العظمة للدم لا للسفارة

العظمة للدم لا للسفارة!

المغرب اليوم -

العظمة للدم لا للسفارة

راجح الخوري
الرباط - المغرب اليوم

عندما وصلت صورة «السيلفي» المركبة التي جمعت جاريد كوشنير وزوجته إيفانكا وبنيامين نتنياهو وزوجته، ووراءهم صور الفلسطينيين الذين كانوا يتساقطون بالرصاص الإسرائيلي على الحدود الشرقية لقطاع غزة، لم يجد المحرر في موقع «هافينغتون بوست» الإخباري، أفضل من عنوان يقول: «يرقصون على جثث الفلسطينيين». وفي الواقع لم يكن في هذا الوصف أي مبالغة في التعامل مع أيام الدم الفلسطيني المسفوح، فالعالم في التنديد والاستهوال، والإدارة الأميركية في الإشادة!
كانت حصيلة يومي الاثنين والثلاثاء بداية الأسبوع، أكثر من سبعين قتيلاً و2500 جريح، سقطوا على الشريط الشائك عند الحدود، ولم يكن معهم سوى الحجارة يلقونها وإطارات المطاط يحرقونها، احتجاجاً على الاحتفال بنقل السفارة الأميركية إلى القدس، الذي صادف الذكرى السبعين للنكبة، وهو ما لم يكن يعني تعميق جروح الفلسطينيين والمسيحيين والمسلمين فحسب؛ بل دفن التسوية السلمية، التي يجمع العالم على أن القدس هي مفتاحها، ودفن قرارات الشرعية الدولية ومجلس الأمن، التي دعت دائماً إلى حل يقوم على مبدأ الدولتين، وانسحاب إسرائيل إلى حدود 1967، وقيام الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس الشرقية!
كل ما كان يفعله الفلسطينيون أنهم تجمعوا وتظاهروا، وألقوا الحجارة، وأحرقوا الإطارات احتجاجاً، و«كل» ما فعله جنود الاحتلال الإسرائيلي أنهم أطلقوا عليهم النار، فسقط هذا العدد المخيف من القتلى والجرحى. ولكن في حين غرق العالم بأسره في الصدمة والإدانة، لم يجد صهر الرئيس دونالد ترمب ومستشاره جاريد كوشنير، الذي حضر مع زوجته الاحتفال، سوى القول: «إن الذين يتسببون بأعمال العنف هم جزء من المشكلة وليس الحل»!
ولكن ماذا عن الذين يمعنون في القتل وإعدام التسوية السلمية؟ وكيف استطاعت السفيرة الأميركية لدى الأمم المتحدة نيكي هيلي أن تتعامى عن جثث القتلى الفلسطينيين، وبينهم عدد كبير من الأطفال، وتقف في مجلس الأمن لتشيد بإسرائيل «لضبط النفس ضد حركة حماس»؟
ضبط النفس! قتل أكثر من مائة وعشرين فلسطينياً، وجرح ما يقرب من ثلاثة آلاف، منذ انطلاق «مسيرة العودة» نهاية مارس (آذار) الماضي، يسمى ضبطاً للنفس! فهل المطلوب تنفيذ هولوكوست فلسطيني، كي يصبح الأمر جريمة تستحق الإدانة التي يجمع العالم على توجيهها إلى إسرائيل؟
لن يسمع الرئيس ترمب باسم ليلى الغندور، الرضيعة ابنة الأشهر الثمانية التي استشهدت يوم الثلاثاء الماضي بالغاز الإسرائيلي، ولن يسمع قطعاً باسم الطبيب الفلسطيني معتصم النونو الذي كان يسعف الجرحى في المستشفى، ثم جاءوا بجثة أخيه معتز قتيلاً ووضعوها بين يديه، ولن يسمع بسقوط أكثر من عشرين شاباً لا تزيد أعمارهم عن عشرين عاماً، سقطوا بالرصاص الإسرائيلي ويتحدثون عن «ضبط النفس»، وذلك «اليوم العظيم لإسرائيل»، يوم نقل السفارة الأميركية إلى القدس، الذي سيذكر التاريخ أنه اليوم الذي قامت فيه السفارة على بركة من دماء الفلسطينيين، وطبعاً على جثة التسوية السلمية، التي يقول مساعدو ترمب إنها ما زالت ممكنة!
كيف استطاع ترمب أن يتحدث عن العظمة واليوم العظيم، بدلاً من أن يتحسس ملامح الفظاعة واليوم الفظيع في القتل، على الأقل كما أجمع المسؤولون في العالم كله؟ وكيف تمكنت نيكي هيلي من أن تنسحب من جلسة مجلس الأمن أثناء إلقاء السفير الفلسطيني رياض منصور كلمته، لمجرّد أنه حمّل الولايات المتحدة مسؤولية حماية الجرائم الإسرائيلية، وإطلاق الاتهامات العنصرية بحق الشعب الفلسطيني، ومخالفة القانون الدولي وقرارات الشرعية الدولية، ومجلس الأمن، بنقل سفارتها إلى أرض محتلة في القدس، ما يجعل منها مقبرة للتسوية السلمية؟
هيلي لم تتردد في اتهام الفلسطينيين باستخدام الأطفال دروعاً بشرية في المظاهرات ضد نقل السفارة؛ لكنها مجرد مظاهرات وإلقاء حجارة تواجه الرصاص الحي، وهي تتحدث عن دروع بشرية، وهو ما جعل السفير الفلسطيني يصف هذا الموقف بأنه شكل من أشكال العنصرية «لأننا لسنا الاستثناء»، متسائلاً: لماذا يشارك الأطفال الأميركيون مثلاً في مظاهرة واشنطن التي جمعت نصف مليون متظاهر ضد استخدام الأسلحة النارية في الولايات المتحدة؟
لكن السفيرة الأميركية لم تكتفِ بتعطيل قدرة مجلس الأمن على إجراء أي تحقيق كان قد دعا إليه الأمين العام للأمم المتحدة، وبقية الأعضاء الأربعة عشر في مجلس الأمن، الذي عقد بناء على طلب من الكويت، مطالباً بتأمين الحماية الدولية للشعب الفلسطيني؛ بل كانت قد عطلت أيضاً مشروع القرار الأول، وفيه أن مجلس الأمن يعبّر عن قلقه البالغ إزاء التطورات الأخيرة في الأراضي الفلسطينية التي تحتلها إسرائيل منذ عام 1967، بما في ذلك القدس الشرقية، ويدعو جميع الأطراف إلى ممارسة ضبط النفس وعدم اتخاذ أي إجراءات تزيد من تفاقم الوضع، بما في ذلك أي تدابير أحادية وغير قانونية تقوّض احتمالات السلام.
وفي إدانة ضمنية لقرار ترمب نقل السفارة إلى القدس، جاء في نص مشروع القرار الذي عطّلته هيلي، أن أي قرارات أو أفعال من شأنها أن تؤدي إلى تغيير طابع أو وضع التركيبة الديموغرافية لمدينة القدس، ليس لها أي أثر قانوني. وهكذا لم تكتفِ الإدارة الأميركية بتعطيل مشروع القرار والدعوة إلى قيام تحقيق وتأمين حماية دولية للفلسطينيين؛ بل واصلت الحديث عن أن كل ما حصل ويحصل منذ قرار نقل السفارة لن يعطل فرص التسوية السلمية!
غريب، بعدما اعتبرت السلطة الفلسطينية بلسان الرئيس محمود عباس أن أميركا لم تعد وسيطاً مقبولاً للسلام، وفي حين يصطبغ احتفال نقل السفارة بدماء الفلسطينيين، لم تتردد إدارة ترمب في إعلان أنها قادرة على دفع عملية السلام. وفي السياق قال مايك بومبيو لشبكة «فوكس نيوز»، إنه يأمل في نجاح الجهود لإنهاء النزاع المستمر منذ عقود «وبكل تأكيد عملية السلام لم تمت»، هذا في حين زعم جون بولتون «أن افتتاح السفارة في مدينة يريد الفلسطينيون أن تكون عاصمة دولتهم المستقبلية، سيعزز احتمالات السلام». وفي هذا الكلام استغباء للعالم الذي سبق أن ندد في الجمعية العامة للأمم المتحدة بأكثرية 128 دولة من أصل 193، وبينها دول صديقة لواشنطن مثل بريطانيا وفرنسا، بقرار ترمب نقل السفارة، وهو ما اعتبرته نيكي هيلي يومها «إهانة لن ننساها»!
بالتأكيد لن يسمع ترمب بالطفلة الرضيعة ليلى الغندور، التي ماتت بالغاز الإسرائيلي، ولا بالطبيب معتصم النونو الذي ألقوا جثة شقيقه بين يديه؛ لكن الاحتفال في معناه الحقيقي والدائم لم يكن في القنصلية الأميركية في القدس المحتلة؛ بل على الحدود الشرقية لغزة، حيث ارتفع صوت الدم الصارخ مطالباً بحق لن يسمعه لا ترمب ولا نتنياهو؛ لكنه سيبقى، والدليل ليس أن الرُّضَّع يستشهدون لفلسطين؛ بل هو أن معظم الذين تساقطوا عند الحدود بالرصاص الإسرائيلي هم شباب بين 14 و30 سنة، أي أن أعمارهم لا تصل إلى نصف عمر النكبة، بما يعني أن الحق الفلسطيني لن يضيع؛ لأنه مُتوَارث بالدم، الذي له وحده صفة العَظمة، وليس للقتل المفعم بالعار والفظاعة!

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

العظمة للدم لا للسفارة العظمة للدم لا للسفارة



GMT 14:15 2024 الأربعاء ,15 أيار / مايو

في ذكرى النكبة..”إسرائيل تلفظ أنفاسها”!

GMT 12:08 2024 الثلاثاء ,14 أيار / مايو

مشعل الكويت وأملها

GMT 12:02 2024 الثلاثاء ,14 أيار / مايو

بقاء السوريين في لبنان... ومشروع الفتنة

GMT 11:53 2024 الثلاثاء ,14 أيار / مايو

“النطنطة” بين الموالاة والمعارضة !

GMT 11:48 2024 الثلاثاء ,14 أيار / مايو

نتنياهو و«حماس»... إدامة الصراع وتعميقه؟

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ المغرب اليوم
المغرب اليوم - المغرب يفقد 12 مركزاً في تصنيف مؤشر تنمية السياحة والسفر لعام 2024

GMT 08:59 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

أطعمة ومشروبات تساعد في علاج الكبد الدهني وتعزّز صحته
المغرب اليوم - أطعمة ومشروبات تساعد في علاج الكبد الدهني وتعزّز صحته

GMT 02:13 2018 الأربعاء ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

تمثال لدبين قطبيين يُثير ذهول عملاء مركز تسوق

GMT 07:35 2016 الأحد ,18 كانون الأول / ديسمبر

أفضل مناطق لسياحة التزلج على الجليد في أوروبا

GMT 14:22 2023 الأحد ,18 حزيران / يونيو

زلزال بقوة 3.2 درجة تضرب ولاية "مانيبور" الهندية

GMT 19:58 2020 الخميس ,09 كانون الثاني / يناير

أسماك القرش تنهش جثة لاعب كرة قدم في أستراليا

GMT 18:31 2019 الأحد ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

تشابي ألونسو يؤكد جوارديولا سبب رحيلي عن ريال مدريد

GMT 21:58 2019 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

لطيفة رأفت تلهب مواقع التواصل الاجتماعي بمظهر جذاب

GMT 19:58 2019 الأربعاء ,23 تشرين الأول / أكتوبر

دراسة تكشف عن قدرات النمل في علاج نفسه والنباتات

GMT 16:57 2019 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

تأجيل مباراة الرجاء البيضاوي ورجاء بني ملال

GMT 13:23 2019 الثلاثاء ,01 تشرين الأول / أكتوبر

لعبة SPIDER-MAN الأكثر مبيعا داخل اليابان في سبتمبر

GMT 15:35 2019 الأربعاء ,27 آذار/ مارس

وفاة شخص في حادثة سير خطيرة وسط الدار البيضاء
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib