الرئيس ترمب و«تسييس العدالة»

الرئيس ترمب و«تسييس العدالة»

المغرب اليوم -

الرئيس ترمب و«تسييس العدالة»

عبدالله بن بجاد العتيبي
بقلم : عبدالله بن بجاد العتيبي

«لا أحد فوق القانون» يبدو مبدأً عادلاً ومحل اتفاقٍ، لكن توظيفه ضد ترمب كرئيس سابق لأميركا وفي قضية غريبة عجيبة أثارت فكرة مقابلة هي فكرة «تسييس العدالة»
مالئ الدنيا وشاغل الناس، دونالد ترمب، الرئيس السابق للولايات المتحدة الأميركية، والمرشح القوي لانتخابات الرئاسة المقبلة، يقف بعد يومين أمام محكمة في نيويورك بتهمة دفع أموالٍ لممثلة إباحية لشراء صمتها، وهو منذ خروجه على المشهد السياسي الأميركي، وبالتالي الدولي، وهو يثير الجدل في كل تصرفاته وتصريحاته.
هذه لحظة حاسمة، لا لتاريخ ترمب السياسي فحسب، بل ولتاريخ أميركا وديمقراطيتها ومبادئها وسمعتها الدولية، ولأن التوجهات السياسية تعتمد في الأساس على أفكارٍ، فقد تجلى الصراع بين الحزبين الكبيرين في أميركا بعد أن وصل أوجه بين الديمقراطيين برؤية أوباما، والجمهوريين عن هذه المحاكمة العجيبة، والفكرتان اللتان تصطرعان تجاه هذه المحاكمة هما فكرة الديمقراطيين «لا أحد فوق القانون»، وفكرة الجمهوريين «تسييس العدالة»، وكلتاهما فكرة صحيحة، لكنهما توظفان لأهدافٍ سياسيةٍ، ومن الجيد مراقبة تطورات كيف يمكن توظيف المبادئ والأفكار في معارك السياسة بقمة هرم الديمقراطية في العالم.
لا أحد داخل أميركا ولا خارجها، من أنصار الرئيس بايدن أو من خصومه، يعتقد أنه الرئيس الأفضل لأميركا، ولا أن أداءه داخل البيت الأبيض كان عظيماً وتاريخياً، هو رئيس تتناقل وسائل الإعلام أخطاءه وهناته في كل فترة مع كثير من التعليقات الساخرة والغمز واللمز، وهو تبنى سياساتٍ واتخذ قراراتٍ خطيرةٍ أميركياً ودولياً، فالانسحاب المستعجل الذي يشبه الهروب من أفغانستان وتسليمها لحركة «طالبان» كان أمراً أذهل حلفاء أميركا الغربيين قبل غيرهم حول العالم.
ومثل هذا الحدّة السياسية الكبيرة تجاه الحرب الروسية - الأوكرانية والدفع بها إلى الوصول إلى أمرين غير مسبوقين هما: تهديد النظام الدولي نفسه، والوصول إلى أقرب نقطة بالتهديد باستخدام السلاح النووي، وهذه الحدة هي من قراراته، ومعها تمّ الضغط على الحلفاء بشكل غير منطقي دفع كثيراً من دول العالم للبحث عن بدائل دولية عن أميركا، وهذه توجهات لها تبعاتها الداخلية والدولية المؤثرة في مقبل الأيام.
ترمب من جهته كشخص وكظاهرة في أميركا، لم يترك شاردةً ولا واردةً إلا تحدث فيها عن خصومه الديمقراطيين وعن الرئيس بايدن وإدارته وكل المؤسسات والجهات التي تدعم بايدن أو تقف على الحياد تجاهه، وهو يحسن اللعب على كل التوازنات التي تؤثر على الشعب الأميركي ويحسن مخاطبة أنصاره وتفسير الظواهر المعقدة لهم بطريقته وأسلوبه، وهو مدعومٌ بقوةٍ من عشرات الملايين من الأميركيين، بحسب نتائج الانتخابات الرئاسية الأخيرة، التي ما زال يصر على أنها مزوّرة وتم التلاعب بها.
الصراع المحتدم وغير المسبوق بين الحزبين الأميركيين، والانشقاق التاريخي داخل الشعب الأميركي، ليس بسبب ترمب، بل على العكس هو بسبب الانحراف الكبير الذي طرأ على الحزب الديمقراطي وتوجهه بقوة نحو اليسار أكثر مما اعتاد عليه الشعب الأميركي، وثماني سنواتٍ من حكم الرئيس الأسبق أوباما كانت كفيلة بإخراج ردٍ تاريخيٍ منطقيٍ على تلك التوجهات تمثّل في شخص الرئيس ترمب، ودون الدخول في جدلية الفعل ورد الفعل، ومن أثر على من، فإن ترمب عندما خرج على المشهد أحدث ضجةً كبرى داخلياً ودولياً تجاه أسلوبه الشخصي، وتصريحاته أكثر منها تجاه سياساته وقراراته التي تتسق أكثر مع تاريخ أميركا في العالم.
في منطقتنا، نحن غير معنيين بمن يأتي رئيساً لأميركا، فذلك خيار الشعب الأميركي نفسه ومؤسساته وتوازناته، ولكننا معنيون بالتعامل مع أميركا كأقوى دولة في العالم، وقد دفعت التغييرات السياسية في التوجهات الأميركية إبان فترتي أوباما وهذه الفترة، كثيراً من الدول في المنطقة وحول العالم إلى إعادة النظر في بناء التحالفات الدولية والتوازنات السياسية بما يخدم الواقع المعيش ويحقق الطموحات المستقبلية، وهكذا جرى.
محاولة الإدارة الحالية دفع كل دول العالم إلى الاختيار بين مع أو ضد في الحرب الروسية - الأوكرانية لم تحقق النجاح المطلوب، وكانت رهاناً سياسياً دفع بكثير من حلفاء أميركا للتفتيش عن مخارج بعيداً عنها، لأن التشدد السياسي في غير موضعه يفقد المصداقية أكثر مما يجلب التأييد، والعالم يشاهد منذ سنواتٍ التصاعد الهائل في القوة الصينية الاقتصادية، وبالتالي السياسية، ويشاهد أن التقارب الصيني - الروسي وصل إلى مستوى غير مسبوق بعد الزيارة الأخيرة للرئيس الصيني لموسكو.
في مثل هذا الصراع الدولي المحموم الذي دفعت أميركا العالم إليه وفي ضوء التهديدات الجدية غير المسبوقة للنظام الدولي، كان طبيعياً أن يخرج الرئيس الروسي بوتين ليعلن عن تبني بلاده استراتيجية جديدة للسياسة الخارجية تقدم الولايات المتحدة والغرب، على أنها «مصدر تهديدات وجودية» لموسكو، وأن بلاده تسعى لإرساء نظام دولي جديد.
قصة التفتيش عن نظامٍ دوليٍ جديدٍ قصة خطيرة وغير مسبوقةٍ في العقود الأخيرة من الزمن، وهي إن طرحت من قبل، فإنها لم تحظَ بهذا الحجم من المصداقية والإمكانية، وليس الدافع لذلك هو قوة روسيا والصين متفرقتين أو مجتمعتين فحسب، بل هو أكثر في التغييرات الكبرى التي طرأت على الاستراتيجية الأميركية ورؤيتها للعالم وتعاملها مع دوله، والتشدد في سياساتٍ تبعد الحلفاء وتشككهم في مصداقية أميركا ووفائها بالتزاماتها وقدرتها على تحقيق مصالح الحلفاء وحمايتها والحفاظ عليها.
عوداً على بدء، فإن الصراع داخل أميركا بين «لا أحد فوق القانون» و«تسييس العدالة» يثير الجدل في تفاصيله، وإن المبادئ وإن كانت محل اتفاقٍ فإن طرق تفسيرها وتوظيفها هي التي تثير المشكلات، والشيطان يكمن في التفاصيل.
«لا أحد فوق القانون» يبدو مبدأً عادلاً ومحل اتفاقٍ، ولكن توظيفه ضد ترمب كرئيس سابق لأميركا وفي قضية غريبة عجيبة أثارت لدى المواطن الأميركي ولدى كثير من المتابعين حول العالم فكرة مقابلة هي فكرة «تسييس العدالة»، وأنه حتى في أعتى الديمقراطيات في العالم يمكن أن تدفع الصراعات المحتدمة بين البشر، أفراداً وتياراتٍ وأحزاباً، إلى التفتيش عن مخارج صغيرةٍ وغريبةٍ للقضاء على الخصوم والنيل منهم، وإن عبر إجراءاتٍ تشكك في «العدالة» ومؤسساتها وقيمتها المطلقة مبادئ وأنظمةً، خصوصاً حين وضعها في سياق تطورات هذا الصراع المحتدم بين فرقاء السياسة داخل أميركا وتجاه شخص الرئيس السابق ترمب.
أخيراً، فهذه لحظة تاريخيةٌ ضمن سياق صراعٍ محتدمٍ أصبح معروفاً ستثير كثيراً من الجدل، وستبقى نتائجها للتاريخ.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الرئيس ترمب و«تسييس العدالة» الرئيس ترمب و«تسييس العدالة»



GMT 14:38 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

الحضارة بين العلم والفلسفة أو التقنية والإدارة

GMT 14:35 2024 الجمعة ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

التسمم بالرصاص وانخفاض ذكاء الطفل

GMT 17:39 2024 الخميس ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

أي تاريخ سوف يكتب؟

GMT 17:36 2024 الخميس ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

لا تَدَعوا «محور الممانعة» ينجح في منع السلام!

GMT 17:32 2024 الخميس ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

عودة ترمبية... من الباب الكبير

إطلالات الأميرة رجوة الحسين تجمع بين الرقي والعصرية

عمّان - المغرب اليوم

GMT 18:29 2024 الجمعة ,29 تشرين الثاني / نوفمبر

أخنوش يتباحث مع الوزير الأول لساو تومي
المغرب اليوم - أخنوش يتباحث مع الوزير الأول لساو تومي

GMT 17:27 2024 الجمعة ,29 تشرين الثاني / نوفمبر

النوم الجيد مفتاح لطول العمر والصحة الجيدة
المغرب اليوم - النوم الجيد مفتاح لطول العمر والصحة الجيدة

GMT 13:12 2020 السبت ,26 أيلول / سبتمبر

حظك اليوم برج الحوت السبت 26-9-2020

GMT 13:22 2021 الأحد ,19 أيلول / سبتمبر

نادي شباب الريف الحسيمي يواجه شبح الانقراض

GMT 06:23 2023 السبت ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

توقعات الأبراج اليوم السبت 11 نوفمبر/ تشرين الثاني 2023

GMT 11:08 2023 الجمعة ,08 أيلول / سبتمبر

بلينكن يشيد بـ«الصمود الاستثنائي» للأوكرانيين
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib