في القرضاوي تعالوا إلى كلمة سواء

في القرضاوي... تعالوا إلى كلمة سواء

المغرب اليوم -

في القرضاوي تعالوا إلى كلمة سواء

عبدالله بن بجاد العتيبي
بقلم : عبدالله بن بجاد العتيبي

مصارع الإرهابيين مختلفة، ونهاياتهم متعددة، ولكنهم جميعاً سعوا طوال حياتهم لنشر القتل والتفجير واستهداف الأبرياء، بالآيديولوجيا والخطاب، وبالجماعة والتنظيم، وبالفتاوى، فمن لم يباشر القتل بيده ساق لتنفيذه عشرات ومئات الأتباع المغيّبين عاطفياً والمختطفين ذهنياً.
تُوفي يوسف القرضاوي، الأسبوع الماضي، وليس سهلاً اختصار سيرته وتأثيره الممتد لأكثر من تسعة عقودٍ في مساحة ضيقة، ولكن يمكن تناول ذلك على طريقة «يكفي من القلادة ما أحاط بالعنق».
حسن البنا وكل مرشدي جماعة الإخوان المسلمين ليسوا فقهاء، وقد انتبه لذلك البنا، وسعى لاستقطاب بعض الأزهريين، كطنطاوي جوهري، لسدّ النقص في التنظيم، واستعان بمحمد الغزالي الذي تسلم الراية من بعده يوسف القرضاوي، وبالتغلغل في المؤسسات التعليمية والتعليم العالي بدأوا في تخريج فقهاء على مقاس التنظيم يخدمون الجماعة ويفتون لها دينياً بكل ما تحتاج إليه من تناقضات السياسة.
الاشتغال بالفقه والشريعة ليس مانعاً من الوصف بالإرهاب، وذكر القرآن الكريم «بلعام بن باعوراء»، ووصفه بالعلم، وذكر مصيره في سورة الأعراف: «واتل عليهم نبأ الذي آتيناه آياتنا فانسلخ منها فأتبعه الشيطان فكان من الغاوين». وفي التراث الإسلامي فقهاء معروفون ضلّوا وأضلوا، ومصادر الفرق الإسلامية تغص بنماذج يسردها كل طرفٍ لضلال فقهاء الطرف الآخر.
محاولة إضفاء هالة من التقديس حول القرضاوي هي استراتيجية إخوانية شاركتها فيها بعض الدول في المنطقة، مثل إيران وتركيا وغيرهما، لأنه يقدّم خدماته لهذه الدول بما يخدم سياساتها واستراتيجياتها، ويسمي مواقفه السياسية الحزبية ديناً وإسلاماً، وحديثه خطاباً دينياً، والجميع يعرف أنه خادمٌ لتوجهاتٍ سياسية ليس لها أي علاقة بالدين من قريبٍ أو بعيدٍ.
وُلِد القرضاوي سنة 1926، وعندما اغتالت جماعة الإخوان المسلمين رئيس الوزراء المصري محمد فهمي النقراشي 1948، كان عمر القرضاوي 22 سنة، وهو يقول عن تلك الجريمة الإرهابية ما نصه: «ولقد قابلنا - نحن الشباب والطلاب - اغتيال النقراشي بارتياحٍ واستبشار؛ فقد شفى غليلنا ورد اعتبارنا»، بل ومدح عبد المجيد حسن قاتل النقراشي شعراً بقوله:
«عبد المجيد تحية وسلام
أبشر... فإنك للشباب إمام
سممت كلباً، جاء كلبٌ بعده
ولكل كلبٍ عندنا سمّام». (من كتابه «ابن القرية والكتاب»).
بعد اغتيال النقراشي قُتل حسن البنا، بعدما قتل تنظيمه الخاص القضاة والوزراء، وفجر ودمّر، وقُتل سيد قطب إعداماً على حبل المشنقة، بعدما بث أفكاراً إرهابية متفجرة في زمنه ومستمرة إلى وقتنا الحالي، واغتيل عبد الله عزّام وبن لادن والزرقاوي والبغدادي وقاسم سليماني والظواهري. أما القرضاوي، فقد مات حتف أنفه على فراشه في دعة وبسطة عيشٍ.
والسؤال هنا أنه، ومع مرور عقودٍ من الزمن، هل تراجع القرضاوي عن حماسة الشباب وتطرف البدايات؟ الجواب هو أن تاريخه وكتبه وفتاواه وبرامجه المصوّرة كلها تؤكد أنه حوّل تلك الحماسة إلى منهجٍ، وتلك الأبيات إلى خطابٍ متكاملٍ من التبرير للإرهاب، وفتاوى تبرّر لكل إرهابي جريمته؛ فهو يجيز العمليات الانتحارية لقتل الأبرياء، ويشترط فقط أن تكون بأمر «الجماعة»، وهو أصدر فتوى بقتل القذّافي إبان الربيع العربي الأسود، وأصدر فتاوى بقتل مخالفي جماعة «الإخوان»، وكل حدثٍ إرهابي جرى في العقود الماضية من جماعة الإخوان المسلمين تجد القرضاوي يبرر ويفتي بشرعية ذلك الإرهاب.
للقرضاوي نقد لسيد قطب وبعض مواقف الجماعة ورموزها، ولكنه نقد داخلي ناعمٌ، ونقده لقطب انطلق من موقف شخصي حاقدٍ على قطب، حيث إن الأخير كان يشرف على إصدار نشراتٍ سرية ثورية لـ«الإخوان المسلمين» ضد الناصرية، ولم يكن يثق بالقرضاوي، وقال عنه في تلك النشرات: «إن القرضاوي والعسّال قد مرقا من الدعوة، وانضما إلى ركب الخونة، وعلى (الإخوان) أن يحذروا منهما».
القرضاوي ليس متسامحاً، بل يقول عن نفسه ومنهجه نصاً: «التيسير في الفتوى والتبشير بالدعوة»، ما يعني استخدام التسامح الفقهي لخدمة المشروع السياسي له ولجماعة الإخوان، وهو في العقد الأخير فقط خطف احتجاجات شباب مصر (فبراير «شباط» 2011)، وأفتى باغتيال وقتل رئيس دولة (فبراير 2011)، وهاجم الأزهر وشيخه أحمد الطيّب (فبراير 2012)، وسعى جهده من قبل ومن بعد ليصبح «الولي الفقيه السني»، ويلهث حياته خلف السلطة، كإخواني سياسي حزبي وليس كفقيه، وهو مثال لما قاله سفيان الثوري من أنّ «آخر ما يخرج من قلب الفقيه حبّ الرئاسة»، كيف لا وشيخه الصوفي بيومي العزوني في قريته أيام شبابه كان يناديه «أبا يوسف»، فلمّا استنكر القرضاوي وقال له: «أنا يوسف، ولست أبا يوسف»، قال الشيخ بيّومي: «ولكنّي أناديك بهذا وأقول لك ما قاله أبو حنيفة لصاحبه أبي يوسف: (لتأكلن الفالوذج على مائدة الملوك)».
ليس في الموت شماتة، ولكن فكر القرضاوي وخطابه وأنصاره ما زالوا يسعون للتأثير والتخريب، فيجب تعريف الكافة بخطره وخطر فكره، لا بتكفيره وإخراجه من الملَّة، ولا بسبه وشتمه، كما كان يفعل مع خصومه، بل بالتنبيه والتحذير منه ومن فكره وأتباعه، بذكر التاريخ والوقائع والأحداث، وسرد الأدوار والخطابات والفتاوى التي كان يروجها، وإظهار النتائج الكارثية على الناس لذلك كله، وإن كان ذكر الحقائق يدينه، فذلك فِعل يده ونتاج فكره.
تناقضات القرضاوي لا تنتهي؛ فحين يهاجم كل «المؤسسات الدينية» التقليدية ورموزها وفقهاءها ينشئ هو «الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين»، وعندما يهاجم بعض الدول العربية لسحب جنسية بعض الإرهابيين يصمت صمت القبور عن سحب جنسية آلاف في دولة أخرى، ومثل هذا كثيرٌ في فكره وخطابه.
القرضاوي صنّفته إرهابياً عدد من الدول العربية، بقوة القانون، وبجرائم ثابتة بحقه، في مصر والسعودية والإمارات، وهو أفتى بترك بعض أركان الإسلام لأسباب سياسية، وما موقفه من ركن الحج في سنواتٍ مضت إلا دليلٌ على أنه سياسي حزبي بحت لا علاقة له بالدين والفقه.
أخيراً، فتسمية «الصحوة الإسلامية» لوصف صعود حركات الإسلام السياسي كان القرضاوي مِن أول مَن أطلقها مفتخراً بها، وحين جاء الربيع العربي المشؤوم قال القرضاوي: «لكل زمان دولة ورجال... والليبراليون والعلمانيون أخذوا زمانهم، وهذا هو زماننا وزمان الإسلاميين» يعني «الزمن الأصولي».

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

في القرضاوي تعالوا إلى كلمة سواء في القرضاوي تعالوا إلى كلمة سواء



GMT 14:38 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

الحضارة بين العلم والفلسفة أو التقنية والإدارة

GMT 14:35 2024 الجمعة ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

التسمم بالرصاص وانخفاض ذكاء الطفل

GMT 17:39 2024 الخميس ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

أي تاريخ سوف يكتب؟

GMT 17:36 2024 الخميس ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

لا تَدَعوا «محور الممانعة» ينجح في منع السلام!

GMT 17:32 2024 الخميس ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

عودة ترمبية... من الباب الكبير

إطلالات الأميرة رجوة الحسين تجمع بين الرقي والعصرية

عمّان - المغرب اليوم

GMT 18:29 2024 الجمعة ,29 تشرين الثاني / نوفمبر

أخنوش يتباحث مع الوزير الأول لساو تومي
المغرب اليوم - أخنوش يتباحث مع الوزير الأول لساو تومي

GMT 17:27 2024 الجمعة ,29 تشرين الثاني / نوفمبر

النوم الجيد مفتاح لطول العمر والصحة الجيدة
المغرب اليوم - النوم الجيد مفتاح لطول العمر والصحة الجيدة

GMT 13:12 2020 السبت ,26 أيلول / سبتمبر

حظك اليوم برج الحوت السبت 26-9-2020

GMT 13:22 2021 الأحد ,19 أيلول / سبتمبر

نادي شباب الريف الحسيمي يواجه شبح الانقراض

GMT 06:23 2023 السبت ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

توقعات الأبراج اليوم السبت 11 نوفمبر/ تشرين الثاني 2023

GMT 11:08 2023 الجمعة ,08 أيلول / سبتمبر

بلينكن يشيد بـ«الصمود الاستثنائي» للأوكرانيين
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib