن الأفكار الصحوية.
الإسلام دينٌ سهلٌ، كان يأخذه الأعرابي في دقائق مع الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم، ولم يزل الفقهاء والمتجادلون يصعّبونه ويعقّدونه، ويفصلون فيه ويفرعون، حتى جعلوه صعباً عسيراً معقداً، وأصبح أصحاب العقائد يكفّرون بعضهم بعضاً ويكفرون مخالفيهم على مسائل تجريدية معقدةٍ قد يعيش المسلم ويموت وهو لم يسمع بها وإن سمعها فهو لا يتصورها، فضلاً عن أن يتخذ منها موقفاً.
وقد استخدم الرسول الكريم عليه الصلاة والسلام منتجات الحضارات الأخرى بتلقائية، فأخذ الخطة العسكرية في «الخندق» من الفرس، واتبع النظام الدولي في عصره حين قال «لولا أن الرسل لا تقتل»، وقد فعل صحابته الأمر ذاته وهم يستحضرون قوله الكريم «أنتم أعلم بأمور دنياكم» فقام عمر بن الخطاب بتدوين الدواوين، واجتهد في أرض السواد، وأسس «التاريخ الهجري» وبنو أمية وبنو العباس ساروا على النهج نفسه ثم افترقت السبل.
في العلم جمعٌ وتفريقٌ، شرحٌ وتلخيصٌ، ومستويات متعددة ومجالات متنوعة، ويجب التفريق في هذا السياق بين رفض العلوم الإنسانية جملةً، أو «أسلمتها» جملةً وتحويرها لخدمة «الصحوة» و«الإسلام السياسي»، وبين رفض بعض مسائلها التي تخالف أركان الإسلام في أي علمٍ من العلوم أو مجالٍ من المجالات.
أخيراً، فما أجمل ما كتبه الدكتور رضوان السيد قديماً في كتابه «الفكر الإسلامي المعاصر، قضايا الإصلاح والتجديد» حين قال: «أما المشهد الرابع، والذي اتخذ من «إسلامية المعرفة» عنواناً له، فيحدث ويسود في الثمانينيات من القرن العشرين، فقد عقد «المعهد العالمي للفكر الإسلامي» المؤتمر الأول للمسألة عام 1982. وتصوره للموقف الراهن للأمة الإسلامية لا يختلف عن تصورات الندوي والمودودي وسيد قطب والقرضاوي» ص81.

 

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

إسلامية المعرفة مفاهيم مؤسِّسَة إسلامية المعرفة مفاهيم مؤسِّسَة



GMT 14:38 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

الحضارة بين العلم والفلسفة أو التقنية والإدارة

GMT 14:35 2024 الجمعة ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

التسمم بالرصاص وانخفاض ذكاء الطفل

GMT 17:39 2024 الخميس ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

أي تاريخ سوف يكتب؟

GMT 17:36 2024 الخميس ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

لا تَدَعوا «محور الممانعة» ينجح في منع السلام!

GMT 17:32 2024 الخميس ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

عودة ترمبية... من الباب الكبير

إطلالات الأميرة رجوة الحسين تجمع بين الرقي والعصرية

عمّان - المغرب اليوم

GMT 00:54 2024 الجمعة ,29 تشرين الثاني / نوفمبر

روحي فتوح لتولّي رئاسة السلطة الفسطينية حال شغور المنصب
المغرب اليوم - روحي فتوح لتولّي رئاسة السلطة الفسطينية حال شغور المنصب

GMT 22:21 2024 الخميس ,28 تشرين الثاني / نوفمبر

ترامب يناقش إبعاد بعض وسائل الإعلام من البيت الأبيض مع نجله
المغرب اليوم - ترامب يناقش إبعاد بعض وسائل الإعلام من البيت الأبيض مع نجله

GMT 18:29 2024 الجمعة ,29 تشرين الثاني / نوفمبر

أخنوش يتباحث مع الوزير الأول لساو تومي
المغرب اليوم - أخنوش يتباحث مع الوزير الأول لساو تومي

GMT 17:27 2024 الجمعة ,29 تشرين الثاني / نوفمبر

النوم الجيد مفتاح لطول العمر والصحة الجيدة
المغرب اليوم - النوم الجيد مفتاح لطول العمر والصحة الجيدة

GMT 13:12 2020 السبت ,26 أيلول / سبتمبر

حظك اليوم برج الحوت السبت 26-9-2020

GMT 13:22 2021 الأحد ,19 أيلول / سبتمبر

نادي شباب الريف الحسيمي يواجه شبح الانقراض

GMT 06:23 2023 السبت ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

توقعات الأبراج اليوم السبت 11 نوفمبر/ تشرين الثاني 2023

GMT 11:08 2023 الجمعة ,08 أيلول / سبتمبر

بلينكن يشيد بـ«الصمود الاستثنائي» للأوكرانيين
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib