ناهض حتر “في البدء كانت الكلمة”

ناهض حتر.. “في البدء كانت الكلمة”

المغرب اليوم -

ناهض حتر “في البدء كانت الكلمة”

بقلم - أسامة الرنتيسي

جاء في إنجيل يوحنا: “في البدء كانت الكلمة”. لكن ناهض حتر واجه الكلمة بالرصاص…

وناهض؛ ومثلما تقول جدداتنا “ليس ابن عيشة” شكل “حالة تحولت إلى هالة” مثلما قال المعلم محمد داوودية عندما واجه الكلمة بالرصاص، فمنذ سنوات طوال وناهض حالة إشكالية، الاختلاف معها أكثر من الاتفاق، لكن بعد استشهاده بالطريقة البشعة، على عتبات قصر العدل حولت ناهض إلى أيقونة في مواجهة الفكر الإقصائي والعتمة.

عام على مقتل ناهض حتر، تختتم فعاليات الذكرى الأولى اليوم الخميس في تأبين بهيج في قاعة بيت الفحيص الساعة السابعة بحضور نخبوي عربي ومحلي، بكلمة من المطران المناضل الفدائي القادم من عاصمة الكون القدس عطا الله حنا، لأن ناهض يستحق أكثر.

عام مضى ولا تزال الأحوال على حالها، بل في اتساع لغة الكراهية والحقد عبر وسائل التواصل الاجتماعي، ومن يتابع التعليقات البائسة على  من يكتب حرفا عن ناهض حتر يكتشف حجم الكراهية في العقول والقلوب، لا تغسلها النصائح والدعوات الطيبة، وإنما تخفف منها قبضة القانون عندما تكون حاسمة وصارمة وحادة.

لغة التهديد بالقتل لم تتوقف، وإنما استمرت في وجه الكاتبة والشاعرة زليخة أبو ريشة، والصديق الصحافي باسل الرفايعة، وتستمر أيضا بصور مختلفة في حالات كثيرة لكل من يختلف مع الآخر في الرأي والموقف.

لا يمكن نزع فتيل الأزمات في منطقتنا العربية إلا بإشاعة ثقافة التسامح، والتخلص من الثقافة الاقصائية والتقسيمية التي استطاعت قوى الشر زرع بذورها العفنة في مجتمعاتنا.

أكثر ما ينقصنا في منظومة الأخلاق العامة هذه الأيام فقدان معاني التسامح، وغياب ثقافة تعلم الصبر، وهما القيمتان الأساسيتان في الحياة، ومن يتقنهما ويتقن التعامل بهما يعرف جيدا أين يضع قدميه، ويعرف مآلات قراراته.

التسامح وتعلم ثقافة الصبر، تمنحان صاحبهما مساحة من الطمأنينة، كما تمنحانه فرصة إغاظة أعدائه، بحيث يحارون في أمره، وأمر قراراته، ومسار حياته.

بعد انتشار ظاهرة العنف والتطرف في معظم مجتمعاتنا العربية، باتت ثقافة التسامح إحدى أهم الضرورات الإنسانية والأخلاقية في الواقع المعاصر، وهي الوحيدة القادرة على تجاوز محن الشعوب من ويلات القتل والتدمير والإرهاب.

في الأزمات التي حولنا لا يمكن أن تجد مخرجا لها إلا من خلال شيوع ثقافة التسامح، فما الذي يوقف دوامة العنف والقتل في سورية سوى الوصول إلى لحظة التسامح بين طرفي الصراع، والبدء بالجلوس حول طاولة الحوار لتثبيت ميثاق أخلاق جديد يحكم العلاقة بين الطرفين.

لعلها فرصة تاريخية لن تتكرر على الجميع التقاطها من خلال إدامة رسالة السلام والمحبة التي يطالب بها  حماة الانسانية جميعهم لوقف النزاعات والحروب والاقتتال بين  الأطراف كافة بهدف الحد من المعاناة الإنسانية المتفاقمة.

رسالة التسامح لا تكون على حساب الحقوق الإنسانية الأصلية كحق الحياة وحق الأمن، ولا يُعبّر التسامح بأي شكل من الأشكال عن حالة ضعف بل لحظة قوة نادرة، ولا يزال مشهد الأم الإيرانية التي قررت في لحظة تنفيذ حكم الإعدام في قاتل ابنها الاقتراب منه، وصفعه على وجهه والاكتفاء بذلك، والسماح عنه مسيطرا على عقول من رأى هذا المشهد، متعجبا من القوة الداخلية التي تتمتع بها تلك الأم العظيمة.

إن انتشار لغة العنف يؤدي إلى إلغاء الآخر، أما لغة التسامح فهي تكرس حقيقة الاعتراف بالآخر، كما انّ الشخص المتسامح يكون أكثر انتاجية وأكثر طاقة لأنّه يرفض التصرفات الهوجاء أو التفكير بالانتقام، وإذا كان التسامح يعترف برفض ثقافة العنف فإنّه يفتح المجال لفهم آراء الآخر، لا بل ويؤثر فيها وفق أسس عقلانية.

في الذكرى السنوية لناهض حتر؛ لنعلي  ثقافة التسامح، وتقبل الآخر، وإن اختلفنا في الكلمة والفكر، علينا أن لا نهرب منهما إلى لغة الرصاص، فالحياة أجمل بكثير من الموت.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

ناهض حتر “في البدء كانت الكلمة” ناهض حتر “في البدء كانت الكلمة”



GMT 14:15 2024 الأربعاء ,15 أيار / مايو

في ذكرى النكبة..”إسرائيل تلفظ أنفاسها”!

GMT 12:08 2024 الثلاثاء ,14 أيار / مايو

مشعل الكويت وأملها

GMT 12:02 2024 الثلاثاء ,14 أيار / مايو

بقاء السوريين في لبنان... ومشروع الفتنة

GMT 11:53 2024 الثلاثاء ,14 أيار / مايو

“النطنطة” بين الموالاة والمعارضة !

GMT 11:48 2024 الثلاثاء ,14 أيار / مايو

نتنياهو و«حماس»... إدامة الصراع وتعميقه؟

إطلالات الأميرة رجوة الحسين تجمع بين الرقي والعصرية

عمّان - المغرب اليوم

GMT 17:27 2024 الجمعة ,29 تشرين الثاني / نوفمبر

النوم الجيد مفتاح لطول العمر والصحة الجيدة
المغرب اليوم - النوم الجيد مفتاح لطول العمر والصحة الجيدة

GMT 13:12 2020 السبت ,26 أيلول / سبتمبر

حظك اليوم برج الحوت السبت 26-9-2020

GMT 13:22 2021 الأحد ,19 أيلول / سبتمبر

نادي شباب الريف الحسيمي يواجه شبح الانقراض

GMT 06:23 2023 السبت ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

توقعات الأبراج اليوم السبت 11 نوفمبر/ تشرين الثاني 2023

GMT 11:08 2023 الجمعة ,08 أيلول / سبتمبر

بلينكن يشيد بـ«الصمود الاستثنائي» للأوكرانيين
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib