المؤدلجون في الأرض

المؤدلجون في الأرض

المغرب اليوم -

المؤدلجون في الأرض

عبدالله بن بجاد العتيبي
بقلم - عبدالله بن بجاد العتيبي

الأيديولوجيا المتطرفة خير أداةٍ بيد أي راغبٍ في حشد الناس وتهييج الجماهير وتقسيم المجتمعات، وهي تنجح دائماً لأنها تنخر في العقول والقلوب، ونماذج التاريخ لا تنتهي وشواهد الحاضر لا تنقضي، فتحويل الإنسان إلى كائنٍ مؤدلجٍ متطرفٍ يجعل منه قنبلة موقوتة ضد العالم كله، وضد دولته ومجتمعه وعائلته، ولن ينسى الناس جرائم بعض إرهابيي «تنظيم داعش» و«القاعدة» في قتل والديهم وإخوتهم وأقاربهم الأدنين.
وفي التاريخ العربي الحديث نماذج لهؤلاء المؤدلجين، من الشيوعيين بأطيافهم وعداوتهم لبعضهم البعض، إلى القوميين من ناصريين وبعثيين وصراعاتهم المدمرة فيما بينهم، وصولاً إلى «الإسلامويين» الأصوليين الذين سيطروا على المشهد العام في كثير من الدول العربية والإسلامية عقوداً من الزمن، ولا زال تأثيرهم قابعاً في العقول والقلوب، على الرغم من كل التطور الجاري في مواجهتهم في بعض الدول، ولكن تغيير العقول يحتاج وقتاً كافياً حتى يؤتي ثماره.
كتب الأستاذ الكبير تركي الحمد - بعد طول انقطاع - لا تعليقاً مباشراً على الأحداث الآنية اليوم، بل تحليل محكم ومهم للأفكار الرئيسة التي تقف في خلفيتها، فكان مقاله بعنوان «إدانة النازية ركيزة لإدانة الصهيونية» وقال في مطلعه محقاً: «الأيديولوجيا الشمولية بطبيعتها لا بد وأن تكون إقصائية انتقائية، رافضة للآخر – أي آخر وكل آخر – من باب أنها وحدها من يمثل الحق المطلق، والخير المطلق، والنور المطلق. فالشيوعية والإسلاموية والفاشية والصهيونية وغيرها، هي أنماط من الأيديولوجيا الشمولية التي تنطبق عليها صفات العزل والانتقاء وزعم المطلق في كل شيء»، وهو يعيد إلى الذاكرة تنظيراته الفكرية والسياسية البارعة في كتابه القديم الجديد «دراسات أيديولوجية في الحالة العربية»، الصادر مطلع التسعينيات الميلادية.
يحتاج الناس كثيراً لاستحضار مثل هذا النقاش الفكري العميق الذي يتناول خلفيات الأحداث والأفكار والفلسفات التي تقف خلفها، وطبيعة الصراعات التي خيضت وتخاض فيما بينها، بعيداً عن كل منتجات ورموز «التفاهة الممنهجة»، التي باتت تطغى على المشهد الإنساني في منطقتنا وفي العالم بأسره.
في مارس 2005 نشر كاتب هذه السطور مقالة بعنوان «تشابه الأيديولوجيون علينا»، جاء فيها: «أخذت الأصولية الإسلامية أو (الصحوة) في الانتشار أفقياً في المجتمعات العربية، واستخدمت الدين كشعار حزبي وأيديولوجيا سلطوية لتجييش الشارع خلف مشروعها السياسي، وساعدت عدة عوامل داخلية وخارجية في نمو المدّ الأصولي»، ومفهوم «الأصولية» مثل مفهوم «الأيديولوجيا» هو مفهوم فلسفي محكمٌ يعبر تعبيراً دقيقاً عن المعنى المقصود، وفي قصة تمنح نموذجاً لـ «التفاهة الممنهجة»، فقبل ما يقارب العقد من الزمان قام محررٌ نجيبٌ في صحيفة عربيةٍ دارجةٍ فيها بابان ثابتان تحت اسم «الأصولية» برفض نشر أي مقالةٍ تتضمن مفهوم «الأصولية» ويضع بدلاً عنها مصطلح «الراديكالية»، ويستكتب باحثين حسب الطلب ليردوا على كتاب صحيفته وهو في الآن نفسه لم يغير مسميات أبواب صحيفته الثابتة.
«المؤدلجون في الأرض» أكثر خطراً وأكبر ضراراً في زمن «التفاهة الممنهجة»، لأنهم بقليل من التخفي يستطيعون خداع كثير من الناس وبالذات من يسمون بـ «المؤثرين» أو «المشاهير» من نجوم «السوشيال ميديا» الذين لا يفرقون بين الحصول على المعلومات المجردة وبين القدرة على التدقيق والتمحيص والفرز، فضلاً عن إتقان التحليل والتركيب والخلوص إلى أفكار واضحة ونتائج مبرهنة.
أخيراً، فلئن كتب طه حسين نهاية الأربعينيات الميلادية كتابه «المعذبون في الأرض»، ليحكي معاناة الناس في قصص أدبية مؤثرةٍ فكُتّاب اليوم مطالبون بتوضيح من هم «المؤدلجون في الأرض» من كل دينٍ وعرقٍ ومذهبٍ وطائفة، ليحكوا معاناة البشر من هؤلاء المؤدلجين المتطرفين وخطاباتهم وأفكارهم.

 

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

المؤدلجون في الأرض المؤدلجون في الأرض



GMT 14:38 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

الحضارة بين العلم والفلسفة أو التقنية والإدارة

GMT 14:35 2024 الجمعة ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

التسمم بالرصاص وانخفاض ذكاء الطفل

GMT 17:39 2024 الخميس ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

أي تاريخ سوف يكتب؟

GMT 17:36 2024 الخميس ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

لا تَدَعوا «محور الممانعة» ينجح في منع السلام!

GMT 17:32 2024 الخميس ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

عودة ترمبية... من الباب الكبير

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ المغرب اليوم
المغرب اليوم - المغرب يفقد 12 مركزاً في تصنيف مؤشر تنمية السياحة والسفر لعام 2024

GMT 08:59 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

أطعمة ومشروبات تساعد في علاج الكبد الدهني وتعزّز صحته
المغرب اليوم - أطعمة ومشروبات تساعد في علاج الكبد الدهني وتعزّز صحته

GMT 02:13 2018 الأربعاء ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

تمثال لدبين قطبيين يُثير ذهول عملاء مركز تسوق

GMT 07:35 2016 الأحد ,18 كانون الأول / ديسمبر

أفضل مناطق لسياحة التزلج على الجليد في أوروبا

GMT 14:22 2023 الأحد ,18 حزيران / يونيو

زلزال بقوة 3.2 درجة تضرب ولاية "مانيبور" الهندية

GMT 19:58 2020 الخميس ,09 كانون الثاني / يناير

أسماك القرش تنهش جثة لاعب كرة قدم في أستراليا

GMT 18:31 2019 الأحد ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

تشابي ألونسو يؤكد جوارديولا سبب رحيلي عن ريال مدريد

GMT 21:58 2019 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

لطيفة رأفت تلهب مواقع التواصل الاجتماعي بمظهر جذاب

GMT 19:58 2019 الأربعاء ,23 تشرين الأول / أكتوبر

دراسة تكشف عن قدرات النمل في علاج نفسه والنباتات

GMT 16:57 2019 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

تأجيل مباراة الرجاء البيضاوي ورجاء بني ملال

GMT 13:23 2019 الثلاثاء ,01 تشرين الأول / أكتوبر

لعبة SPIDER-MAN الأكثر مبيعا داخل اليابان في سبتمبر

GMT 15:35 2019 الأربعاء ,27 آذار/ مارس

وفاة شخص في حادثة سير خطيرة وسط الدار البيضاء
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib