ما بين أونروا وأوكسفام

ما بين "أونروا" و"أوكسفام"

المغرب اليوم -

ما بين أونروا وأوكسفام

بقلم - عماد عريان

هل يجوز التعميم باتهام المنظمات الخيرية العالمية، بممارسة أعمال لا أخلاقية على نطاق واسع، بعد تكشف الفضائح الكبرى التي هزت منظمة «أوكسفام» البريطانية؟، وهل يجوز وضع جميع هذه المؤسسات أو المنظمات في دائرة الاتهام، بجريرة بعض الحوادث والتجاوزات والاعتداءات التي ارتكبها نفر منها؟، ألا يمكن اعتبارها مجرد أعمال فردية غير ممنهجة، ولا ترقى إلى حد هدم المعبد على رؤوس الجميع؟.

الواقع أنها بالفعل حوادث فردية، ولكنها شديدة الخطورة، وتكفي لوضع الجمعيات الأهلية والمنظمات الخيرية الدولية في دوائر الشك والاتهام، بغض النظر عن حجم المساعدات الإنسانية التي تجود بها على فقراء العالم وضحاياها، فضلاً عن أنها تكشف عن قليل من كثير من الاتهامات التي تلاحق هذه الهيئات منذ زمن بعيد.

ولطالما اتهمت جمعيات ومنظمات العمل الأهلي والمدني الدولية بشكل عام، بأنها تشكل واجهات لأنظمة استخبارات، وتنفذ مهام خفية غير مشروعة لحساب قوى وجهات غير منظورة، على غرار دس السم في العسل، وهذا ما يبرر استماتة القوى الغربية، والأميركية على وجه الخصوص، في الدفاع عن عمل ووجود وتغلغل تلك المنظمات في كافة المجتمعات النامية، سعياً لاستغلالها في تنفيذ أجندات خاصة.

وكثيراً ما تعرضت دول عدة من أهل الجنوب، لعقوبات صارمة، نتيجة تصديها لعمل وتجاوزات تلك المنظمات، وإصرارها على خضوع أعمالها ومصادر تمويلها للرقابة المحلية، بدلاً من تصرفاتها المنفلتة بلا حسيب ولا رقيب، هذه المنظمات ذاتها، كثيراً ما لاحقتها في عقود ماضية، اتهامات بتجاوز حدود عملها، والتورط في ممارسات مشينة، لا تتفق والأهداف المحددة لها، حتى قوات حفظ السلام الدولية، تورطت في مثل هذه الممارسات، وتجاوزات أخرى أكثر بشاعة خلال العقود الماضية، وما حدث في البوسنة والهرسك من جرائم «دولية»، ليس ببعيد.

واليوم تهز فضيحة أوكسفام «اللا أخلاقية»، والتي طالت أيضاً منظمة «أطباء بلا حدود»، الأوساط الدولية، ومنظمات الإغاثة على وجه الخصوص، بعدما تم الكشف عن استغلال الموظفين لسلطتهم، وابتزاز الأشخاص في مناطق الأزمات، التي كانت بأمس الحاجة للمساعدات الإنسانية، ووفقاً لتحليلات سياسية معنية بالأمر، فإن صورة الشخص المساعد المتجرد من مصلحته الشخصية، والناكر لذاته خلال العمل في مناطق الأزمات، من الواضح أنه يشوبها الغموض، لأن من يقدم المساعدة يمتلك سلطة، والبعض من هؤلاء المساعدين يستغلون هذه السلطة.

وقد تأكد من تقارير دولية، أن موظفي منظمة أوكسفام غير الحكومية البريطانية، لم يقيموا حفلات صاخبة فحسب في أعقاب الزلزال المدمر الذي ضرب هايتي في عام 2010، في فيلا الخدمة التابعة للمنظمة، وإنما ربما أيضاً كانت هناك مثل هذه الحفلات خلال عمليات الإغاثة في تشاد خلال عام 2006.

وبكل تأكيد، هذه ليست أول فضيحة «لا أخلاقية» تهز أوساط منظمات المساعدات الدولية، فقد تبين أن موظفي منظمات المساعدة والإغاثة، أو حتى شركائها في مناطق العمل، أصبحوا مسؤولين بشكل متكرر، عن جرائم ضد السكان المحليين، ما يوضح أن الأمر لا يتعلق بحالة منفردة، فهناك أمثلة أخرى في الوقت الحالي، حيث أعلنت منظمة «أطباء بلا حدود»، مؤخراً، عن أربعة وعشرين حالة من حالات الاعتداء أو الابتزاز خلال العام الماضي، وأقرت اللجنة الدولية للإغاثة، بحدوث ثلاث حالات للاعتداء أثناء عمليات الإغاثة في جمهورية الكونغو الديمقراطية.

وبالعودة إلى الوراء قليلاً، كان هناك سوء سلوك للمساعدين خلال الحرب اليوغوسلافية في تسعينيات القرن الماضي، ولأجل تقديم المساعدة للنساء المتضررات على أرض الواقع، دعمت المنظمة الألمانية لحقوق المرأة «ميديكا مونديال»، النساء المصابات بصدمات نفسية في البوسنة، أثناء الصراع في البلقان، وحتى اليوم، تساعد المنظمات غير الحكومية في كولونيا، الفتيات والنساء في مناطق الحرب والأزمات.

وإذا كان أحد المديرين العاملين في إحدى تلك المنظمات، يرى أنه من الصعوبة بمكان فرض السيطرة على جميع العاملين فيها أو التحكم بسلوكياتهم، إلا أن القضية بالتأكيد، أعمق من ذلك بكثر، حيث تقف المسؤولية الدولية الجماعية في قفص الاتهام، نظراً للدوافع الخفية التي تدير في أحوال كثيرة، عمل تلك المنظمات، بحثاً عن أهداف أخرى غير معلنة، تخالف تلك التي تعمل في إطارها تلك المنظمات، وعديد منها يحصل على مساعدات حكومية أو دعم رسمي، ما يجعل للمؤسسات الأمنية دوراً في إدارة تلك المؤسسات، ولو من وراء ستار، وتلك جرائم أعظم.

وقد يكون الحديث مشروعاً في ضوء ذلك، عن الحملة الشعواء التي تتعرض لها وكالة غوث وتشغيل الفلسطينيين (أونروا)، من جانب الولايات المتحدة وإسرائيل ودول غربية أخرى، للتخلص منها وتصفية قضية اللاجئين الفلسطينيين، والمثير في الأمر هنا، أن الأونروا تتعرض لهذه الحملة الظالمة، بينما هي في أمس الحاجة لكل دعم دولي وإقليمي ممكن، مقابل العمل الإنساني الكبير الذي تقوم به تجاه أطفال فلسطين، خاصة في مجالي الصحة والتعليم.

ولا شك في أن الموقف الأميركي ـ الإسرائيلي تجاه الأونروا، هو في حد ذاته فضيحة دولية كبرى، تستوجب الإدانة والتصدي، بينما الفضائح والتجاوزات الكبرى من جانب منظمات الإغاثة الغربية الشهيرة، سواء الرسمية أو الأهلية المدعومة حكومياً، تمر هكذا مرور الكرام، أو بأقل قدر من الإدانة!

نقلًا عن البيان الاماراتيه

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

ما بين أونروا وأوكسفام ما بين أونروا وأوكسفام



GMT 14:15 2024 الأربعاء ,15 أيار / مايو

في ذكرى النكبة..”إسرائيل تلفظ أنفاسها”!

GMT 12:08 2024 الثلاثاء ,14 أيار / مايو

مشعل الكويت وأملها

GMT 12:02 2024 الثلاثاء ,14 أيار / مايو

بقاء السوريين في لبنان... ومشروع الفتنة

GMT 11:53 2024 الثلاثاء ,14 أيار / مايو

“النطنطة” بين الموالاة والمعارضة !

GMT 11:48 2024 الثلاثاء ,14 أيار / مايو

نتنياهو و«حماس»... إدامة الصراع وتعميقه؟

إطلالات الأميرة رجوة الحسين تجمع بين الرقي والعصرية

عمّان - المغرب اليوم

GMT 00:54 2024 الجمعة ,29 تشرين الثاني / نوفمبر

روحي فتوح لتولّي رئاسة السلطة الفسطينية حال شغور المنصب
المغرب اليوم - روحي فتوح لتولّي رئاسة السلطة الفسطينية حال شغور المنصب

GMT 22:21 2024 الخميس ,28 تشرين الثاني / نوفمبر

ترامب يناقش إبعاد بعض وسائل الإعلام من البيت الأبيض مع نجله
المغرب اليوم - ترامب يناقش إبعاد بعض وسائل الإعلام من البيت الأبيض مع نجله

GMT 18:29 2024 الجمعة ,29 تشرين الثاني / نوفمبر

أخنوش يتباحث مع الوزير الأول لساو تومي
المغرب اليوم - أخنوش يتباحث مع الوزير الأول لساو تومي

GMT 17:27 2024 الجمعة ,29 تشرين الثاني / نوفمبر

النوم الجيد مفتاح لطول العمر والصحة الجيدة
المغرب اليوم - النوم الجيد مفتاح لطول العمر والصحة الجيدة

GMT 07:41 2024 الإثنين ,28 تشرين الأول / أكتوبر

إكس" توقف حساب المرشد الإيراني خامنئي بعد منشور بالعبرية

GMT 16:47 2022 الجمعة ,14 كانون الثاني / يناير

حزب التجمع الوطني للأحرار" يعقد 15 مؤتمرا إقليميا بـ7 جهات

GMT 13:43 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 06:07 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

صادرات الحبوب الأوكرانية تقفز 59% في أكتوبر

GMT 06:23 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

صندوق النقد يتوقع نمو اقتصاد الإمارات بنسبة 5.1% في 2025

GMT 06:50 2024 الأربعاء ,30 تشرين الأول / أكتوبر

نصائح لتحديد أفضل وقت لحجز رحلاتكم السياحية بسعر مناسب

GMT 04:32 2020 الإثنين ,23 آذار/ مارس

ستائر غرف نوم موديل 2020

GMT 15:48 2020 الأربعاء ,01 كانون الثاني / يناير

لا تتسرّع في خوض مغامرة مهنية قبل أن تتأكد من دقة معلوماتك

GMT 05:27 2015 الأربعاء ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

إيران تشن حملة ضد ممثلة نشرت صورها دون الحجاب

GMT 07:16 2016 الخميس ,18 شباط / فبراير

الهاتف "ري فلكس" يطوى ليقلب الصفحات مثل الكتاب
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib