صخرة عنترة

صخرة عنترة

المغرب اليوم -

صخرة عنترة

رشيد مشقاقة

لنبتسم قليلا. أصدرت إحدى محاكم المملكة حكما بإدانة مرتكبي الشغب بالملاعب بعقوبة حبسية موقوفة التنفيذ، مع منعه من دخول ملعب كرة القدم الذي حدث به الفعل الجرمي.
ولو أن هذا الحكم القضائي صدر في البلاد التي يشبه فيها الملعب قاعة السينما المجهزة بأحدث الوسائل التكنولوجية بكراسيه المرقمة، ومرافقه اللوجيستيكية غير المعطلة وأبوابه الإلكترونية الدقيقة لما حدث الاستغراب، ولو أنه قضى بالعقوبة على من يحمل بطاقة وطنية في الذهاب والإياب، ويحرص على حجز تذكرة دخول الملعب بصفة نظامية، وهو على يقين تام أنه سيجد مقعدا بالمدرجات، وأنه لن ينطلق كالسهم المنفلت هو وزملاؤه حتى لا يتعرضوا للأذى الطائش لما ابتسمت من أعماقي لهذا الحكم الفريد.
وقد استحضرت بهذا الحكم القضائي واقعة ذلك الأب الذي فقأ صقر يملكه القاضي قراقوش عين ولده، فلما وقف أمام هذا الأخير، طمأنه قائلا: «لا تخشى مكروها، سننتقم من الصقر، فقد أغلقت أبواب المدينة حتى لا يفلت من العقاب»؟ فما كان من الأب وابنه إلا أن فرا من مجلس القاضي.
سيحرج القاضي مصدر الحكم بمنع المشاغب من ولوج الملعب جهة التنفيذ، وسيحتار قاضي تنفيذ العقوبة أو النيابة العامة في انتقاء الوسيلة المثلى لإيقاع العقوبة الإضافية أو التكميلية، فالغالب الأعم أن فئات عريضة من مرتادي ملاعب كرة القدم لا تدخلها من أبوابها، وإنما لضيق ذات اليد تقفز من أسوارها. وأذكر أنني زمن الطفولة تسلقت سور ملعب سلا، فسقطت بين يدي أحد أفراد القوات المساعدة الذي كان مختفيا أسفل السور، فأشفق عليّ فأطلقت ساقي للريح. وكيف يستطيع حراس الملعب أن يضبطوا هوية المعاقب وسط هذه الجحافل من الجمهور المزودة بالطبول والمزامير والشهب النارية؟ وأنى لهم أن يتوفروا على صورته وبطاقته الوطنية للقيام بالمتعين.
وقد همس صاحبي في أذني قائلا: «لِم لا يضع قاضي تنفيذ العقوبة بأذن المشاغب المحكوم عليه كاميرا صغيرة مثل التي نراها في قناة «ناسيونال جيوغرافيك» مزروعة في الأشجار وبآذان الحيوانات والأسماك لتتبع حركاتها وسكناتها؟
ولم يكن ما اقترحه صاحبي جديا ولا ممكنا، فإمكانيات قاضي تنفيذ العقوبة عندنا قاصرة تشريعيا ولوجيستيكيا، ولم تحقق الغاية من ميلاده أبدا.
سبق القاضي زمنه باجتهاده، ولعلي بالهدف من عقوبته تخويف محترفي الشغب أنهم متى أتوه مستقبلا حرموا من ارتياد الملاعب، والقول بغير ذلك لن يمنع المحكوم ضدهم من التحايل في التنفيذ بحلاقة الرؤوس بطرق غريبة للاشتباه فيهم أو وضع أقنعة على وجوههم، ولو اضطرت الشرطة أن ترفع عن كل وجه قناعه قبل انطلاق المباراة لما تحققت الغاية.
لم يكن هذا الحكم القضائي وحده الذي أعجز جهة التنفيذ على ترجمته إلى واقع ملموس، فقد لا تسعف اللغة أحيانا في تحقيق المرمى من منطوق الأحكام القضائية، مثل ذلك المنطوق الذي بمقتضاه حكم على المدعى عليه برفع حجر سقط من أرضه على أرض المدعي، فوقف المنفذ مندهشا لما وجد وزن الصخرة يضاهي صخرة عنترة، والتفت إلى المنفذ إليه النحيف البنية، وعاد من حيث أتى.
وقد أصدر قاض حكما عادلا لرفع الضرر عن الزوجة المظلومة فأمر بإسكانها بين قوم صالحين، ولازالت جهة التنفيذ تبحث عن هؤلاء القوم الصالحين لإسكان المرأة بينهم.
قد يُحار المرء أحيانا في إنصاف المظلوم ورفع الأذى عن الناس، وقد تفتق ذهن القاضي قراقوش على وسيلة فعالة ليُطمئن الدائن على ماله، فلما علل المدين عدم وفائه بالدين لصاحبه بقوله: «يا سيدي القاضي كلما توفر لي المال لأسدد به ما عليّ لم أجد الدائن».
نظر إليه قراقوش جيدا وأمر السجان قائلا: «اسمع. اسجن الدائن عندنا، حتى إذا توفر المال لهذا المدين أدى له بالسجن عندنا».
فخاف الدائن على نفسه وفر هاربا.
ومن باب القياس يمكن الاستئناس بمثل هذه الوسائل في التنفيذ، فما علة قاضي تنفيذ العقوبة إلا أن يفكر فقط..

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

صخرة عنترة صخرة عنترة



GMT 19:35 2024 الثلاثاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

زحام إمبراطوريات

GMT 19:33 2024 الثلاثاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

اليمامة تحلّق بجناحي المترو في الرياض

GMT 19:29 2024 الثلاثاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

ماذا وراء موقف واشنطن في حلب؟

GMT 19:26 2024 الثلاثاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

أزمة ليبيا باقية وتتمدد

GMT 19:25 2024 الثلاثاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

السينما بين القطط والبشر!

GMT 19:23 2024 الثلاثاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

خطيب العرابيين!

GMT 19:20 2024 الثلاثاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

روشتة يكتبها طبيب

GMT 19:17 2024 الثلاثاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

أنجيلا ميركل؟!

إطلالات الأميرة رجوة الحسين تجمع بين الرقي والعصرية

عمّان - المغرب اليوم

GMT 08:27 2024 الثلاثاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

نصائح قبل شراء طاولة القهوة لغرفة المعيشة
المغرب اليوم - نصائح قبل شراء طاولة القهوة لغرفة المعيشة

GMT 16:38 2016 الجمعة ,23 كانون الأول / ديسمبر

إضافة 408 هكتارات من الحدائق والمساحات الخضراء في بكين

GMT 10:48 2019 السبت ,30 تشرين الثاني / نوفمبر

جنون الريمونتادا

GMT 12:35 2019 الثلاثاء ,16 إبريل / نيسان

امرأة تعقد عقد جلسة خمرية داخل منزلها في المنستير

GMT 04:14 2019 الخميس ,31 كانون الثاني / يناير

ارتفاع سعر الدرهم المغربي مقابل الريال السعودي الخميس

GMT 10:06 2019 الثلاثاء ,29 كانون الثاني / يناير

الطاعون يلتهم آلاف المواشي في الجزائر وينتشر في 28 ولاية

GMT 03:21 2019 الجمعة ,25 كانون الثاني / يناير

إعادة افتتاح مقبرة توت عنخ آمون في وادي الملوك

GMT 10:21 2019 السبت ,12 كانون الثاني / يناير

فضيحة جنسية وراء انفصال جيف بيزوس عن زوجته

GMT 09:04 2018 الأربعاء ,12 كانون الأول / ديسمبر

والدة "راقي بركان" تنفي علمها بممارسة نجلها للرقية الشرعية
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib