السودان وخطر الحرب الأهلية

السودان وخطر الحرب الأهلية

المغرب اليوم -

السودان وخطر الحرب الأهلية

عبدالله بن بجاد العتيبي
بقلم : عبدالله بن بجاد العتيبي

قصة السودان المعقدة في الأصل تزداد تعقيداً، وشركاء الانقلاب على نظام البشير «الإخواني» الأصولي من الجيش وقوات الدعم السريع دخلوا في مواجهة عسكرية ساخنة، وبغض النظر عن أي حساباتٍ سياسيةٍ وعسكريةٍ، فإن الخاسر الأكبر هو الشعب السوداني المغلوب على أمره. استيقظ الشعب السوداني وتابع العالم اشتباكات مسلحة عنيفة وساخنة في مدن السودان وشوارعه ومقراته الحكومية ومطاراته بين القوتين الرئيسيتين في الدولة، الجيش بقيادة البرهان من جهة وقوات الدعم السريع بقيادة حميدتي من الجهة المقابلة.
والتحركات العسكرية فجراً واستهداف المقرات العسكرية ومباني التلفزيون هي الوصفة التقليدية للانقلابات العسكرية وهي شبيهة بما كان يجري كثيراً في الدول العربية في العقود الماضية.بداية الانقلابات العسكرية لا تأتي بخيرٍ في الأعم الأغلب، والوصول إليها في حالة السودان هو تعبير عن فشل سياسي داخلي في إدارة مرحلة ما بعد نظام البشير وعجز القوى السودانية عسكرية ومدنية عن تحقيق توافقات عملية قادرة على انتشال السودان من مشكلاته المزمنة التي لم تكن بحاجة إلى مزيد من الخلافات والتعقيدات لتزداد سوءاً.
وفي الاشتباكات المسلحة لا صوت يعلو فوق صوت البندقية، وعلى الرغم من كل المناشدات العربية والدولية لإيقاف الاشتباكات فإن طبيعة الأمور لا تسمح بذلك إلا بعد أن ينكسر عنفوان الطرفين أو أحدهما، وهذه حقيقة مؤسفة جداً. وحدة القوات العسكرية في أي دولة ضمانة للاستقرار والأمن والوحدة السياسية، وتعددها ضمانة لاحتمالية اندلاع الخلافات وتحولها سريعاً إلى ساخنة وعنيفة ودموية، والخبرة العربية الحديثة مع الميليشيات الموازية للجيش تنذر جميعها بخرابٍ ودمارٍ يضرّ بالدولة وبالشعب، والأمثلة كثيرةٌ وحاضرة في الذاكرة.
«حزب الله» في لبنان و«حركة الحوثي» في اليمن و«الجيش الشعبي» في العراق و«الميليشيات» من شكل ولونٍ في سوريا وليبيا، كلها قواتٌ عسكريةٌ خارجة عن وحدة القوات العسكرية وهي تفترق إلى نماذج متعددة، فمنها من استحوذ على الدولة بالقوة في لبنان واليمن ومنها ما أصبح منافساً قوياً للقوات العسكرية والجيش الوطني، وكل الخشية من أن يشكل السودان نموذجاً جديداً في هذا السياق. رغم صعوبة احتواء الموقف فإن الدول الشقيقة لم تتوان في اتخاذ إجراءات سريعة ومحاولات عاجلة فجرى اتصال ثلاثي بين وزراء الخارجية في السعودية والإمارات العربية المتحدة مع الوزير الأميركي، وتحدثت الجامعة العربية عن أن الوقت ما زال مبكراً لاتخاذ موقف مؤثرٍ، وبدأت بعض الجهات الدولية لا بالبحث عن حلول مؤثرة بل في تحذير مصر من التدخل بعد ما تعرض له جنودها داخل قاعدة عسكرية في السودان.
بعض الجهات الدولية ودخولها في حالات الفوضى والصراعات المسلحة في منطقتنا لا تبشر بخيرٍ، فهي تسمح باستمرار الأوضاع السيئة وتعجز عن اجتراح حلولٍ أو الدفع باتجاهها وما جرى في اليمن في السنوات الأخيرة خير شاهدٍ على إمكانية أن يكون تدخل تلك الجهات معيقاً حقيقياً لأي رغبة في إنهاء الصراعات المسلحة بحلول واقعية وعملية.
كلا الجهتين المتصارعتين في السودان لديها عناصر كبرت وترقت عسكرياً في ظل نظام «إخواني» أصولي استمر لثلاثة عقودٍ من الزمن وتأثرت بأفكاره ومبادئه وخطابه وأيديولوجيته، وفي بعض العناصر المسلحة عجمةٌ وانتماءات قبلية وعرقية لا تدفعها لاستشعار قيمة الإنسان السوداني وحرمة دمه وأمواله فكيف بطموحاته ومستقبله، ولذلك فالحل عملياً ليس سهلاً لا على الشعب السوداني ولا على الدول الشقيقة الحريصة على وحدة السودان ومستقبل دولته وشعبه.
أخيراً، فما يجري في السودان بوادر حربٍ أهليةٍ ذاكرتها سيئة لدى الشعب السوداني ما لم يتداركها العقلاء من السودانيين وبدعم كامل من أشقائهم.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

السودان وخطر الحرب الأهلية السودان وخطر الحرب الأهلية



GMT 14:38 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

الحضارة بين العلم والفلسفة أو التقنية والإدارة

GMT 14:35 2024 الجمعة ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

التسمم بالرصاص وانخفاض ذكاء الطفل

GMT 17:39 2024 الخميس ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

أي تاريخ سوف يكتب؟

GMT 17:36 2024 الخميس ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

لا تَدَعوا «محور الممانعة» ينجح في منع السلام!

GMT 17:32 2024 الخميس ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

عودة ترمبية... من الباب الكبير

إطلالات الأميرة رجوة الحسين تجمع بين الرقي والعصرية

عمّان - المغرب اليوم

GMT 17:34 2024 الجمعة ,29 تشرين الثاني / نوفمبر

"فيفا" يكشف أسباب ترشيح ميسي لجائزة "الأفضل"
المغرب اليوم -

GMT 17:27 2024 الجمعة ,29 تشرين الثاني / نوفمبر

النوم الجيد مفتاح لطول العمر والصحة الجيدة
المغرب اليوم - النوم الجيد مفتاح لطول العمر والصحة الجيدة

GMT 13:12 2020 السبت ,26 أيلول / سبتمبر

حظك اليوم برج الحوت السبت 26-9-2020

GMT 13:22 2021 الأحد ,19 أيلول / سبتمبر

نادي شباب الريف الحسيمي يواجه شبح الانقراض

GMT 06:23 2023 السبت ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

توقعات الأبراج اليوم السبت 11 نوفمبر/ تشرين الثاني 2023

GMT 11:08 2023 الجمعة ,08 أيلول / سبتمبر

بلينكن يشيد بـ«الصمود الاستثنائي» للأوكرانيين
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib