أهمّية عدن

أهمّية عدن

المغرب اليوم -

أهمّية عدن

خير الله خير الله
بقلم: خيرالله خيرالله

الأمل أن يساهم اتفاق الرياض في حماية عدن من جولة عنف جديدة، وأن يكون جزءا من المحافظة على شبكة الأمن والأمان الإقليمية. فمع مرور الوقت يتبيّن أن عدن ما زالت مهمّة.

أعطت عدن الإشارة الأولى لأفول نجم الإمبراطورية البريطانية في 1967، وأعطت في 1986 أوّل دليل على أن الاتحاد السوفياتي بدأ ينهار. لذلك، من المهمّ بين الحين والآخر التذكير بأهمّية عدن، مع الإشارة إلى أن الاتفاق الذي وُقّع قبل نحو شهر بين “الشرعية” اليمنية والمجلس الانتقالي كان أكثر من ضروري لإعادة حدّ أدنى من الاستقرار إلى المدينة والمناطق المحيطة بها. مثل هذا الاتفاق يسمح بالتفكير في المستقبل وبكون عدن ذات موقع استراتيجي، كما أنه لا بدّ من أن تكون تحت سيطرة التحالف العربي الذي أخرج الحوثيين منها مطلع العام 2015.

الأكيد أن تنفيذ اتفاق الرياض يسير ببطء، لكن الأكيد أيضا أنّه خطوة كبيرة إلى الأمام إذا أخذنا في الاعتبار أن عدن تشكل جزءا من شبكة أمان وأمن إقليمية تبدأ بمضيق هرمز وبحر عمان، وصولا إلى البحر الأحمر والقرن الأفريقي ككل، أي بحركة المرور في اتجاه قناة السويس.

مناسبة الكلام عن أهمّية عدن هي الذكرى الـ52 لاستقلال جنوب اليمن في الثلاثين من تشرين الثاني/ نوفمبر 1967 وقيام دولة مستقلة بقيت كذلك حتّى الثاني والعشرين من أيّار/ مايو 1990. يومذاك، أُعلن عن قيام الوحدة اليمنية التي أدت إلى ذوبان كيانيْ الشمال والجنوب في دولة واحدة عاصمتها صنعاء.

كانت عدن عاصمة دولة الجنوب التي أصبحت لاحقا “جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية”، التجربة العربية الأولى والأخيرة لقيام حزب شيوعي عربي بممارسة السلطة. لم يكن استقلال الجنوب اليمني مجرّد استقلال دولة قاوم شعبها الاستعمار. كان الاستقلال إشارة بين إشارات عدة إلى أن تراجع ما كان يعتبر الإمبراطورية التي لا تغيب عنها الشمس، هو تراجع نهائي. لم يكن استقلال الهند في 1949 حدثا معزولا بمقدار ما كان بداية النهاية للإمبراطورية البريطانية التي بدأت انطلاقا من عدن الانسحاب من الخليج العربي الذي استغلته إيران، في عهد الشاه، باحتلال الجزر الإماراتية الثلاث، طنب الكبرى وطنب الصغرى وأبوموسى، في العام 1971.

أحداث داخلية كثيرة كانت بين 1967 سنة قيام دولة الجنوب، و1990 سنة نهاية التجربة الاستقلالية التي يمكن أن تتكرر في يوم من الأيّام، في حال سمحت الظروف بذلك، وإن بشكل مختلف كلّيا عن الماضي. فبعيدا عن النقاش الدائر الذي لا فائدة منه من نوع هل استقل الجنوب بفضل ثورة شعبية أم بسبب التراجع البريطاني، لم تكن تجربة الاستقلال سوى سلسلة من الحروب الأهلية ارتدت الطابع الدموي. بدأت هذه الحروب باستيلاء الجناح اليساري في الجبهة القومية على السلطة، وصولا إلى إعلان قيام الحزب الاشتراكي اليمني في العام 1972.

لم يكن الحزب الاشتراكي اليمني، في البداية طبعا، سوى نسخة عن تلك الأحزاب الشيوعية التي استخدمتها موسكو لوضع يدها على دول أوروبا الشرقية مثل هنغاريا وبولندا وبلغاريا وألمانيا الشرقية وتشيكوسلوفاكيا…

ما ساعد الاتحاد السوفياتي في تثبيت موطئ القدم الذي أقامه في شبه الجزيرة العربية هو غياب الاهتمام العالمي بعدن في مرحلة ما بعد إغلاق قناة السويس إثر حرب حزيران/ يونيو 1967. كان ميناء عدن في مرحلة معيّنة ثالث أهم ميناء في العالم. لم تعد له أهمية تذكر بعد إغلاق قناة السويس، إذ وجدت التجارة العالمية بدائل منه شملت البحث عن طرق بحرية أخرى والاستعانة بالنقل الجوّي الذي ازدهر ازدهارا كبيرا في تلك الأيّام.

كانت تجربة “جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية” تجربة فاشلة بكل المقاييس. أدت قبل أي شيء إلى هجرة الأدمغة والتجار من الجنوب اليمني، إضافة إلى الجالية اليهودية التي كانت ذات نشاط كبير في الميناء ساعد في ازدهار المدينة. لم يبق يمني جنوبي ذو شأن في “جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية” التي لم تكن لها علاقة بالديمقراطية من قريب أو من بعيد.

استطاع الاتحاد السوفياتي عبر أجهزته، خصوصا الأجهزة الأمنية، وأجهزة أخرى تابعة للحزب الشيوعي، السيطرة على اليمن الجنوبي وضبط الصراعات الداخلية إلى أبعد حدود. غطت موسكو التخلّص من سالم ربيع علي (سالمين) في العام 1976، وعندما وجدت ضروريا سحب عبدالفتاح إسماعيل، المنظر الماركسي، إلى موسكو فعلت ذلك. وعندما اضطرت إلى تغطية إعدام محمد صالح مطيع، فعلت ذلك أيضا من دون تردّد.

بين 1980 و1986 في أيّام الحرب الباردة، ساد هدوء نسبي في اليمن الجنوبي، على الرغم من أن الصراعات الداخلية لم تتوقف. أُعيد فتح قناة السويس وبقي ميناء عدن معزولا. لم يستطع استعادة نشاطه في مدينة كانت مليئة بالحياة في مرحلة ما قبل الاستقلال. لا حاجة إلى التذكير بأنّ شبكة البريد كانت تعمل في عدن بشكل منتظم وبدقّة، على الطريقة البريطانية، في مرحلة ما قبل الاستقلال. كان هناك ناد وملاعب لكرة المضرب (التنس) منذ العام 1901. كان السلطان قابوس الذي كان عليه المرور بعدن في طريقه إلى مدرسته في بريطانيا، يحلم بأن تكون مسقط مثل عدن في يوم من الأيّام. أين مسقط اليوم وأين عدن الذي عاد السواد يلفّها بكلّ ما في ما كلمة سواد من معنى؟

في الثالث عشر من كانون الثاني/ يناير 1986، انفجر الوضع في عدن. انتصر خصوم علي ناصر محمّد رئيس الدولة والأمين العام للحزب الاشتراكي وأخرجوه إلى منفاه في صنعاء ثم في دمشق. لم يستطع الاتحاد السوفياتي ضبط الوضع بأي شكل. تولّى “بريتانيا”، يخت ملكة بريطانيا وقتذاك، إخراج المواطنين السوفيات الذين اضطروا إلى إخلاء المدينة. ظهرت إشارات العجز على القوة العظمى الثانية في العالم.

قبل فضيحة المفاعل النووي تشيرنوبيل، في نيسان/ أبريل 1986، كشفت أحداث عدن وانهيار النظام الاشتراكي فيها أن الحرب الباردة انتهت بانتصار أميركي على الغريم الروسي.

قاد انهيار النظام في الجنوب في العام 1986 إلى قيام الوحدة في 1990، لكن تحديات جديدة برزت، خصوصا بعد انكشاف أهمّية اليمن بالنسبة إلى إيران ورغبتها في تطويق الخليج العربي ودوله من كلّ الجهات. ليست الطموحات الإيرانية في اليمن وليدة اليوم، بل هي قديمة. ففي يوم الثالث عشر من يناير 1986 كان منتظرا أن يأتي إلى عدن علي خامنئي، رئيس “الجمهورية الإسلامية” في إيران وقتذاك…

الأمل الآن أن يساهم اتفاق الرياض في حماية عدن من جولة عنف جديدة، وأن يكون جزءا من المحافظة على شبكة الأمن والأمان الإقليمية. فمع مرور الوقت يتبيّن أن عدن ما زالت مهمّة وأنها ليست ميناء كبيرا قد يستعيد حيويته يوما، بل هي أكثر من ذلك بكثير.

 

قد يهمك ايضا
قيادة التحالف العربي تُقرِّر إطلاق سراح 200 أسير مِن ميليشيات الحوثي
أول رد من "أنصار الله" على إطلاق التحالف العربي سراح 200 أسير حوثي

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

أهمّية عدن أهمّية عدن



GMT 15:33 2021 الأحد ,31 كانون الثاني / يناير

شعر عربي اخترته للقارئ

GMT 15:29 2021 الأحد ,31 كانون الثاني / يناير

شعر المتنبي - ٢

GMT 15:18 2021 الأحد ,31 كانون الثاني / يناير

من شعر المتنبي - ١

GMT 23:58 2021 الثلاثاء ,26 كانون الثاني / يناير

شعر جميل للمعري وأبو البراء الدمشقي وغيرهما

GMT 21:18 2021 الإثنين ,25 كانون الثاني / يناير

أقوال بين المزح والجد

إطلالات الأميرة رجوة الحسين تجمع بين الرقي والعصرية

عمّان - المغرب اليوم

GMT 18:29 2024 الجمعة ,29 تشرين الثاني / نوفمبر

أخنوش يتباحث مع الوزير الأول لساو تومي
المغرب اليوم - أخنوش يتباحث مع الوزير الأول لساو تومي

GMT 17:27 2024 الجمعة ,29 تشرين الثاني / نوفمبر

النوم الجيد مفتاح لطول العمر والصحة الجيدة
المغرب اليوم - النوم الجيد مفتاح لطول العمر والصحة الجيدة

GMT 13:12 2020 السبت ,26 أيلول / سبتمبر

حظك اليوم برج الحوت السبت 26-9-2020

GMT 13:22 2021 الأحد ,19 أيلول / سبتمبر

نادي شباب الريف الحسيمي يواجه شبح الانقراض

GMT 06:23 2023 السبت ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

توقعات الأبراج اليوم السبت 11 نوفمبر/ تشرين الثاني 2023

GMT 11:08 2023 الجمعة ,08 أيلول / سبتمبر

بلينكن يشيد بـ«الصمود الاستثنائي» للأوكرانيين

GMT 00:09 2023 الإثنين ,16 كانون الثاني / يناير

أسهم أوروبا ترتفع لأعلى مستوى في 9 أشهر

GMT 22:10 2022 الثلاثاء ,20 كانون الأول / ديسمبر

 خفض كبير لتوقعات نمو الاقتصاد الصيني من قبل البنك الدولي

GMT 20:18 2022 الإثنين ,14 تشرين الثاني / نوفمبر

يعنى إيه أبل ترغب فى الحد من وقت AirDrop على مستوى العالم

GMT 04:46 2022 الثلاثاء ,25 تشرين الأول / أكتوبر

"الفيفا تبرئ حمد الله في نزاعه مع النصر السعودي
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib