الموت الثاني للجنرال في بغداد

الموت الثاني للجنرال في بغداد

المغرب اليوم -

الموت الثاني للجنرال في بغداد

أمير طاهري
أمير طاهري

أحسنت صنعاً يا عراق!

كانت هذه العبارة التي طرأت على ذهني تلقائياً اليوم السابق مع إنجاز أحدث انتخابات عامة في العراق دونما وقوع حوادث. وبدت هذه التهنئة مستحقة لأسباب عدة؛ أولاً: تكشف الانتخابات التي شهدها الأسبوع الماضي، وهي الخامسة منذ التحرير عام 2003، أنه رغم الانتصارات والانتكاسات التي سببتها العقبات التاريخية والثقافية على الطريق، لا تزال عملية التحول إلى الديمقراطية مستمرة في طريقها.

كما أعادت هذه الانتخابات التأكيد على الإجماع الذي لا يقدر بثمن الذي جرى التوصل إليه بين جموع العراقيين من مختلف الأطياف السياسية حول فكرة أن الفوز وتقلد السلطة مشروع فقط من خلال التعبير الحر للأفراد عبر الانتخابات. ومع أن لا شيء في التاريخ يمكن تحويل مساره نحو الاتجاه المقابل، فإن الحقبة التي سادت خلالها الثقافة التقليدية القائمة على أن الفوز بالسلطة أو خسارتها يجري عبر عمليات التمرد أو الانقلابات العسكرية أو أعمال الشغب في الشوارع أو الغزو الأجنبي أو اغتيال الحاكم، ربما تكون قد ولت من العراق إلى غير رجعة.
ونظراً لأن البرلمان يشكل القناة الوحيدة لممارسة سلطات الشعب، فإن نتائج الانتخابات ستحدد من سيخدم في منصبي رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء.
علاوة على ذلك، فإنه نظراً لاتباع نظام التمثيل النسبي، فإنه لم يعد بمقدور أي طائفة أو حزب أو مجموعة الفوز بسيطرة احتكارية للسلطة.
وفي بلد عانى على مدار عقود من نظام الحزب الوحيد الوحشي، تحظى الانتخابات اليوم بقوة علاجية تتمثل في إقرار الوحدة في التنوع.
في الواقع، فإن حقيقة إجراء الانتخابات في حد ذاتها تدعو للاحتفال. والمؤكد أن لاعبين رئيسيين، بما في ذلك بعض القوى الأجنبية والبارونات السياسيين المدمنين على السلطة والامتيازات، بذلوا كل ما في وسعهم لمنع إجراء انتخابات مبكرة استشعروا أنها قد تقلص من حصتهم في السلطة.

من ناحية أخرى، وعلى مدى شهور، عارضت وسائل الإعلام الرسمية في الجمهورية الإسلامية الإيرانية عقد انتخابات مبكرة في العراق. وعندما اتضح أن العملية الانتخابية ماضية في كل الأحوال، بدأت دوائر طهران في التعبئة للتأثير على النتيجة. وقدم «المرشد الأعلى» آية الله علي خامنئي 200 مليون دولار من «صندوق الطوارئ الوطني» لتمكين «فيلق القدس»، الفيلق الأجنبي التابع لطهران الذي يعمل في العديد من بلدان المنطقة، من إعادة وكلائه إلى السلطة. ووصفت وسائل الإعلام في طهران الانتخابات العراقية بـ«انتخابات قاسم سليماني»، في إشارة ضمنية لأن الناخبين العراقيين سيحتفون بالجنرال القتيل من خلال التصويت بكثافة لوكلائه المحليين.

ونظراً لأن العراقيين الذين يعيشون في الخارج لم يتمكنوا من التصويت هذه المرة، نظم «فيلق القدس» رحلات يومية لعدد غير معروف من مزدوجي الجنسية الذين يعيشون في إيران، وتعود إقامة بعضهم داخل إيران لعقود، كي يصوتوا لصالح مرشحي «فيلق القدس». إلا أنه حسبما كشفت النتائج، فإن أداء وكلاء طهران الانتخابي جاء أسوأ مما تخيله أي شخص.
جدير بالذكر هنا أن الكتلة التي تهيمن عليها الميليشيات بقيادة هادي العامري خسرت 35 من مقاعدها الخمسين. وكان الرابح الأكبر من الجانب الشيعي، كتلة مقتدى الصدر المنشقة التي دعت إلى حصر امتلاك السلاح على الدولة فقط. بعبارة أخرى، حل الميليشيات التي تسيطر عليها إيران.

وعلى مدار الأيام القليلة الماضية، حاولت وسائل الإعلام الإيرانية البحث عن بعض العزاء في حقيقة أن رئيس الوزراء السابق نوري المالكي نجح في البقاء في اللعبة، واصفة ذلك بأنه انتصار لـ«طريق الشهيد سليماني». ومع ذلك، فإن المالكي، رغم قربه الدائم من «الحرس الثوري» الإيراني، لم يكن عميلاً لسليماني في يوم من الأيام، ببساطة لأن الجنرال سليماني لم يكن يتسامح تجاه أي شخص يمتلك شعوراً بالزهو بنفسه. في المقابل نجد أن خادم سليماني المثالي هو حسن نصر الله، زعيم الفرع اللبناني لـ«حزب الله»، الذي وفقاً لما ورد في المقابلة المطولة الوحيدة للجنرال سليماني: «لم يكن ليشرب الماء من دون التشاور معنا».
وسعياً من جانبها للتقليل من تأثير الانتخابات العراقية، ركزت وسائل الإعلام الرسمية الإيرانية كذلك على موضوع «إقبال الناخبين المنخفض». بالفعل، اجتذبت الانتخابات الأخيرة 43 في المائة فقط من الأصوات المسجلة، أي أقل بنقطة أو نقطتين عن الانتخابات السابقة. ومع ذلك، سرعان ما تخلت وسائل الإعلام الرسمية في طهران عن هذا الموضوع، لأنه ذكر الناس بإقبال أقل من جانب الناخبين خلال الانتخابات الرئاسية الإيرانية الأخيرة.

علاوة على ذلك، اتسمت الانتخابات العراقية الأخيرة بسمات أخرى مثيرة للاهتمام.

تعد هذه الانتخابات الأولى من نوعها التي تجري في 83 دائرة، بدلاً عن 18 دائرة كبرى. وتسمح القاعدة الجديدة للناخب بالاختيار بناءً على رأيه في المرشحين الفرديين، بدلاً عن القوائم التي تقدمها الائتلافات الحزبية. كما ساعد استخدام البطاقات البيومترية في ضمان العملية ضد الاحتيال المنظم.

وتؤكد حقيقة أن عدداً كبيراً من المرشحين، حوالي 3500، تنافسوا على 329 مقعداً الجاذبية المستمرة للعملية الديمقراطية لشريحة متنامية من العراقيين الناشطين سياسياً. وكان من بين الذين شاركوا في الانتخابات أكبر عدد مسجل حتى اليوم من الناشطين الشباب والنساء والأفراد المستقلين.

من الواضح للوهلة الأولى أن جيلاً جديداً من السياسيين العراقيين يتشكل. وربما تشير حقيقة فوز النشطاء الشباب الذين يمثلون متظاهري الشوارع قبل أزمة وباء فيروس «كوفيد - 19» بأكثر عن 8 في المائة من المقاعد إلى ظهور توجهات جديدة على صعيد السياسة العراقية.

تشير النتائج كذلك إلى استبعاد أسرع للمنفيين السابقين ومزدوجي الجنسية الذين سيطروا حتى وقت قريب على المشهد السياسي في بغداد.
وخرجت الأحزاب والجماعات التي تمثل الطائفة السنية من هذه الانتخابات بمظهر بارز وقيادة أكثر مصداقية، الأمر الذي يمكن أن يسرع من التئام الجروح الطائفية التي لحقت بها منذ عام 2003.
وتشير الانتخابات كذلك إلى تهميش المؤسسات الدينية الشيعية الموجودة في النجف، بالنظر إلى أن آيات الله العظمى تعمدوا الابتعاد عن دائرة الضوء ولأن العديد من المرشحين أدركوا أن تأييد السادة المعممين قد يكون بمثابة قبلة الموت لهم.
أما الأحزاب الكردية، التي لا تزال تتمتع بالسيطرة على مقاعد أكثر مما تسمح به القوة الديموغرافية للمجتمع الكردي، فخرجت من الانتخابات بشكل أو بآخر بنفس الصورة كما كانت من قبل. وهذا يعني أنها ستستمر في لعب دور رئيسي في تشكيل الحكومة المقبلة. وربما يكون هذا أمراً إيجابياً إذا كان الهدف منع التأرجحات الجامحة للبندول السياسي. إلا أنه قد يكون الأمر سلبياً كذلك إذا سمح الأكراد بأن تغريهم المكاسب الطائفية على حساب المصالح الوطنية الأوسع.

المؤكد أن قادة الحكم في طهران كان يحدوهم الأمل في أن تتحول الانتخابات إلى استفتاء على الوجود العسكري الأميركي في العراق. إلا أن ذلك لم يحدث ذلك لأن النخبة السياسية العراقية فضلت التركيز على ضرورة إنهاء الوجود العسكري الأجنبي بكافة أشكاله. جدير بالذكر أنه يمكن سحب 2500 جندي أميركي ما زالوا في العراق في أي لحظة بموجب آلية وضع القوات المعمول بها منذ عام 2008. بيد أنه لا يمكن قول الشيء نفسه عن الوحدات العاملة بالوكالة لحساب الجمهورية الإسلامية في العراق التي تضم العديد من مزدوجي الجنسية على جميع المستويات بما في ذلك القيادة العليا.
الأسبوع الماضي، وصفت وسائل إعلام إيرانية الانتخابات العراقية بأنها «الاختبار الأول للجنرال إسماعيل قاآني، البيروقراطي الباهت الذي حل محل سليماني المتفاخر بنفسه.
حسناً، خرج قاآني من الانتخابات حاملاً الخسارة التي يستحقها. أما سليماني، الذي اغتيل في بغداد، فإن شبحه يشهد الآن الموت للمرة الثانية في العراق، هذه المرة للنهج السليماني ذاته.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الموت الثاني للجنرال في بغداد الموت الثاني للجنرال في بغداد



GMT 14:38 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

الحضارة بين العلم والفلسفة أو التقنية والإدارة

GMT 14:35 2024 الجمعة ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

التسمم بالرصاص وانخفاض ذكاء الطفل

GMT 17:39 2024 الخميس ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

أي تاريخ سوف يكتب؟

GMT 17:36 2024 الخميس ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

لا تَدَعوا «محور الممانعة» ينجح في منع السلام!

GMT 17:32 2024 الخميس ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

عودة ترمبية... من الباب الكبير

إطلالات الأميرة رجوة الحسين تجمع بين الرقي والعصرية

عمّان - المغرب اليوم

GMT 17:34 2024 الجمعة ,29 تشرين الثاني / نوفمبر

"فيفا" يكشف أسباب ترشيح ميسي لجائزة "الأفضل"
المغرب اليوم -

GMT 17:27 2024 الجمعة ,29 تشرين الثاني / نوفمبر

النوم الجيد مفتاح لطول العمر والصحة الجيدة
المغرب اليوم - النوم الجيد مفتاح لطول العمر والصحة الجيدة

GMT 13:12 2020 السبت ,26 أيلول / سبتمبر

حظك اليوم برج الحوت السبت 26-9-2020

GMT 13:22 2021 الأحد ,19 أيلول / سبتمبر

نادي شباب الريف الحسيمي يواجه شبح الانقراض

GMT 06:23 2023 السبت ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

توقعات الأبراج اليوم السبت 11 نوفمبر/ تشرين الثاني 2023

GMT 11:08 2023 الجمعة ,08 أيلول / سبتمبر

بلينكن يشيد بـ«الصمود الاستثنائي» للأوكرانيين
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib