أنا لن أكون يوما قاضيا

أنا لن أكون يوما قاضيا

المغرب اليوم -

أنا لن أكون يوما قاضيا

رشيد مشقاقة

في الوقت الذي يدور فيه نقاش هادئ بين رجال الإعلام المصري ورجال القضاء والقانون حول حدود حرية الفكر وتقاطعها مع مبدأ احترام الأعراض والثوابت، وتصدر جرائد مثل «القاهرة» و»أخبار اليوم» و»اللواء الإسلامي» حواراً مجديا ذا فائدة حول دور القضاء، قال رئيس محكمة النقض المصري: «أي تهكم على القضاء والقضاة إهانة للسيادة والشعب».

لم يجد الأستاذ مصطفى العلوي، مدير جريدة «الأسبوع السياسي» فقرة يجتزئها من كتابه: «الحسن الثاني الملك المظلوم» وينشرها بالعدد 871 من تاريخ 4-2-2016 سوى قوله إن مواطنة يهودية قتلت زوجها فتزوج بها القاضي الذي بَرّأ ساحتها ليختطفها بعد ذلك كُومُنـدُو إسرائيلي، فلمَّا بلغ الخبر إلى الملك الراحل الحسن الثاني أورد المؤلف عبارة قال إنها صدرت عن الملك: تقول «أنا لن أكون يوما قاضيا».

نَسِي الأستاذ مصطفى العلوي أن الملك الحسن الثاني طيب الله ثراه يحب قضاءه وقضاته، وهو الذي قال عنهم يوم 24-4-1995: «إن جل العلماء والأساتذة الذين كان لي حظ أخذ العلم عنهم كانوا قضاة وكان القاضي آنذاك ـ وكما تعلمون ـ لا رجل حكمة فقط، بل كذلك رجل المجتمع، ورجل الشارع، ورجل النصح والتصالح، والصلح والتصالح.

وكنا نجد القاضي مفتيا وعالما ومشاركا وجليسا صاحب نكتة وشمولية سواء في تكوينه أو معلوماته».

الذي قلت إنه لن يكون يوما قاضيا، هو الذي قال إن القاضي في منزلة دون منزلة الرسل والأنبياء، ولكن فوق منزلة الموظفين. إن الأمانة قد أخذت من عنقنا ووضعت في عنقه.

الحالات التي قدمها الأستاذ مصطفى العلوي هي حالات معزولة وشاذة، ولا يجوز أبدا القياس عليها، والحرص على ذلك يخفي نية غير سليمة، ويدفع في اتجاه إهانة القضاء كسلطة يُناط بها دستوريا إقرار العدالة، فاحترام القضاة والقضاء يمثل سيادة الدولة، لِما يمثله القاضي من هيبة الدولة وسلطانها.

لم يذكر المؤلف في كتابه نماذج كبار القضاة الذين عاشوا في المرحلة التي كتب عنها، ولم يجتزئ فقرة تنتصر لشيمهم وشجاعتهم واستقلالهم ليضعها في صفحة من صفحات جريدته، إنه اصطياد في الماء العكر وتقديم السم في الدسم لتأليب الصدور على القضاة في مرحلة دقيقة وحساسة يحرص فيها الملك محمد السادس والأطراف القضائية، وغير القضائية الفاعلة على تمتين بناء السلطة القضائية.

وقد اكتشفت بحُكْمِ قراءاتي المتكررة لما يكتبه الأستاذ مصطفى العلوي سواء في كتبه أو مقالاته أنه معجب بالتاريخ وأحداثه، وإنّي لأرشده إلى قراءة سيرة قضائنا في الإسلام، فهناك جوانب مشرقة في أعمالهم القضائية والفقهية غطـّت بشكل كبير على هفواتهم القليلة التي ينطبق عليها قول الله عز وجل: «ونفس وما سواها فألهمها فجورها وتقواها»، صدق الله العظيم. ألم يقل القاضي أبو جعفر في زمن الخليفة المقتدر:

رَأيْتُ العَيْبَ يَلصِقُ في المَعَالِي

                        لصَوقَ الحِبْر فِي بيض الثِياب

ويُخْفَي في الدّنيء فلا تراه

                        كما يُخْفي السَّوادُ على الإهَابِ

الملوك العلويون يتَمثلون بقول النبي محمد صلى الله عليه وسلم عندما يتكلمون عن القضاة..»سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله» وأنتم ممثلو الإمام جعلكم الله من العادلين في أحكامكم».

هؤلاء هم القضاة، هم بكل تأكيد ليسوا من الذين ذكرتهم في كتابكم، لا تنس أن مسامير المائدة يسعون بكل ما أُتوا من قوة إلى أكل الثوم بفم القضاة، لتشويه صورتهم، ولإضعاف مكانتهم كلمّا أرادوا أن يشبوا عن الطوق، لقد كان الحسن الثاني طيب الله ثراه، ينادي على القاضي بـ»القاضي النزيه».

ويوصي مستشاريه أن يبلغوهم رضاه عنهم، وقد تُحاك حولهم الدسائس والحكايات للنيل منهم.

ومن سخف الأقدار وعبثه أن يساهم القضاة أنفسهم حُباً في المنصب استمراراً أو ظفراً في الإساءة لزملائهم وينسون أنهم يسيئون للقضاء.

أنا لن أكون يوما قاضيا، لا تعني ارتدادا عمّا يكنه الملك الراحل لقضاته وقضائه من حب، بل هو رد فعل حول سلوك منفرد. أمّا القضاة فهم الناطقون دوما وأبدا في أحكامهم باسم جلالة الملك، فهو الضامن لاستقلالهم والساهر على هيبتهم واستقلالهم، وما أتى به الأستاذ مصطفى العلوي، ونظم له حملة إشهارية بجريدته معناه الصحيح هو: «لن أكون يوما قاضيا مثل هذا الذي تزوج بقاتلة زوجها»، ثم «لا ينبغي أن نقف عند ويل للمصلـين».

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

أنا لن أكون يوما قاضيا أنا لن أكون يوما قاضيا



GMT 19:35 2024 الثلاثاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

زحام إمبراطوريات

GMT 19:33 2024 الثلاثاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

اليمامة تحلّق بجناحي المترو في الرياض

GMT 19:29 2024 الثلاثاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

ماذا وراء موقف واشنطن في حلب؟

GMT 19:26 2024 الثلاثاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

أزمة ليبيا باقية وتتمدد

GMT 19:25 2024 الثلاثاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

السينما بين القطط والبشر!

GMT 19:23 2024 الثلاثاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

خطيب العرابيين!

GMT 19:20 2024 الثلاثاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

روشتة يكتبها طبيب

GMT 19:17 2024 الثلاثاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

أنجيلا ميركل؟!

إطلالات الأميرة رجوة الحسين تجمع بين الرقي والعصرية

عمّان - المغرب اليوم

GMT 08:27 2024 الثلاثاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

نصائح قبل شراء طاولة القهوة لغرفة المعيشة
المغرب اليوم - نصائح قبل شراء طاولة القهوة لغرفة المعيشة

GMT 16:38 2016 الجمعة ,23 كانون الأول / ديسمبر

إضافة 408 هكتارات من الحدائق والمساحات الخضراء في بكين

GMT 10:48 2019 السبت ,30 تشرين الثاني / نوفمبر

جنون الريمونتادا

GMT 12:35 2019 الثلاثاء ,16 إبريل / نيسان

امرأة تعقد عقد جلسة خمرية داخل منزلها في المنستير

GMT 04:14 2019 الخميس ,31 كانون الثاني / يناير

ارتفاع سعر الدرهم المغربي مقابل الريال السعودي الخميس

GMT 10:06 2019 الثلاثاء ,29 كانون الثاني / يناير

الطاعون يلتهم آلاف المواشي في الجزائر وينتشر في 28 ولاية

GMT 03:21 2019 الجمعة ,25 كانون الثاني / يناير

إعادة افتتاح مقبرة توت عنخ آمون في وادي الملوك

GMT 10:21 2019 السبت ,12 كانون الثاني / يناير

فضيحة جنسية وراء انفصال جيف بيزوس عن زوجته

GMT 09:04 2018 الأربعاء ,12 كانون الأول / ديسمبر

والدة "راقي بركان" تنفي علمها بممارسة نجلها للرقية الشرعية
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib