النفوذ الإيراني و«الشرق الأوسط الأخضر»

النفوذ الإيراني و«الشرق الأوسط الأخضر»

المغرب اليوم -

النفوذ الإيراني و«الشرق الأوسط الأخضر»

عبدالله بن بجاد العتيبي
بقلم : عبدالله بن بجاد العتيبي

«نشر النفوذ» و«بسط الهيمنة» عبر «تصدير الثورة» استراتيجية إيرانية معلنة يعرفها العالم، لا تحتاج إلى دليل ولا برهان، وقد ظلت هذه الاستراتيجية تعمل منذ قيام «ثورة الخميني» 1979 حتى اليوم، ولا تبدي إيران أي تغيير مستقبلي تجاهها؛ فهي «عقيدة النظام» و«آيديولوجيا السلطة» التي تزداد رسوخاً واستقراراً.
شهدت هذه الاستراتيجية الإيرانية تغييراتٍ كبرى وصغرى على مدى أربعة عقودٍ في كيفية تحقيق هذه الاستراتيجية، وبلوغ تلك الغاية؛ من «الخميني» إلى «خامنئي»، ولكنها أبداً لم تحِد عن غايتها، ولم تراجع هدفها، وهي تستهدف الدول العربية بشكل مباشرٍ ومعلنٍ، وتجلياتها ظاهرة بشكل مكثفٍ في العراق ولبنان، كما في سوريا واليمن مع تحركاتٍ في بعض دول الخليج العربي، عبر خلايا التجسس والإرهاب، مع نشاط دولي في تجارة المخدرات وغسل الأموال وعمليات الإرهاب.
النماذج الأربعة الرئيسية للنفوذ الإيراني في الدول العربية المذكورة أعلاه، وإن توحدت غايتها، فإن بينها اختلافات «تكتيكية» يُمكن رصدها. ففي العراق، ملَّ الشعب العراقي من الأحزاب والميليشيات التابعة بشكل صارخٍ لإيران، ثمّ وبعملٍ سياسي محكم استطاع العراقيون المخلصون الانتصار في الانتخابات الأخيرة، وكسر هيمنة إيران ورموزها وأحزابها وميليشياتها بدعمٍ عربي ودولي، ولم تصمت إيران ولا يُتوقع منها ذلك، بل ملأت وأتباعها الدنيا ضجيجاً وتهديداً وإرهاباً، والقصة لم تنتهِ بعد، ولكن نتائج هذه الانتخابات أثبتت أن «النفوذ الإيراني» ليس «قدراً» بالمنطق الديني ولا «حتمية تاريخية» بالمنطق الماركسي، بل هي ألاعيب السياسة وصراع الاستراتيجيات.
في لبنان القصة مختلفة؛ فممثل إيران العلني والصريح هو «حزب الله» ومعه «حركة أمل»، وقد تمكنّا من إفشال الدولة اللبنانية بغطاء كامل من «التيار العوني» الذي يمثل «عودة الحطام»، إذا استحضرنا عنوان المفكر اللبناني أمين الريحاني الذي كان يحلم بـ«تجاوز الحطام» والشعب اللبناني مغلوبٌ على أمره، وقد فشلت كل قياداته وأحزابه وتياراته في إيجاد مخرجٍ له أو صناعة أي أملٍ كذلك الذي جرى في العراق، وقد توقف الجميع عن المحاولة، وتوقفت الدول العربية عن الدعم، فلا أحد يتبنى القضايا الفاشلة حين يتخلى عنها أصحابها أو يعملون ضدها.
في اليمن، ميليشيا الحوثي هي جيش إيراني صريحٌ لا تعنيه الدولة اليمنية ولا الشعب اليمني في شيءٍ، وهي غائبة تماماً عن مناطق الجنوب اليمني إلا من بعض المناوشات، وسيطرتها الرئيسية في المناطق التي تمثل كثافة «زيدية»، وتحركاتها وتوسعها تتم باتجاه الاقتراب من الموارد النفطية والحدود السعودية، وتسهل عملياتها حين يكون ثمة نفوذ لـ«جماعة الإخوان المسلمين»، ولولا السعودية و«التحالف العربي» لكانت القصة هناك قد تغيرت كثيراً نحو الأسوأ.
في سوريا، يبدو نظام الأسد بين كماشتين، روسيا وإيران، وهما تتصارعان على النفوذ والمناطق والولاءات، وبالمقابل تبدو إسرائيل متيقظة لاستراتيجية إيران في سوريا والمنطقة وواعية بطموحاتها وأهدافها، وهي تعمل مع أميركا وروسيا التي زارها رئيس وزرائها مؤخراً، وتعمل مع العديد من دول العالم للجم هذه الاستراتيجية الإيرانية.
لا أحد في العالم ينكر هذه الاستراتيجية التوسعية الإيرانية، ولا أحد في العالم يجحد أنها تقوم على آيديولوجيا ثيوقراطية أصولية متطرفة، ولكن لا أحد في العالم معني بمواجهتها، والسبب هو أن أميركا قائدة العالم والدول الغربية غير مستعدة للمواجهة بأي شكلٍ من الأشكال، وهي تتشبث بـ«الاتفاق النووي» بشكل يائس، وإيران ترفض التفاوض، وتُحرِز تقدماً ملحوظاً في صناعة سلاحٍ نووي مدمِّرٍ، وهو ما حذر منه صراحة قبل سنواتٍ ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان.
يعجز البعض عن استيعاب تأثير الأفكار والمفاهيم وخطورتها في الواقع المعيش، فـ«الطائفية» و«الأصولية» و«السنة» و«الشيعة» و«الحاكمية» و«الجاهلية» وما إليها... هي مفاهيم ماضوية مرفوضة، وبالتالي يجب أن يغض الطرف عن أثرها المدمر في الواقع، وهذا منطق مغلوطٌ، لأنه يلغي «منطق التاريخ» و«طبيعة البشر» و«قوة الآيديولوجيا»، ولا يتنبه هؤلاء إلا بعدما تتحول هذه المفردات إلى واقعٍ جديدٍ على الأرض يؤثر في حياة البشر ومصالح الدول وصناعة المستقبل.
وتبعاً لهذا العمى الفكري يتمّ الانحياز لبعض التيارات الفكرية العالمية التي تشكل داعماً رئيسياً لكل طموحات التوسع، وبسط الهيمنة والنفوذ الإيراني، وعلى رأسها تيار «اليسار العالمي»، سواء كان «يساراً تقليدياً»، أم «يساراً أوروبياً»، أم «يساراً ليبرالياً» في أميركا، وكما تغنّى «اليسار العالمي» بـ«الخميني» وثورته، وعجزوا عن فهمه وفهم آيديولوجيته، وأصبحت مواقفهم فضيحة تاريخية لهم، فإن «اليسار الليبرالي» الأميركي يرتكب الخطأ القديم نفسه، ولكن بمنطق وأدوات تطورت بشكل طبيعي، ضمن عوامل ومعطيات مختلفة، ولكنها في النتيجة تؤدي للغرض نفسه.
التقليد الأعمى يفتقر لأبجديات العلم، وأكثر من هذا؛ فهو مؤذٍ ومضرٍ حين يتم تطبيقه عملياً وواقعياً، وبالذات حين تختلف المعطيات وتتضاد المصالح وتتناقض الأولويات، فالمواطن العربي في البلدان التي تسيطر عليها إيران، لا يعنيه كثيراً أن حزباً سياسياً في أميركا أو أوروبا ينادي بـ«حرية الدراما والفنون»، وتدعمه «هوليوود»، ويدافع عن «حقوق السود»، أو ربما يدعم «تيارات الشذوذ الجنسي»، فما يعنيه ويشكل هاجساً حقيقياً لديه هو ألا يحتله «المستعمر الجديد»، وألا يدمّر دولته «المحتلّ الإيراني»، وألا يقتل عائلته «الحزب الإلهي»، أو «الميليشيا الطائفية»، أو «التنظيم الإرهابي».
السعودية، ومعها العديد من الدول العربية، صريحة في رفضها «المشروع النووي» الإيراني، وصريحة في رفضها التدخل في الشؤون الداخلية للدول العربية، وصريحة في إدانتها «الصواريخ الباليستية» الإيرانية، ولكن هذا لا يمنع «التفاوض المباشر» مع النظام الإيراني بدلاً من انتظار نتائج «مفاوضات فيينا» بين الغرب وإيران؛ فالسياسة في نهاية المطاف هي التي تحقق المصالح وتحمي السيادة، وتصنع المستقبل وليست مواقف آيديولوجية جامدة.
أخيراً، فلفهم تناقض المشاريع الكبرى في المنطقة، فالسعودية على سبيل المثال هي أهم دولة في العالم تؤثر في أسواق الطاقة، وهذا أمرٌ لا يجادل فيه أحد، وقد لمَّح له الرئيس الأميركي بايدن مؤخراً، ولكنها في الوقت ذاته هي التي تطلق مبادراتٍ دولية تعنى بمشكلات الكوكب المتعلقة بحماية البيئة والمناخ وتغيراته وتحدياته، و«السعودية الخضراء» و«الشرق الأوسط الأخضر» مبادرتان سعوديتان كبيرتان، وتنعقد لهما «قمة» في الرياض بعد يوم من نشر هذه المقالة، يشارك فيها زعماء العالم، وصُناع القرار فيه رسمياً واقتصادياً ومدنياً.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

النفوذ الإيراني و«الشرق الأوسط الأخضر» النفوذ الإيراني و«الشرق الأوسط الأخضر»



GMT 14:38 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

الحضارة بين العلم والفلسفة أو التقنية والإدارة

GMT 14:35 2024 الجمعة ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

التسمم بالرصاص وانخفاض ذكاء الطفل

GMT 17:39 2024 الخميس ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

أي تاريخ سوف يكتب؟

GMT 17:36 2024 الخميس ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

لا تَدَعوا «محور الممانعة» ينجح في منع السلام!

GMT 17:32 2024 الخميس ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

عودة ترمبية... من الباب الكبير

إطلالات الأميرة رجوة الحسين تجمع بين الرقي والعصرية

عمّان - المغرب اليوم

GMT 18:29 2024 الجمعة ,29 تشرين الثاني / نوفمبر

أخنوش يتباحث مع الوزير الأول لساو تومي
المغرب اليوم - أخنوش يتباحث مع الوزير الأول لساو تومي

GMT 17:27 2024 الجمعة ,29 تشرين الثاني / نوفمبر

النوم الجيد مفتاح لطول العمر والصحة الجيدة
المغرب اليوم - النوم الجيد مفتاح لطول العمر والصحة الجيدة

GMT 13:12 2020 السبت ,26 أيلول / سبتمبر

حظك اليوم برج الحوت السبت 26-9-2020

GMT 13:22 2021 الأحد ,19 أيلول / سبتمبر

نادي شباب الريف الحسيمي يواجه شبح الانقراض

GMT 06:23 2023 السبت ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

توقعات الأبراج اليوم السبت 11 نوفمبر/ تشرين الثاني 2023

GMT 11:08 2023 الجمعة ,08 أيلول / سبتمبر

بلينكن يشيد بـ«الصمود الاستثنائي» للأوكرانيين
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib