إيران تبحث بدأب عن نسختها من غورباتشوف

إيران تبحث بدأب عن نسختها من غورباتشوف

المغرب اليوم -

إيران تبحث بدأب عن نسختها من غورباتشوف

أمير طاهري
بقلم - أمير طاهري

هل يمكن أن يصبح بزشكيان غورباتشوف إيران؟ تصدَّر هذا العنوان، الذي يشير إلى الرئيس المنتخب مسعود بزشكيان، إحدى الصحف اليومية الصادرة في طهران، الثلاثاء، ليثير سيلاً من التعليقات.

من جهته، وصف كاتب المقال بزشكيان بأنه رجل يحظى بثقة النظام، مما يجعله قادراً على إدخال إصلاحات لم يسمِّها الكاتب، لإنقاذ إيران من مخاطر لم يسمِّها هي الأخرى. وهذه ليست المرة الأولى التي تدعو فيها عناصر مطّلعة من الداخل إلى إقرار تعديلات في مساره.

في الواقع، كان أول من فعل ذلك، هو الخميني، الذي أصدر بياناً إصلاحياً من ثماني نقاط، والذي لو كان قد تم تنفيذه ربما كان ليجعل إيران دولة ديمقراطية على الطراز الاسكندنافي من دون نظام ملكي. وغنيٌّ عن القول، بطبيعة الحال، إن هذا لم يحدث.

بدلاً عن ذلك، عايشت الأمة الإيرانية عمليات إعدام جماعية، والمضي قدماً في حرب ضد العراق بدا واضحاً أنه من المتعذر الانتصار فيها، ناهيك بتفشي الفساد على نطاق هائل. وبعد عقد، جاء دور الرئيس هاشمي رفسنجاني ليتنكر في هيئة بطل الإصلاح.

ومع ذلك، فإنه نظراً لأنه بحلول ذلك الوقت لم يحرز برنامج ميخائيل غورباتشوف الإصلاحي وسياسة البيريسترويكا التي تبناها أي نتائج إيجابية ملموسة، أطلق رفسنجاني على نفسه لقب «جنرال إعادة الإعمار»، متخذاً من الحاكم الفعلي للصين آنذاك، دينغ شياو بينغ نموذجاً له. وكانت الرسالة: لا حريات سياسية، بل نمو اقتصادي وتوزيع للدخل بوتيرة أسرع.

ومثلما كان متوقعاً، سرعان ما اتضح أن نموذج دينغ لن ينجح في إيران، بخاصة أن الجمهورية الإيرانية كانت مختلفة عن الجمهورية الشعبية.

في العقد التالي، جاء دور محمد خاتمي ليرتدي عباءة الإصلاح في أثناء توليه الرئاسة. وكان لدى خاتمي طموح أكبر: تصحيح أخطاء النهضة الأوروبية، وتحويل إيران إلى نموذج يُحتذى به للبشرية بأسرها. إلا أن ما حدث كان مختلفاً. فقد شهدت إيران موجة جديدة من الإعدامات، وسلسلة من أعمال القتل والاختفاء بحق معارضين حقيقيين أو متخيَّلين، بالتزامن مع تردي الأوضاع الاقتصادية.

في المقابل، اتسم خليفته محمود أحمدي نجاد بقدر كافٍ من الحكمة دفعه للالتزام بالتراتيل الخمينية عبر الدعوة إلى تدمير إسرائيل، والوعد «بطرد» «الشيطان الأكبر» الأميركي من الشرق الأوسط. بعد ذلك، جاء دور حسن روحاني في الرئاسة، لإحياء فكرة غورباتشوف عبر قبول وضع الجمهورية الإيرانية تحت وصاية ما تسمى مجموعة 5+1 بقيادة الولايات المتحدة. وبعد ثماني سنوات، ودّع منصبه، تاركاً إيران أكثر عزلة وفقراً، وأكثر تضرراً من الفساد والعنف.

من جهته، كان لينين أول مصلح في الاتحاد السوفياتي. عام 1921 كتب في رسالة إلى عضو المكتب السياسي ليف كامينيف: «لقد أسسنا ديكتاتورية البروليتاريا، لكنّ هناك عدداً قليلاً من العمال في الحزب. ولإنعاش الاقتصاد، نحتاج إلى تعاون قطاعات من البرجوازية». بعد ذلك، قدم برنامجه للبيريسترويكا، تحت عنوان السياسة الاقتصادية الجديدة. وبموجب هذه السياسة، سيحافظ الحزب على ديكتاتورية البروليتاريا من دون البروليتاريا ويسمح للبرجوازية بإصلاح الاقتصاد. كما يميل الناس إلى نسيان أن ستالين، بعد أن تسبب في وفاة عشرات الملايين جراء سياسته للتنظيم الجماعي، حاول هو الآخر إنشاء نسخته من لعبة غورباتشوف. وبالمثل، وبعد أن فاز بالسلطة بعد صراع دام سبعة أشهر ضد الستالينيين المتشددين، أمضى نيكيتا خروشوف ثلاث سنوات في تعزيز وضعه، قبل أن يطلق مبادرة على غرار غورباتشوف في المؤتمر العشرين للحزب الشيوعي السوفياتي عام 1956. وندد بعبادة شخصية ستالين، لكنه سرعان ما اكتشف أن النظام السوفياتي، لا يمكنه أن يتجاوز المسافة المسموح بها بعيداً عن المقود الآيديولوجي.

إن أولئك الذين يخدعون أنفسهم بالاعتقاد بأن النظام الآيديولوجي يمكن إصلاحه يبحثون دوماً عن شخص ليس لديه ملف آيديولوجي واضح، وسيرة ذاتية مفتوحة على تأويلات مختلفة. وجدير بالذكر أنه عام 1921 لم يكن لينين معروفاً بعد بأنه المستبد الوحشي الذي كان عليه. ولم يتضح المدى الحقيقي لجرائمه حتى عام 1956. وكان يجري النظر إلى ستالين بوصفه «أبو الأمم» أو «العم جو» المحبوب.

من ناحيته، كانت للخميني سيرة سياسية هزيلة تتألف من خطابين مكتوبين بصياغة رديئة، وعشرات المقابلات التي أجراها مراسلون متجولون في باريس. وعام 1981، لم تكن الطبيعة الحقيقية لنظامه واضحة كما أصبحت بعد عقد. وبالمثل، كانت سيرة غورباتشوف هزيلة بوصفه عضواً داخل الحزب الذي صعد درجاته عبر الوقوف ساكناً وعدم فعل أي شيء، ومن خلال كونه لا شيء. وعندما جاء إلى لندن للترقية لمقابلة مارغريت تاتشر، حمل سيرة ذاتية لا تتجاوز عشرة أسطر، تشير إليه بوصفه المسؤول الزراعي الأول داخل اللجنة المركزية، والذي صعد ليصبح رئيس الحزب، ثم رئيس الاتحاد السوفياتي.

باختصار، بدا غورباتشوف وجهاً فارغاً يمكن للمرء أن يرسم عليه الوجه المثالي للزعيم السوفياتي.

اليوم، يقدم الرئيس الإيراني المنتخب بزشكيان هذا النوع من الوجه الفارغ. وبالفعل، تبدو سيرته الذاتية الهزيلة منفتحة على مجموعة متنوعة من الصور الخيالية. عام 1978 عندما اندلعت انتفاضة الملالي، كان صغيراً للغاية لدرجة لا تجعله مدركاً حتى لما كان يحدث. وبعد عام واحد، نجحت «الثورة» في غضون أربعة أشهر فقط من المظاهرات، جرى في أثنائها حرق دور السينما والمقاهي، وغير ذلك من الحيل، معظمها داخل طهران -وهي فترة ليست كافية لأي شخص لبناء سيرة ذاتية ثورية. على أي حال، كان بزشكيان بعيداً في تبريز، حيث لم تكن هناك خلايا ثورية سرية تقاتل عند المتاريس، أو حتى ترفع عَلم بني هاشم. كان بزشكيان واحداً من آلاف أصبحوا ثوريين بعد نجاح الثورة.

وعلى النقيض من أسلافه، فقد استمر بقاؤه على هامش النظام، وبالتالي ظل وجهاً فارغاً يمكن أن نرسم عليه وجهاً يشبه غورباتشوف أو باراك أوباما. والحقيقة أنه لم يفعل شيئاً، ولا يستطيع أن يزعم أنه شخص مميز، وربما يساعده كذلك في الفوز بجائزة نوبل للسلام كما حدث مع أوباما، أو حتى غورباتشوف.

 

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

إيران تبحث بدأب عن نسختها من غورباتشوف إيران تبحث بدأب عن نسختها من غورباتشوف



GMT 14:38 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

الحضارة بين العلم والفلسفة أو التقنية والإدارة

GMT 14:35 2024 الجمعة ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

التسمم بالرصاص وانخفاض ذكاء الطفل

GMT 17:39 2024 الخميس ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

أي تاريخ سوف يكتب؟

GMT 17:36 2024 الخميس ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

لا تَدَعوا «محور الممانعة» ينجح في منع السلام!

GMT 17:32 2024 الخميس ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

عودة ترمبية... من الباب الكبير

إطلالات الأميرة رجوة الحسين تجمع بين الرقي والعصرية

عمّان - المغرب اليوم

GMT 00:54 2024 الجمعة ,29 تشرين الثاني / نوفمبر

روحي فتوح لتولّي رئاسة السلطة الفسطينية حال شغور المنصب
المغرب اليوم - روحي فتوح لتولّي رئاسة السلطة الفسطينية حال شغور المنصب

GMT 22:21 2024 الخميس ,28 تشرين الثاني / نوفمبر

ترامب يناقش إبعاد بعض وسائل الإعلام من البيت الأبيض مع نجله
المغرب اليوم - ترامب يناقش إبعاد بعض وسائل الإعلام من البيت الأبيض مع نجله

GMT 18:29 2024 الجمعة ,29 تشرين الثاني / نوفمبر

أخنوش يتباحث مع الوزير الأول لساو تومي
المغرب اليوم - أخنوش يتباحث مع الوزير الأول لساو تومي

GMT 17:27 2024 الجمعة ,29 تشرين الثاني / نوفمبر

النوم الجيد مفتاح لطول العمر والصحة الجيدة
المغرب اليوم - النوم الجيد مفتاح لطول العمر والصحة الجيدة

GMT 13:12 2020 السبت ,26 أيلول / سبتمبر

حظك اليوم برج الحوت السبت 26-9-2020

GMT 13:22 2021 الأحد ,19 أيلول / سبتمبر

نادي شباب الريف الحسيمي يواجه شبح الانقراض

GMT 06:23 2023 السبت ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

توقعات الأبراج اليوم السبت 11 نوفمبر/ تشرين الثاني 2023

GMT 11:08 2023 الجمعة ,08 أيلول / سبتمبر

بلينكن يشيد بـ«الصمود الاستثنائي» للأوكرانيين
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib