هنيئا لنا برئيس حكومتنا الذي يُضحكنا

هنيئا لنا برئيس حكومتنا الذي يُضحكنا..!

المغرب اليوم -

هنيئا لنا برئيس حكومتنا الذي يُضحكنا

عبد الله الدامون

يفخر عبد الإله بنكيران بأشياء كثيرة، من بينها أنه صمام أمن وأمان وضامن للاستقرار في المغرب، حتى أنه لا يتردد، عندما يتعرض لكثير من الاستفزاز، بتذكير العفاريت والتماسيح بأن الربيع العربي لم ينته، ويقول لهم إنه لو رحل سيغرق المغرب في الفوضى. بنكيران لم يكن يوما في صف هذا الذي يسمى ربيعا، لكنه يستعمله بين الفينة والأخرى كفزاعة مفيدة جدا. يفخر بنكيران بأشياء كثيرة أخرى، من بينها أنه الرجل الذي تجرأ على إصلاح ما لم يكن من الممكن إصلاحه، مثل صندوق التقاعد وصندوق المقاصة وباقي الصناديق الفارغة التي لم يفرغها الشعب، لكن بنكيران طالب الشعب بملئها من جديد حتى يجد الآخرون ما يسرقونه من جديد. في لائحة مفاخر بنكيران أشياء أخرى بالتأكيد، لكنه كان من الممكن أن يحقق أشياء كثيرة جدا وأكثر أهمية بكثير لو أنه لم يتصرف كخادم في دار المخزن. كان يجب أن يتصرف كرئيس حكومة حقيقي وصل إلى ما وصل إليه في انتخابات حرة ونزيهة، إلى حد ما، وفوق هذا وذاك يعطيه الدستور ما لم يعطه لمن سبقوه في هذا المنصب. لكن بنكيران رجل عاقل إلى درجة القرف، ويعرف أن الدستور المغربي يشبه سيارة عصرية يمكنها أن تسير بسرعة كبيرة، لكن المنعرجات كثيرة والفرامل «شويّة عيّانة» و»الجدارميّة» في الطريق يوقفونه في كل مرة «ليجبّدوا» له أذنيه، لذلك يركب في دستور يشبه «الكاتْ كاتْ» ويتصرف كأنه يسوق «الإيركاطْ». بنكيران يعرف كل هذا، لذلك يحتفظ لنفسه بحق الافتخار بإنجاز تاريخي لم ولن يسبقه إليه رئيس حكومة أو سياسي في المغرب، لا في الماضي ولا في الحاضر ولا فيما تبقى من أيام الله. هذا الإنجاز هو أن بنكيران أول وآخر رئيس حكومة في التاريخ يُضحك المغاربة، أحيانا على الهواء مباشرة، ومن يفتهم البث المباشر يلاحقونه على اليوتوب ومواقع التواصل الاجتماعي. المهم أن فرجة بنكيران مضمونة ومتاحة للجميع. مرة، كنا مجموعة من المغاربة، في جولة طويلة على الأرجل في عاصمة أوربية، فدار بيننا نقاش حول ظاهرة لم نكن نأبه بها سابقا، وهي أنه في كل مكان هناك إبهار وتسلية، ومغنون شعبيون ومهرجون في الساحات العمومية، وفنانون عباقرة في محطات المترو يعزفون ألحانا شجية، وأمسيات ترفيه شبه يومية في كل قرية ومدينة.تساءل بعضنا عن سر هذه الفرجة الشعبية في كل مكان، وعن سبب انتشار كل هؤلاء العباقرة في الإبداع في الشوارع العمومية، الذين يستجدون قروش العابرين، والذين لو كانوا في المغرب لمشوا على أصابع أرجلهم ولطالبوا الدولة بتمتيعهم بكل أشكال الاحترام المعنوي والدعم المادي. انتبهنا وقتها إلى أن أماكن الفرجة عندنا في المغرب محدودة بشكل كبير، رغم أن المغاربة شعب يحب أن يضحك ويستمتع، لكننا نادرا ما نلتقي في الشوارع ومحطات الحافلات من يملك مواهب جميلة يستخدمها لإبهار الناس وإمتاعهم مقابل بعض الدريهمات. الموهبة الوحيدة التي نجدها في شوارعنا وساحاتنا هي موهبة التسول الفج وكشف العاهات والعورات إلى درجة القرف، واستدرار العطف وتلاوة الأدعية الأكثر إثارة للعواطف وذرف الدموع واستعمال الأطفال في التسول بشكل بشع ولا إنساني. قارنّا بين الضحك والتسلية عندنا وبين الضحك والتسلية في الغرب فلم نجد أي رابط. حتى الضحك عندنا مرتبط بالفقر والحاجة والبؤس، وساحة الفْنا أبرز دليل على ذلك، بل حتى ثعابين «الكوبْرا» التي يتم الاستنجاد بها للتسلية تتحول إلى أدوات للقتل فتتحول التسلية إلى جنازة. وقتها وصلنا إلى استنتاج واضح، وهو أن أوربا تتمتع بكل هذه المواهب في الإسعاد والتسلية لأنها تفصل بين الأشياء وتضع كل واحد في مكانه، فالمهرج مكانه السيرك أو الشارع، والممثل مكانه السينما أو المسرح، والسياسي مكانه الأحزاب والمؤسسات، وعمله غاية في الجدية ولا مكان فيه للتسلية والضحك، أما نحن فلا نتوفر على فضاءات خاصة للتسلية والضحك لأن كل شيء اختلط حتى صار رئيس الحكومة هو المُضحك الأول للمغاربة.كنا نتمنى ألا يضحكنا بنكيران، وعوض ذلك يبكينا ويرينا صورتنا في المرآة، فلعبة التهريج مارسها كثيرون قبله ولم تعط سوى شعوب كسيحة ومتخلفة عقليا وطبقة سياسية فاسدة ومتعفنة. في الثلاث سنوات الأخيرة تم القبض في إسبانيا على سبعة آلاف شخص بتهمة الفساد، والمتهمون ينتمون إلى مختلف المشارب السياسية والطبقات الاجتماعية وفيهم سياسيون بارزون جدا ومقاولون كبار، بينهم أخت الملك وزوجها.  وفي السنوات الثلاث الماضية، وحتى سنوات طويلة قبلها، لم يسبق للإسبان أن سمعوا رئيس حكومتهم يحكي نكتة أو يقهقه، بل نادرا ما يبتسم، وحين يحاول يبدو كأنه يبكي. هنيئا لنا برئيس حكومتنا الذي يسلّينا ويُضحكنا، وخلفه الفاسدون يقهقهون عليه وعلينا.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

هنيئا لنا برئيس حكومتنا الذي يُضحكنا هنيئا لنا برئيس حكومتنا الذي يُضحكنا



GMT 12:34 2018 الأحد ,11 شباط / فبراير

الحكومة فين والشعب فين

GMT 23:46 2018 الجمعة ,09 شباط / فبراير

طاجين أبريل احترق أو يكاد

GMT 05:51 2017 الأربعاء ,13 كانون الأول / ديسمبر

العثماني ولعبة «Rodéo»

GMT 06:27 2017 الأربعاء ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

احذروا ثورة الجياع

GMT 05:55 2017 الخميس ,03 آب / أغسطس

محظيات لا أحزاب

إطلالات الأميرة رجوة الحسين تجمع بين الرقي والعصرية

عمّان - المغرب اليوم

GMT 00:54 2024 الجمعة ,29 تشرين الثاني / نوفمبر

روحي فتوح لتولّي رئاسة السلطة الفسطينية حال شغور المنصب
المغرب اليوم - روحي فتوح لتولّي رئاسة السلطة الفسطينية حال شغور المنصب

GMT 22:21 2024 الخميس ,28 تشرين الثاني / نوفمبر

ترامب يناقش إبعاد بعض وسائل الإعلام من البيت الأبيض مع نجله
المغرب اليوم - ترامب يناقش إبعاد بعض وسائل الإعلام من البيت الأبيض مع نجله

GMT 18:29 2024 الجمعة ,29 تشرين الثاني / نوفمبر

أخنوش يتباحث مع الوزير الأول لساو تومي
المغرب اليوم - أخنوش يتباحث مع الوزير الأول لساو تومي

GMT 07:41 2024 الإثنين ,28 تشرين الأول / أكتوبر

إكس" توقف حساب المرشد الإيراني خامنئي بعد منشور بالعبرية

GMT 16:47 2022 الجمعة ,14 كانون الثاني / يناير

حزب التجمع الوطني للأحرار" يعقد 15 مؤتمرا إقليميا بـ7 جهات

GMT 13:43 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 06:07 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

صادرات الحبوب الأوكرانية تقفز 59% في أكتوبر

GMT 06:23 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

صندوق النقد يتوقع نمو اقتصاد الإمارات بنسبة 5.1% في 2025

GMT 06:50 2024 الأربعاء ,30 تشرين الأول / أكتوبر

نصائح لتحديد أفضل وقت لحجز رحلاتكم السياحية بسعر مناسب

GMT 04:32 2020 الإثنين ,23 آذار/ مارس

ستائر غرف نوم موديل 2020

GMT 15:48 2020 الأربعاء ,01 كانون الثاني / يناير

لا تتسرّع في خوض مغامرة مهنية قبل أن تتأكد من دقة معلوماتك

GMT 05:27 2015 الأربعاء ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

إيران تشن حملة ضد ممثلة نشرت صورها دون الحجاب
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib