حرب الاختيار وحرب الضرورة

حرب الاختيار وحرب الضرورة

المغرب اليوم -

حرب الاختيار وحرب الضرورة

أمير طاهري
بقلم - أمير طاهري

 

الأسبوع الماضي، وفي يوم واحد من أيام الحرب غير المعلنة، تكبد أحد الأطراف الرئيسية أكثر من 500 قتيل وأكثر من 1600 جريح، بإجمالي يتجاوز 2.200 ضحية.

ويبلغ عدد سكان الدولة المعنية 5 ملايين نسمة. والآن، تخيلوا لو أن هذا الرقم من الضحايا وقع في دولة يبلغ عدد سكانها 90 مليون نسمة؛ فإن الرقم النسبي للضحايا سيصل إلى 34.000 قتيل.

حسناً، تماماً مثلما خمّنت، فإن الدولة الأولى المشار إليها هنا لبنان، والتي جرى جرها إلى حرب نيابة عن الدولة الثانية؛ الجمهورية الإسلامية في إيران. وقلت هنا «جرها إلى حرب»؛ لأن الجميع يعلمون أن أحداً لم يتشاور مع الشعب اللبناني، أو ما يعتبر حتى الآن حكومة لبنان، حول حكمة التورط في الحرب، ناهيك عن خطورة إشعال مثل هذه الحرب في المقام الأول.

وعليه، خلقت هذه الحلقة المأساوية فئة جديدة من الحرب؛ حرب الوكالة. وفي إطار هذه النوعية من الحروب، يستغل الوكيل أراضي دولة ليس لديها مصلحة في الحرب، من أجل حماية وتعزيز مصالح حقيقية أو وهمية تخص سيداً يقبع بعيداً.

بشكل عام، نعرف نوعين من الحرب: حرب الاختيار وحرب الضرورة. في حرب الاختيار، يقتحم البطل المعركة باختياره، وفي غياب أي ضغوط تفرضها الضرورة. على سبيل المثال، ذهبت الولايات المتحدة إلى حرب فيتنام باختيارها، كما فعل الاتحاد السوفياتي في أفغانستان، وحديثاً روسيا في أوكرانيا. في جميع هذه الحالات، لم يواجه الطرف الذي اصطدم بحرب أهلية، كما كانت الحال في فيتنام وأفغانستان، أو أشعل حرباً غير ضرورية، كما الحال في أوكرانيا، أي خطر مميت أو تهديد خطير لمصالحه الحيوية.

في المقابل، تشتعل حرب الضرورة جراء الشعور بأن المصالح الحيوية لطرفٍ ما، بل وحتى وجوده ذاته، يتهدده الخطر.

وبالعودة إلى الحروب الجارية في منطقتنا، نجد أن الهجوم الذي شنته جماعة «حماس» ضد إسرائيل في السابع من أكتوبر (تشرين الأول) 2023، كان حرباً اختيارية؛ فلم تكن «حماس» في مواجهة خطر مميت من جانب إسرائيل. في الواقع، كانت غزة في وضع أفضل نسبياً بفضل تمتعها بفترة طويلة نسبياً من الهدوء، وتنامي الاستثمارات الأجنبية، وتزايد تصاريح العمل الإسرائيلية للعمال الموسميين من غزة إلى ثلاثة أضعاف. ولم يكن هناك أدنى رغبة لدى إسرائيل في استعادة غزة وإزاحة «حماس». ولو تحدثنا من الناحية العملية؛ أي بعيداً عن الآيديولوجيا، كان بوسع «حماس» أن تختار التعايش مع الوضع القائم والاستفادة منه، بدلاً من السعي إلى إفساده على نحو يضطر الخصم إلى خوض حرب ضرورية.

وجاء رد الفعل الأولي لإسرائيل على هجوم السابع من أكتوبر في صورة شن حرب ضرورية، على الأقل على صعيد التصورات الجيوسياسية. ووجدت إسرائيل نفسها بذات الموقف الذي كانت فيه الولايات المتحدة بعد هجمات الـ11 من سبتمبر (أيلول) 2001. في ذلك الوقت، كان بوسع الولايات المتحدة أن تقتصر استجابتها على عملية شرطية الطابع لطرد جماعة «طالبان»، وإذا أمكن إلقاء القبض على أسامة بن لادن وكبار رفاقه، من دون التورط في حرب استمرت عشرين عاماً من دون أن تعود بفائدة جيوسياسية ملموسة على واشنطن. إلا أن الحرب التي بدأت باعتبارها ضرورة، تحولت إلى حرب اختيار عندما أعلن الديمقراطيون الأميركيون أن حرب العراق كانت «الحرب الخاطئة»، ووصفوا الفوضى في أفغانستان بأنها «الحرب الصحيحة».

والآن، هل تسير إسرائيل في نفس الاتجاه، عبر تحويلها من حرب ضرورة إلى حرب اختيار؟

في الواقع، من السابق لأوانه طرح إجابة قاطعة، لكن الواضح أن أنشطة وكلاء طهران في اليمن والعراق، وفوق كل شيء لبنان، تشجع أولئك الراغبين داخل إسرائيل في دفع حرب الضرورة باتجاه خيار واحد لضمان القضاء نهائياً على «حزب الله»، وربما النظام الإيراني في طهران في وقت لاحق.

وأياً كانت الطريقة التي ننظر بها إلى الأمر، فإن حرب الاختيار التي بدأها «حزب الله» بخرق اتفاق وقف إطلاق النار لعام 2006، وتجاهل قرار الأمم المتحدة «1701»، ستؤدي حتماً إلى كارثة لـ«حصان طروادة» الذي تملكه طهران داخل لبنان.

بجانب ذلك، ستوفر هذه الحرب لإسرائيل حجة قوية لـ«الدفاع عن النفس»، تبرر مواصلة الحرب في غزة، في حين يزعم حسن نصر الله أنه يقصف شمال إسرائيل دعماً لحليفه الخيالي يحيى السنوار، المختبئ بأحد الأنفاق.

وتكمن المفارقة في أن جر لبنان إلى هذه الحرب يجعل من الصعب، إن لم يكن من المستحيل على السنوار، إذا كان لا يزال على قيد الحياة، قبول أي اتفاق لوقف إطلاق النار. وحتى لو فعل ذلك، فلا يوجد ما يضمن أن تتخلى إسرائيل فجأة عن فرصة ذهبية لتقليص حجم «حزب الله»، بخاصة مع التأكيدات القادمة من إيران بخصوص أنها لن تقدم على أي إجراء ذي أهمية لحماية حلفائها اللبنانيين.

أما نصر الله، فإنه لا يدرك بعدُ أن طهران باعته، وأنه تحول إلى أداة في حرب كانت من اختيار شخص آخر، لكنها أصبحت ضرورة له. والأسوأ من ذلك أن وسائل الإعلام في طهران بدأت بالفعل في مناقشة «تغييرات» في «حزب الله»، ما يمهد الطريق أمام لعبة إلقاء اللوم من النوع الذي لا يستطيع أن يمارسه إلا الملالي في إيران. من جهته، استحضر الرئيس مسعود بزشكيان في نيويورك حمامة السلام من عمامته غير المرئية. وكان النص الضمني لخطابه: يمكننا أن نستدعي كلاب الحرب التي أطلقناها.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

حرب الاختيار وحرب الضرورة حرب الاختيار وحرب الضرورة



GMT 14:38 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

الحضارة بين العلم والفلسفة أو التقنية والإدارة

GMT 14:35 2024 الجمعة ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

التسمم بالرصاص وانخفاض ذكاء الطفل

GMT 17:39 2024 الخميس ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

أي تاريخ سوف يكتب؟

GMT 17:36 2024 الخميس ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

لا تَدَعوا «محور الممانعة» ينجح في منع السلام!

GMT 17:32 2024 الخميس ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

عودة ترمبية... من الباب الكبير

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ المغرب اليوم
المغرب اليوم - المغرب يفقد 12 مركزاً في تصنيف مؤشر تنمية السياحة والسفر لعام 2024

GMT 08:59 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

أطعمة ومشروبات تساعد في علاج الكبد الدهني وتعزّز صحته
المغرب اليوم - أطعمة ومشروبات تساعد في علاج الكبد الدهني وتعزّز صحته

GMT 08:25 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

اندلاع حريق ضخم في موقع لتجارب إطلاق صواريخ فضائية في اليابان
المغرب اليوم - اندلاع حريق ضخم في موقع لتجارب إطلاق صواريخ فضائية في اليابان

GMT 02:13 2018 الأربعاء ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

تمثال لدبين قطبيين يُثير ذهول عملاء مركز تسوق

GMT 07:35 2016 الأحد ,18 كانون الأول / ديسمبر

أفضل مناطق لسياحة التزلج على الجليد في أوروبا

GMT 14:22 2023 الأحد ,18 حزيران / يونيو

زلزال بقوة 3.2 درجة تضرب ولاية "مانيبور" الهندية

GMT 19:58 2020 الخميس ,09 كانون الثاني / يناير

أسماك القرش تنهش جثة لاعب كرة قدم في أستراليا

GMT 18:31 2019 الأحد ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

تشابي ألونسو يؤكد جوارديولا سبب رحيلي عن ريال مدريد

GMT 21:58 2019 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

لطيفة رأفت تلهب مواقع التواصل الاجتماعي بمظهر جذاب

GMT 19:58 2019 الأربعاء ,23 تشرين الأول / أكتوبر

دراسة تكشف عن قدرات النمل في علاج نفسه والنباتات

GMT 16:57 2019 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

تأجيل مباراة الرجاء البيضاوي ورجاء بني ملال

GMT 13:23 2019 الثلاثاء ,01 تشرين الأول / أكتوبر

لعبة SPIDER-MAN الأكثر مبيعا داخل اليابان في سبتمبر

GMT 15:35 2019 الأربعاء ,27 آذار/ مارس

وفاة شخص في حادثة سير خطيرة وسط الدار البيضاء
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib