أكاذيب سياسية

أكاذيب سياسية

المغرب اليوم -

أكاذيب سياسية

بقلم : رشيد نيني

من الأكاذيب الكبرى التي بدأنا نسمعها ونقرؤها في بكائيات قيادات العدالة والتنمية حول عزل بنكيران كون هذا الأخير صالح المواطنين المغاربة مع السياسة.

والحال أن ما ظل يمارسه بنكيران طيلة خمس سنوات من توليه رئاسة الحكومة هو الفرجة بمنطق ساحة جامع الفنا، أي التنكيت والتفكه والسخرية والتنذر والضحك والقهقهة واغتياب الغائبين وسب من يخالفه وتحقير خصومه.

إذا كانت هذه هي السياسة فإنني متفق على أن بنكيران صالح المغاربة معها، فحتى الأطفال الصغار والعجزة صاروا يرددون كلمة «انتهى الكلام» و«واش فهمتيني ولا لا».

لكن إذا كان المقصود بالسياسة تسيير شؤون الناس بالمعروف وتحسين شروط عيشهم وتعليم أبنائهم واحترام كرامتهم وآدميتهم في المستشفيات العمومية، وضمان العدل لهم في المحاكم، وقضاء مصالحهم في الإدارات دون إجبارهم على دفع الرشاوى، فإن بنكيران يعترف بنفسه بأنه فشل في ذلك.

إذن عن أي سياسة صالح معها بنكيران الشعب يتحدث هؤلاء ؟

السياسة أخلاق ومبادئ وتضحيات، وما شجع عليه بنكيران طيلة الخمس سنوات الأخيرة هو الحربائية والوصولية والانتهازية والنفاق.

فقد وصف صلاح الدين مزوار بالسياسي الفاشل والمسؤول الذي تورط في تبادل البريمات مع الخازن العام، ثم عاد وتحالف معه في الحكومة.

ونعت حميد شباط بهبيل فاس وتحداه أن يعلن للرأي العام مصادر ثروته التي حصلها في ظرف وجيز، ثم عاد واحتضنه ووصفه بالرجولة.

واتهم إلياس العماري بجميع التهم الجنائية، ووصفه بالصعلوك وبارون المخدرات والمافيوزي، ثم عاد وجلس معه وأصبح تيار في حزبه ينادي بضمه للحكومة.

كل الذين شتمهم بنكيران واتهمهم في شرفهم وذمتهم المالية عاد واحتضنهم، فيما كل الذين ساندوه أيام المعارضة وعبور الصحراء فقد انقلب عليهم وكال لهم أنكر التهم، وعلى رأسهم هذا العبد الضعيف.

ولذلك فكثيرون ممن يعتقدون أن موضة التهافت على الالتحاق بصفوف حزب العدالة والتنمية سببها الاقتناع بإيديولوجية الحزب وبرنامجه، والحال أن المصلحة هي ما يغري كثيرين برص صفوف الحزب، لأنه نجح في إعطاء صورة المصعد الذي يحمل راكبه نحو الطبقات العليا للمجتمع، ويحسن مستوى ودخل الملتحقين به.

وبالأخص في الخمس سنوات الأخيرة، إذ تحول حزب العدالة والتنمية إلى ما يشبه شركة للترقي الطبقي والمهني السريع، من خلال توزيع الحقائب الوزارية والتعيين في الدواوين الحكومية والمناصب العليا، بحيث كل وزير يحصل على حقيبة وزارية له الحق في تعيين 30 مستشارا بديوانه، بأجور شهرية تفوق 3 ملايين سنتيم، وأغلب هؤلاء يحصلون على هذه المناصب دون أن تطأ أقدامهم مقرات الوزارات المحسوبين عليها، فيما بعضهم يملكون شركات أو يشتغلون في قطاعات أخرى.

وكما لاحظ الجميع فبعد قضاء أغلبهم لخمس سنوات على كراسي السلطة الوثيرة، تغيرت كثيرا سلوكات وعادات العديد من وزراء وقادة حزب العدالة والتنمية، ممن راكموا الأموال من المناصب الحكومية والانتدابية.

فخلافا لأيامهم الأولى، وبعدما ذاقوا حلاوة كراسي الدواوين الوزارية وكراسي المجالس الجماعية والجهوية، تخلوا عن شعارات «محاربة الفساد» و«الإصلاحات الكبرى»، وأصبحوا يطالبون بتوفير السيارات الفارهة والحراس الخاصين، كما انتقل أغلبهم من العيش بالأحياء الشعبية إلى الإقامة داخل «فيلات» بالمنتجعات السياحية والشاطئية، كما غيروا سيارات «داسيا» و«كونغو» بسيارات فاخرة، وأصبحوا يتنافسون في ما بينهم حول فتح الصفقات لاقتناء السيارات رباعية الدفع الفارهة، كما فعل الحبيب الشوباني الذي يترأس أفقر جهة بالمغرب، ومنهم من اقتنى سيارات مصفحة ألمانية الصنع تعتبر من آخر طراز هذا النوع من السيارات التي تتميز بهيكل مضاد لرصاص مختلف أنواع الأسلحة والقنابل كوزير العدل، وهناك وزراء وضع بنكيران رهن إشارتهم أربع سيارات بالسائق مخصصة لنقل الزوجات إلى الحمام والأسواق ونقل الأطفال إلى المدارس.

ومما نفر المغاربة من السياسة والسياسيين هو أن تحمل مسؤولية تدبير الشأن العام أضحى مرتبطا بالأساس بطبيعة المنصب وقيمة التعويضات التي تمنح لصاحبه، أكثر من ارتباطها بالوظيفة والمهام التي تلقى على عاتق المسؤول، وهناك من يجمع أكثر من مسؤولية ومهمة انتخابية من أجل مراكمة التعويضات التي تصل إلى مبالغ تفوق تعويضات رئيس الحكومة نفسه، فهناك مثلا عدد من البرلمانيين بالغرفتين الأولى والثانية، بالإضافة إلى صفتهم البرلمانية، يتوفرون على صفات داخل المجالس الجهوية والجماعية، أو في مؤسسات دستورية أخرى، مثل المجلس الأعلى للتربية والتكوين والمجلس الوطني لحقوق الإنسان، والمجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي، يحصلون منها على تعويضات تنضاف إلى تعويضاتهم البرلمانية.

ولذلك فما نجح فيه بنكيران فعلا ليس مصالحة المغاربة مع السياسة بل تحديدا مخاصمتهم لها، إذ فقد القلة القليلة ممن كانوا لا يزالون مؤمنين بالسياسة الأمل في السياسيين نهائيا.

لذلك فإن الفائز الأكبر في انتخابات أكتوبر الماضي هو حزب المقاطعين، وهو الحزب الوحيد الذي يحق له أن يدعي تمثيل الإرادة الشعبية الحقيقية للمغاربة، وهي الإرادة التي تلخص حالة السأم والتذمر التي يشعر بها المغاربة إزاء الأحزاب والسياسيين الذين حولوا العمل السياسي إلى وظيفة مدرة للدخل والحقل السياسي إلى حلبة للصراع حول الحقائب والمناصب واستغلال النفوذ لتشغيل الأهل والأقارب والأصحاب.

ولذلك فتوظيف الإرادة والكرامة الشعبية وشعارات مصالحة الشعب مع السياسة في خطابات قياديي العدالة والتنمية يحكمها هاجس واحد هو تهديد الدولة بالشعب من أجل ابتزازها وجعلها ترضخ للسيناريوهات التي يهندسها لهم الواقفون وراء الستار

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

أكاذيب سياسية أكاذيب سياسية



GMT 05:05 2017 الثلاثاء ,06 حزيران / يونيو

حتى أنت يا مصيطيفة

GMT 05:06 2017 السبت ,03 حزيران / يونيو

الدرهم العائم

GMT 06:18 2017 الخميس ,01 حزيران / يونيو

يتيم في العيد

GMT 06:30 2017 الثلاثاء ,30 أيار / مايو

عادات سيئة

GMT 05:40 2017 السبت ,27 أيار / مايو

ولاد لفشوش

إطلالات الأميرة رجوة الحسين تجمع بين الرقي والعصرية

عمّان - المغرب اليوم

GMT 00:54 2024 الجمعة ,29 تشرين الثاني / نوفمبر

روحي فتوح لتولّي رئاسة السلطة الفسطينية حال شغور المنصب
المغرب اليوم - روحي فتوح لتولّي رئاسة السلطة الفسطينية حال شغور المنصب

GMT 22:21 2024 الخميس ,28 تشرين الثاني / نوفمبر

ترامب يناقش إبعاد بعض وسائل الإعلام من البيت الأبيض مع نجله
المغرب اليوم - ترامب يناقش إبعاد بعض وسائل الإعلام من البيت الأبيض مع نجله

GMT 18:29 2024 الجمعة ,29 تشرين الثاني / نوفمبر

أخنوش يتباحث مع الوزير الأول لساو تومي
المغرب اليوم - أخنوش يتباحث مع الوزير الأول لساو تومي

GMT 17:27 2024 الجمعة ,29 تشرين الثاني / نوفمبر

النوم الجيد مفتاح لطول العمر والصحة الجيدة
المغرب اليوم - النوم الجيد مفتاح لطول العمر والصحة الجيدة

GMT 07:41 2024 الإثنين ,28 تشرين الأول / أكتوبر

إكس" توقف حساب المرشد الإيراني خامنئي بعد منشور بالعبرية

GMT 16:47 2022 الجمعة ,14 كانون الثاني / يناير

حزب التجمع الوطني للأحرار" يعقد 15 مؤتمرا إقليميا بـ7 جهات

GMT 13:43 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 06:07 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

صادرات الحبوب الأوكرانية تقفز 59% في أكتوبر

GMT 06:23 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

صندوق النقد يتوقع نمو اقتصاد الإمارات بنسبة 5.1% في 2025

GMT 06:50 2024 الأربعاء ,30 تشرين الأول / أكتوبر

نصائح لتحديد أفضل وقت لحجز رحلاتكم السياحية بسعر مناسب

GMT 04:32 2020 الإثنين ,23 آذار/ مارس

ستائر غرف نوم موديل 2020

GMT 15:48 2020 الأربعاء ,01 كانون الثاني / يناير

لا تتسرّع في خوض مغامرة مهنية قبل أن تتأكد من دقة معلوماتك

GMT 05:27 2015 الأربعاء ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

إيران تشن حملة ضد ممثلة نشرت صورها دون الحجاب

GMT 07:16 2016 الخميس ,18 شباط / فبراير

الهاتف "ري فلكس" يطوى ليقلب الصفحات مثل الكتاب
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib