خواطر على ضفاف مجلس

خواطر على ضفاف مجلس

المغرب اليوم -

خواطر على ضفاف مجلس

بقلم - نور الدين مفتاح

انتهت الجمعة انتخابات المجلس الوطني للصحافة بحلوها ومرّها، وأفرزت فائزين وغير فائزين ومنسحبين ومقاطعين، وكان العبد لله يتمنى أن تكون الأمور قد مرّت أحسن مما جرى، لسبب بسيط هو أن الطريق إلى المجلس الوطني للصحافة هو جزء حاسم في تحديد مصير هذه المؤسسة. إن هذه الانتخابات مختلفة جذريا عن أي انتخابات أخرى، فهذا تنظيم ذاتي للمهنة لا يمكن أن ينجح فيه قضاء الزملاء إلا بالتوافق. إن القوة المعنوية للمجلس المنبثقة من الجسم الصحافي نفسه لا يمكن أن تعوضها الصلاحيات التأديبية التي يتوفر عليها مهما كانت قوتها، ولهذا لابد لنا جميعا أن نترفع من الآن عن الصغائر، وأن نتهيب من مهام المجلس الجسيمة التي لا يمكن أن يرفع تحدياتها إلا نية العمل الصادق والجاد لخدمة الآخرين مع نكران الذات.

إن من يعتقد أن هذه القيم مجرد تنميق كلامي لابد أن يعرف أنه في أول مهمة للمجلس سينكب "الحكماء" على تحرير الميثاق الوطني لأخلاقيات مهنة الصحافة، الذي سينشر في الجريدة الرسمية كنص ملزم، وهو لن يخرج عن هذه القيم التي تبدو اليوم في الثقافة العامة وكأنها أصبحت طوباوية، فلا يمكن لمن سيحرر نصا يحاسب به زملاءه حول النزاهة والصدقية والشرف ألا يكون متمثلا لهذه الفضائل، فالتفويض الانتخابي المهني ليس نياشين وتشريفات، بل إنه تكليف بمسؤولية تتطلب الكثير من التواضع والصبر والخبرة واحتراف تدوير الزوايا وجمع الشمل، بدل مراكمة المواجهات والتنافرات.

والله يشهد أنني لا أعطي الدروس هنا إلا لنفسي ولمن يحس بثقل المسؤولية مثلي، فالمؤسسات لا تولد فقط بنص قانوني يترجم إلى يوم اقتراع ثم مقر وعاملين وقرارات  وتقارير وإجراءات، بل تولد بعمل النساء والرجال الصادق والمقبول من طرف الأغلبية الساحقة من المعنيين. إن خصم المجلس لا يجب أن يكون إلا الابتزاز والارتزاق والتشهير والاختلاق، هذه هي معركة كل المهنيين، ومعركة أعضاء المجلس وإذا كان واحد من الإثنين معطوباً، فإن النجاح الباهر لن يكون للمجلس الوطني للصحافة، ولكن لمجلس واقع القطاع المأزوم أخلاقيا ومهنيا الذي لا يحتاج لا إلى منتخبين ولا إلى هياكل ولا إلى ميثاق من أجل أن يبسط قوته ويستمر في التدمير.

ولأكون صريحا مع نفسي ومع الزملاء، فهذا المجلس الوطني للصحافة لن يقوم بالمعجزات، ولن يعوض إرادة الدولة أو الحكومة في تدبيرها لقضايا حاسمة في مستقبل القطاع كالحرية والتأهيل، فهو ليس مجلسا تشريعيا، ولكنه يبدي الرأي ويقدم الاقتراح فقط، وهو لا يتوفر على لجنة للشؤون الاجتماعية للصحافيين، وهذا مؤسف لأن رأي بعض الزملاء لم يكن متوافقا مع رأينا بضرورة أن تكون هذه اللجنة ضمن تركيبة المجلس، وإن الغالب على اختصاصات هذا المجلس هو ضبط الولوج إلى المهنة والتصدي للخروقات الأخلاقية، والدخول بخيط أبيض في إطار الوساطة أو التحكيم.

ولكن كونه لن يقوم بالمعجزات لا يعني أنه زائد، بل ستبقى مهامه كبيرة، ومنها تطويره هو نفسه، ليس بوضع همّ إعادة النظر في تركيبة المنتخبين فيه كأولوية في إطار حسابات غير ناضجة ولا جدية ولا معقولة، ولكن بتدعيم صلاحياته وتقوية استقلاليته وتمكينه من وسائل طموحاته.

إن وجود الصحافيين وناشري الصحف في المجلس سيبدد الكثير من سوء الفهم، وسيحل العديد من المشاكل المفتعلة، وإن التقارير السنوية المتوافق عليها حول أوضاع الصحافيين والمؤسسات الصحافية ستؤدي بالضرورة إلى وضع اليد على مكامن الداء الذي هو نصف الدواء، بدل الحالة التي عشنا فيها التخندق الفئوي الذي خلف الكثير من الأضرار وظل يهدد مناصب الشغل في قطاع تزداد هشاشته يوما عن يوم.

إن الأزمة التي يعيشها قطاع الصحافة في المغرب هي أقوى مما تعيشه بلدان أخرى، نظرا للهشاشة البنيوية للقراءة بصفة عامة في البلاد منذ الاستقلال، ولذلك فالمجلس إضافة إلى المهام المستعجلة أو القريبة أو الدورية المنصوص عليها في المادة الثانية من القانون 13-90، وعددها 16، ملزم بالاجتهاد في إبداع الحلول، فالأزمات ليست لها وصفات جاهزة للحل، بل إن  المبادرات الخلاقة التي يشارك فيها الجميع والأفكار الملهمة هي التي تفتح بعض مجاري المياه لتحيي المحتضر أو الميت. لابد من خطة وطنية للنهوض بالقراءة الجادة، ولابد من خريطة طريق للرفع من المستوى العام لأداء الصحافيين والصحافيات، ولابد من الانكباب على صون كرامة الصحافي والرفع من مستواه المادي ليتلاءم مع دوره الاجتماعي، وذلك في ربط جدلي مع الرفع من قدرات المقاولات الصحافية، لأن أخلاقيات المهنة هي أن يكون دخل الصحافي ناجما عن المداخيل السليمة لمؤسسته أي القادرة على تحملها بعيدا عن المصادر غير الشفافة. ولابد للجسم الصحافي أن يتكتل ضد الدخلاء على المهنة ومفسديها، وإذا كان كل ناشر أو صحافي يقوم بدوره ويدافع عن حريته في إطار احترامه لقواعد مهنته، فإن المجلس سيتفرغ للأهم، وهو الصراع من أجل بقاء الصحافة في مواجهة تسونامي وسائل التواصل الاجتماعي، أما إذا ظل هذا المجلس يحارب طواحين الخروقات، فإنه سيغرق وإياها في دوامة قاتلة، وقد يصبح مجلسا فارغا كمجالس عديدة أقوى، ومنها من هو دستوري صارت اسماً بلا حركة وعنوانا بلا بنيان.

ورغم كل هذه الخواطر الذاتية القاسية أحيانا، لن أختم إلا بتفاؤل، لأهنئ الجميع بهذه الخطوة الصغيرة على رقعة الواقع والكبيرة في أحلامنا، "وإن يعلم الله في قلوبكم خيراً يوتيكم خيراً" صدق الله العظيم.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

خواطر على ضفاف مجلس خواطر على ضفاف مجلس



GMT 14:15 2024 الأربعاء ,15 أيار / مايو

في ذكرى النكبة..”إسرائيل تلفظ أنفاسها”!

GMT 12:08 2024 الثلاثاء ,14 أيار / مايو

مشعل الكويت وأملها

GMT 12:02 2024 الثلاثاء ,14 أيار / مايو

بقاء السوريين في لبنان... ومشروع الفتنة

GMT 11:53 2024 الثلاثاء ,14 أيار / مايو

“النطنطة” بين الموالاة والمعارضة !

GMT 11:48 2024 الثلاثاء ,14 أيار / مايو

نتنياهو و«حماس»... إدامة الصراع وتعميقه؟

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ المغرب اليوم
المغرب اليوم - المغرب يفقد 12 مركزاً في تصنيف مؤشر تنمية السياحة والسفر لعام 2024

GMT 08:59 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

أطعمة ومشروبات تساعد في علاج الكبد الدهني وتعزّز صحته
المغرب اليوم - أطعمة ومشروبات تساعد في علاج الكبد الدهني وتعزّز صحته

GMT 08:25 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

اندلاع حريق ضخم في موقع لتجارب إطلاق صواريخ فضائية في اليابان
المغرب اليوم - اندلاع حريق ضخم في موقع لتجارب إطلاق صواريخ فضائية في اليابان

GMT 02:13 2018 الأربعاء ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

تمثال لدبين قطبيين يُثير ذهول عملاء مركز تسوق

GMT 07:35 2016 الأحد ,18 كانون الأول / ديسمبر

أفضل مناطق لسياحة التزلج على الجليد في أوروبا

GMT 14:22 2023 الأحد ,18 حزيران / يونيو

زلزال بقوة 3.2 درجة تضرب ولاية "مانيبور" الهندية

GMT 19:58 2020 الخميس ,09 كانون الثاني / يناير

أسماك القرش تنهش جثة لاعب كرة قدم في أستراليا

GMT 18:31 2019 الأحد ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

تشابي ألونسو يؤكد جوارديولا سبب رحيلي عن ريال مدريد

GMT 21:58 2019 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

لطيفة رأفت تلهب مواقع التواصل الاجتماعي بمظهر جذاب

GMT 19:58 2019 الأربعاء ,23 تشرين الأول / أكتوبر

دراسة تكشف عن قدرات النمل في علاج نفسه والنباتات

GMT 16:57 2019 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

تأجيل مباراة الرجاء البيضاوي ورجاء بني ملال

GMT 13:23 2019 الثلاثاء ,01 تشرين الأول / أكتوبر

لعبة SPIDER-MAN الأكثر مبيعا داخل اليابان في سبتمبر

GMT 15:35 2019 الأربعاء ,27 آذار/ مارس

وفاة شخص في حادثة سير خطيرة وسط الدار البيضاء
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib