«ارجع يا زمان» هيهات

«ارجع يا زمان..» هيهات !

المغرب اليوم -

«ارجع يا زمان» هيهات

حسن البطل
بقلم: حسن البطل

«ولبس عباءة وتقر عيني/ أحبّ إليّ من لبس الشفوف». هيك أنشدت الحسناء البدوية «ميسون» لمّا صارت امرأة (زوجة أو خليلة) للخليفة الأموي المؤسس معاوية، فرقَّ قلبُه لحنينها.. وأعتقها!
هل كانت أقمشة «الشفوف» كناية ربما عن الحرير الطبيعي الرقيق الهفهاف، مثل أردية النوم من حرير «اللانجري» لنساء عصرنا المرفهات؟
ميسون أنشدت كمان: «لبيت تخفق الأرواح فيه/ أحبُّ إليّ من قصر منيف» لمّا كانت مضارب بيوت الشعر للبدو كما ترونها في مسلسلات التلفزيون عن الحنين إلى البداوة والأصالة.
لا أظن أن قصراً منيفاً للخليفة معاوية تتوفر فيه رفاهية العيش التي في «برج خليفة» بدبي، أما بيوت الشعر من حياة البداوة القديمة، فصارت من حطام الصفيح والتنك والاسبست.
يحلو لبعض الإسرائيليين القول إن رام الله هي بمثابة تل أبيب الفلسطينية، وبمناسبة الاستعدادات لمعرض اكسبو 2020 في دبي، قالوا إنها أضحت بمثابة نيويورك العربية.
لمّا تغنّت ميسون بلبس «الشفوف» على لبس عباءة خشنة مبطّنة بجلد الخراف لتوقي صقيع ليالي الصحراء، إلى أن صرنا تلاميذ مدرسة نتبارى في كتابة مواضيع إنشاء نصف فيها الثلج بأنه «قطن مندوف».
الآن، العالم مشغول بتدارك خطر اعتلال مناخ الأرض على الحضارة البشرية، وكيف يمكن ألاّ تتجاوز حرارة الكوكب بأكثر من درجة ونصف إلى درجتين ما كانته قبل الثورة الصناعية، لكن ما قبلها كانوا يصفون الزمن بأنه «العصر الجميل».. وبطّلوا هذا الوصف.
حنين إلى حقبة فجر الإسلام. حنين إلى زمن الإمبراطوريات العربية.. إلى الأرض المقدسة قبل إقامة إسرائيل، إلى غلطة العرب في رفض قرار التقسيم، إلى الزمن الفدائي الجميل، إلى الانتفاضة الأولى، وما قبل الحقبة الأوسلوية. بالطبع، إلى وداعة الحياة في رام الله قبل أن تصير العاصمة الإدارية للسلطة، وللحياة الثقافية للشعب الفلسطيني تحت الاحتلال.
من لبس «الشفوف» إلى رصف «القطن المندوف» و»حلّة قشيبة»، صارت رام الله ترتدي، في أيام الميلاد، حلّة مشعشعة من الأنوار، وكل ميلاد «تشعشع» أحلى فأحلى.
لتوقيع كتب الروايات، ودواوين الشعر، وعروض المسرح صارت مواسم على مدار العام في البداية، وقع محمود درويش ديواناً في مسرح وسينماتيك القصبة، ولاحقاً صاروا يوقعونها في مركز السكاكيني، ثم متحف درويش.. والآن في مركز القطان الجديد. جميعها أقيمت في الحقبة الأوسلوية.
المقاهي تتوالد، ومحلات بيع وصيانة المويايلات صارت أكثر من دكاكين الفلافل ومطاعم الشاورما. يفكرون في «أرض معارض» للمعارض، وفي تنظيم وتنسيق مواعيد نشاطات المراكز الثقافية والفنية، وكيف يحولون ما كان اسمه «قصر الضيافة» إلى المكتبة الوطنية، ومتى يفتتحون أكبر سوبرماركت تحت اسم «مول».
مركز القطان القديم (عبد المحسن القطان) الذي كان من طبقة واحدة في بيت قديم وجميل، صار مركز القطان الجديد في الطيرة، الذي فاق قصر رام الله الثقافي في شمول وتنوع نشاطاته الثقافية.
من قبله، كان مسرح القصبة مركز حياة ثقافية نشطة ومتنوعة، والآن فالسؤال: هل تشتري وزارة الثقافة مبنى المركز، وتحافظ عليه من الهدم وبناء عمارة مكانه.
تصادف، في وقت متقارب من يوم بذاته احتفال في «القصبة» بسنوية رحيل مؤسس السينما الفلسطينية، مصطفى أبو علي، وتوقيع كتاب خالد حوراني «جمل المحامل» في «القطان الجديد» في قاعة الفنون الأدائية للمركز، ومن قبل مساء يوم في المكان والقاعة جرت مسابقة نظمها مركز «سوا» لأفلام الدقيقة الواحدة، تحت عنوان «متساوون رغم الاختلاف»، باشتراك أربع دول عربية. الحضور في احتفال «القصبة» كما احتفال «سوا» كان متواضعاً، لكن احتفال توقيع الكتاب كان وافراً. الفارق هو في الاستعداد المسبق والتنظيم، وربما تعكّر الطقس ثم انفراجه النسبي.
مع ذلك، فإن هامش الحرية الثقافية، في اليوم ذاته، ضاق في جامعة النجاح، حيث تم وقف عرض مسرحية لمسرح «عشتار» الطلائعي عن حرية المرأة، وسبق ذلك بأسابيع منع فرقة مسرحية من العرض في المسرح البلدي رام الله بحجة ملابس نسائية غير لائقة.
«جمل المحامل» سرد روائي للوحة قديمة بذات الاسم، لعميد الفن التشكيلي الفلسطيني سليمان منصور، وكيف انتشرت نسخاتها المصورة، وفقدت النسخة الأصلية. قصة بحث مشوّقة جعلها الفنان خالد حوراني بين دفتي كتاب أوّل له.
حمّال يحمل القدس العتيقة، ولا ينكسر ظهره، ومشروع وطني ينوء ظهره بما هو أكثر من «قشّة أوسلوية».. لكن «أيظن» في الأغنية غير أيظن في «ارجع يا زمان»! .. هيهات عودة «دورة الزمان».

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

«ارجع يا زمان» هيهات «ارجع يا زمان» هيهات



GMT 15:33 2021 الأحد ,31 كانون الثاني / يناير

شعر عربي اخترته للقارئ

GMT 15:29 2021 الأحد ,31 كانون الثاني / يناير

شعر المتنبي - ٢

GMT 15:18 2021 الأحد ,31 كانون الثاني / يناير

من شعر المتنبي - ١

GMT 23:58 2021 الثلاثاء ,26 كانون الثاني / يناير

شعر جميل للمعري وأبو البراء الدمشقي وغيرهما

GMT 21:18 2021 الإثنين ,25 كانون الثاني / يناير

أقوال بين المزح والجد

إطلالات الأميرة رجوة الحسين تجمع بين الرقي والعصرية

عمّان - المغرب اليوم

GMT 08:27 2024 الثلاثاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

نصائح قبل شراء طاولة القهوة لغرفة المعيشة
المغرب اليوم - نصائح قبل شراء طاولة القهوة لغرفة المعيشة

GMT 08:50 2024 الثلاثاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

الكشف عن قائمة "بي بي سي" لأفضل 100 امرأة لعام 2024
المغرب اليوم - الكشف عن قائمة

GMT 16:38 2016 الجمعة ,23 كانون الأول / ديسمبر

إضافة 408 هكتارات من الحدائق والمساحات الخضراء في بكين

GMT 10:48 2019 السبت ,30 تشرين الثاني / نوفمبر

جنون الريمونتادا

GMT 12:35 2019 الثلاثاء ,16 إبريل / نيسان

امرأة تعقد عقد جلسة خمرية داخل منزلها في المنستير

GMT 04:14 2019 الخميس ,31 كانون الثاني / يناير

ارتفاع سعر الدرهم المغربي مقابل الريال السعودي الخميس

GMT 10:06 2019 الثلاثاء ,29 كانون الثاني / يناير

الطاعون يلتهم آلاف المواشي في الجزائر وينتشر في 28 ولاية

GMT 03:21 2019 الجمعة ,25 كانون الثاني / يناير

إعادة افتتاح مقبرة توت عنخ آمون في وادي الملوك

GMT 10:21 2019 السبت ,12 كانون الثاني / يناير

فضيحة جنسية وراء انفصال جيف بيزوس عن زوجته

GMT 09:04 2018 الأربعاء ,12 كانون الأول / ديسمبر

والدة "راقي بركان" تنفي علمها بممارسة نجلها للرقية الشرعية

GMT 05:06 2018 الإثنين ,10 كانون الأول / ديسمبر

جمهور "الجيش الملكي" يُهاجم مُدرّب الحراس مصطفى الشاذلي

GMT 06:44 2018 الخميس ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

"Il Falconiere" أحد أجمل وأفضل الفنادق في توسكانا

GMT 00:44 2018 الخميس ,25 تشرين الأول / أكتوبر

اكتشف قائمة أفخم الفنادق في جزيرة ميكونوس اليونانية

GMT 15:10 2018 الإثنين ,13 آب / أغسطس

شركة دودج تختبر محرك سيارتها تشالنجر 2019

GMT 19:15 2018 الأربعاء ,01 آب / أغسطس

يوسف النصري علي ردار فريق "ليغانيس" الإسباني
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib